< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص. تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده:

    1. تعارض أصالة العموم مع أصالة عدم الاستخدام.

    2. الأوجه الثلاثة في المسألة: تقديم أصالة العموم، تقديم أصالة عدم الاستخدام، عدم تقديم أحدهما فيكون اللفظ مجملا، وحينئذ نقتصر على القدر المتيقن.

    3. مختار صاحب الكفاية (ره) وذكر كلامه.

ذكرنا ان محل النزاع: ان لا يكون في حكم واحد، ثانيا: ان يكون كل من الحكمين مستقلا، ثالثا: هل يصح عود الضمير إلى مرجعه يصلح ان يكون قرينة لتخصيص المرجع أو لا.

وقد اختلفت آراء الأصوليين على ثلاثة أوجه في مسألة تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده.

الوجه الأول: تقدّم أصالة العموم، في المثال الذي ذكرناه أمس تبقى " المطلقات " على عمومها أي كل مطلّقة تتربص بنفسها ثلاثة قروء وليس خصوص الرجعيات، وبذلك لا يكون قوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ قرينة على المراد من المطلقات. فإذا قلنا بتقديم اصالة العموم يكون عندنا أصل لفظي " كل مطلّقة الأصل فيها ان تكون عدّتها ثلاثة أشهر إلا ما خرج بدليل " ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ خاصة بالرجعيات ويكون الضمير حينئذ من باب الاستخدام، لان الاستخدام عود الضمير إلى بعض أو غير ما هو له. إلى بعض ما هو له مثل العام والخاص، وغير ما هو له من قبيل الحقيقة والمجاز.

الوجه الثاني: رفع اليد عن أصالة العموم، أي تقديم أصالة عدم الاستخدام، وبذلك يعود الضمير في " بعولتهنّ " إلى نفس المراد من مرجعه وهنّ الرجعيات، فلا يكون الاستعمال من باب الاستخدام، أي تقديم أصالة عدم الاستخدام. وقلنا ان الاستخدام هو خلاف الأصل، أن الغاية من وضع الضمائر هو عدم تكرار مرجعه وهو الاسم الظاهر ولذا كان الأصل التطابق لا الاستخدام.

الوجه الثالث: تعارض الظهور في أصالة العموم مع الظهور في عدم الاستخدام، لان الاستخدام خلاف الأصل، فالظاهر عدمه، أي تتعارض الأصالتان، " المطلقات " ظاهرة في العموم و " هنّ " ظاهرة في الرجوع إلى بعض العام لان المراد منها بعض المطلقات، فيكون من باب الإستخدام، أصالة العموم تتعارض مع أصالة عدم الاستخدام، وبالتالي يصبح العام مجملا، لا نعمل بإحداهما من دون نفي أحدهما ونقتصر فيه على القدر المتيقّن [1] ، كما في كل مجمل. وهذا الوجه اختاره صاحب الكفاية (ره).

كلام صاحب الكفاية (ره): والتحقيق أن يقال: إنه حيث دار الامر بين التصرف في العام، بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه،...

وهذا خلاف الأصل أي تنتفي اصالة العموم في مثال " وبعولتهنّ " خاصة بالرجعيات، فيكون المراد من المطلقات خصوص الرجعيات.

أو التصرف في ناحية الضمير: إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه، أو إلى تمامه مع التوسع في الاسناد،

أي ان يكون عندي مجاز في الاسناد مثلا: " بنى فرعون الاهرام " الحقيقة ان عمال فرعون هم بنوا الاهرام، او " جرى الميزاب " الحقيقة ان الماء في الميزاب هو الذي جرى، فإسناد اللفظ جرى إلى غير الجاري الحقيقي. وفي مثال المطلقات و " بعولتهنّ " مفروض ان تكون للمطلقات أعاد الضمير إلى غير ما هو له.

بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعا وتجوزا، كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير،

أي مع المجاز في الاسناد تبقى " المطلقات " على عمومها و " بعولتهنّ " تبقى للرجعيات.

وذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد، لا في تعيين كيفية الاستعمال، وإنه على نحو الحقيقة أو المجاز... [2]

أصالة الظهور، وأصالة العموم، وأصالة الحقيقة، وأصالة الاطلاق، يقول صاحب الكفاية (ره) إن الأصول اللفظية أصول عقلائية، والعقلاء إنما يجرونها عند الشك في المراد لا عند الشك في الاستعمال، وذلك لان ما يهمّ العقلاء هو المرادات، لأن عليها ترتب الآثار، أما كيفيّة الاستعمال أهي على نحو الحقيقة او على نحو المجاز في المفرد، او المجاز في الاسناد، او ما هو نوع المجاز، هل هو استعارة، او استعارة بالكناية، او المجاز المرسل وكيفيّة حدوثه، فهذا ما لا يهتم به العقلاء إلا النخب فهم الذين يبحثون ذلك.

وقد أعطيت المثال التالي وهو الاستعارة بالكناية في بحث المسألة في مباحث الالفاظ واكرره:

إذا قيل: " انشبت المنيّة أظافرها بفلان " يفهم الناس من هذه العبارة موته، وبعد ذلك يرتبون آثار موته، من دون سؤال عن كيفيّة حصول هذا البيان، حيث إن المتكلّم شبّه المنية بالأسد، وحذف المشبّه به " الأسد " واثبت بعض لوازم المشبه به للمشبّه " المنيّة " فهذه العمليّة (الاستعارة بالكناية) لا يهتم بها العقلاء إلا من كان من أهل الاختصاص كعلماء البلاغة. هذا أولا.

 


[1] في منهجية الإستنباط ذكرنا في الشبهة المفهوميّة: اطرق اولا باب الشارع فإن لم أجد فاطرق باب العرف، فإن لم أجد فاطرق باب اللغة، فإن لم أجد اخذ بالقدر المتيقّن، فإن لم أجد اصبح الدليل مجملا ونعود إلى دليل آخر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo