< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص. تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده:

    1. بيان كلام صاحب الكفاية (ره): وهو ان أصالة العموم وغيرها من الأصول اللفظيّة تجري عند الشك في المراد لا عند الشك في الاستعمال، أي تجري عند الشك فيما أريد لا عند الشك في كيف أريد.

    2. أصالة العموم لا تجري في " المطلقات " لعدم الظهور في العموم.

    3. تجري أصالة العموم في " المطلقات " إذا قلنا بحجيّة الأصول اللفظية تعبدا.

    4. مع عدم الظهور يكون العام مجملا.

    5. المختار: الضمير قرينة على تخصيص العام، وبالتالي لا يوجد استخدام، لان ظهور القرينة مقدّم على ظهور ذيها.

    6. الثمرة.

كان الكلام في ما لو عاد الضمير إلى بعض مرجعه أو إلى غير مرجعه هل نقدّم أصالة العموم أو أصالة عدم الاستخدام؟

نعود لكلام صاحب الكفاية (ره): والتحقيق أن يقال: إنه حيث دار الامر بين التصرف في العام، بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه،...

مع التصرف بالعام لا يكون هناك استخدام ويكون من باب التخصيص، فالضمير يكون مخصصا للعام، فإذن عاد إلى نفس ما هو له فلا يكون استخداما، حيث دار الامر بين التصرف بالعام لارادة خصوص ما اريد من الضمير أو التصرف في ناحية الضمير بان لا يجعل قرينة فيبقى العام على عمومه والضمير يرجع إلى بعض ما هو له فيحصل الاستخدام.

أو التصرف في ناحية الضمير: إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه، أو إلى تمامه مع التوسع في الاسناد، بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعا وتجوزا، كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير، ....

أي ان يكون عندي مجاز في الاسناد مثلا: " بنى فرعون الاهرام " الحقيقة ان عمال فرعون هم الذين بنوا الاهرام وليس فرعون، او " جرى الميزاب " الحقيقة ان الماء في الميزاب هو الذي جرى، فإسناد اللفظ جرى إلى غير الجاري الحقيقي. والفرق بين المجاز في الاسناد والمجاز في المفرد ان المجاز في المفرد مجاز بنفس الكلمة مثلا: " جرى الميزاب " إذا اعتبرناها مجاز في المفرد تكون كلمة ميزاب مستعملة في الماء فتكون مجازا في المفرد. اما المجاز في الاسناد فإن كلمة " جرى " مستعملة في معناها الحقيقي وكذلك "الميزاب" مستعملة في معناها الحقيقي لكن النسبة مجازيّة وسميّت بالمجاز العقلي.

وذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد، لا في تعيين كيفية الاستعمال وإنه على نحو الحقيقة أو المجا..

قلنا ان بناء العقلاء او سيرتهم في الأصول اللفظية هذه انما تجري عند الشك في المراد لا عند الشك في الاستعمال، والسر في ذلك ان العقلاء انما يهمّهم المرادات ولا يهمهم الاستعمال، وقد أعطيت المثال التالي وهو الاستعارة بالكناية في بحث المسألة في مباحث الالفاظ واكرره:

إذا قيل: " انشبت المنيّة أظافرها بفلان " يفهم الناس من هذه العبارة موته، وبعد ذلك يرتبون آثار موته، من دون سؤال عن كيفيّة حصول هذا البيان.

نكمل كلام صاحب الكفاية: في الكلمة أو الاسناد مع القطع بما يراد، كما هو الحال في ناحية الضمير. وبالجملة: أصالة الظهور إنما يكون حجة فيما إذا شك فيما أريد، لا فيما إذا شك في أنه كيف أريد، فافهم، لكنه إذا انعقد للكلام ظهور في العموم، بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا، وإلا فيحكم عليه بالاجمال، ويرجع إلى ما يقتضيه الأصول، إلا أن يقال باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا، حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي كما عن بعض الفحول. [1] انتهى كلامه رفع مقامه.

يقول صاحب الكفاية من أين أتت أصالة الحقيقة؟ هل أنها جاءت من سيرة وبناء العقلاء على حمل اللفظ على معناه الحقيقي عند الشك في المراد، أو أن هذا البناء من العقلاء على أساس التعبد ظهر المعنى أم لم يظهر؟

نحن نسلم بان العقلاء يعملون بأصالة الحقيقة عند الشك وجعلت الأصول لفهم المرادات مثلا: " رأيت اسدا " وشككت بانه " اسد حقيقي " او " رجل شجاع " نسلم بحمله على المعنى الحقيقي، لكن هذا الحمل هل هو من باب الظهور وعمل العقلاء بالظواهر أو تعبدا لانه بمجرّد الشك آخذ بالحقيقة ظهر فيها أم لم يظهر؟ من قبيل التعبد الشرعي، مثلا:" لماذا صلاة الصبح ركعتان؟ " تعبدا علمنا السبب أم لم نعلم.

بعضهم قال ان العمل بالأصول اللفظية كأصالة الحقيقة وأصالة العموم وأصالة الاطلاق هو العمل بالظاهر لانه ظاهر فنأخذ به، وهذا نؤيده.

بناء على كون حجيّة الأصول اللفظية تعبدا:

لكن بعضهم قال ان أصالة العموم يؤخذ بها تعبدا ظهرت في العموم أم لم تظهر، لذلك قال صاحب الكفاية " إلا أن يقال باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا ". وتطبيقا على مثالنا: " المطلّقات " ظاهرة في العموم، واصالة العموم إذا كانت تعبديّة اخذ بأصالة العموم إلا ان يقوم دليل على غيره، فتكون كل المطلّقات يتربصنّ بأنفسهنّ ثلاثة قروء " وبعولتهنّ " خاصة بالرجعيات، فيصبح على نحو الاستخدام مع القول بأصالة العموم أو الحقيقة أو الاطلاق تعبدا، لكن صاحب الكفاية لا يقول بذلك فان الأصالات اللفظية انما تجري بسبب الظهور، وهذا الظهور في " المطلقات " غير تام عنده لوجود ضمير صالح للتخصيص، أي اكتنف الكلام ما يمكن ان يكون مخصصا له، فلا يمكن الاخذ بالعموم، إذن اصالة العموم لا تجري إلا على القول بان اصالة العموم تجري تعبدا. ولذلك ذهب صاحب الكفاية إلى الاجمال لان الضمير عاد إلى بعض ما هو له فلا نقدم أصالة العموم ولا أصالة عدم الاستخدام.

بيان كلام صاحب الكفاية (ره):

إن الأصول اللفظية أصول عقلائية، والعقلاء إنما يجرونها عند الشك في المراد لا عند الشك في الاستعمال وذلك ان ما يهمّ العقلاء هو المرادات، لأن عليها ترتب الآثار، أما كيفيّة الاستعمال أهي على نحو الحقيقة أو على نحو المجاز في المفرد، أو المجاز في الاسناد، أو ما هو نوع المجاز، هل هو إستعارة، أو استعارة بالكناية، أو المجاز المرسل وكيفيّة حدوثه؟ فهذا ما لا يهتم به العقلاء إلا النخب فهم الذين يحتاجون ذلك.

وقد أعطيت المثال التالي في بحث المسألة في مباحث الالفاظ واكرره:

إذا قيل: " انشبت المنيّة أظافراها بفلان " يفهم الناس من هذه العبارة موته، وبعد ذلك يرتبون آثار موته من دون سؤال عن كيفيّة حصول هذا البيان، حيث إن المتكلّم شبّه المنية بالأسد، وحذف المشبّه به " الأسد " واثبت بعض لوازم المشبه به للمشبّه " المنيّة " فهذه العمليّة (الاستعارة بالكناية) لا يهتم بها العقلاء إلا من كان من أهل الاختصاص كعلماء البلاغة. هذا أولا.

وثانيا: إن أصالة العموم وأصالة الحقيقة هي من باب الظهور والعمل بها من باب حجيّة الظهور، فإذا لم يكن العموم ظاهرا لاكتنافه بما يصلح للقرينيّة فيمنع من الظهور، لا تجري أصالة الظهور.

نعم، هي تجري بناء على كون العقلاء يعملون بأصالة الحقيقة تعبدا حتى لو لم يحصل ظهور، وهذا ما لا يقول به صاحب الكفاية ولا نحن.

تطبيق ما ذكرنا من ان أصالة الظهور تجري عند الشك في المراد:

المراد من الضمير واضح " وبعولتهنّ "، وهو خصوص المطلّقات الرجعيات، وعليه، فإذا شككنا في كون ذلك قرينة على ان المراد من العموم " المطلقات " هو الخصوص، أي بعض المطلّقات، فهذا الشك يمنع " المطلقات " من الظهور في العموم، فيكون العام مجملا ونرفع اليد عن أصالة العموم.

أما لو قلنا بأن أصالة العموم تعبديّة عقلائيا، فحينئذ تجري أصالة العموم، ويتم الاستخدام، لعود الضمير حينئذ إلى بعض من هو له.

المختار: هو الوجه الثاني، أي تقديم أصالة عدم الاستخدام على أصالة العموم، ذلك أن ما ذكره صاحب الكفاية (ره) متين من حيث إن الأصول اللفظية تجري عند الشك في المراد لا عند الشك في الاستعمال، ومن ان حجيّة أصالة الحقيقة وغيرها ليست تعبدّية، بل ترجع إلى حجيّة أصالة الظهور.

لكننا نختلف معه في الاستظهار، فإن الظاهر هو عدم الاستخدام، والاستخدام يحتاج إلى دليل، ذلك لأن عود الضمير إلى غير ما هو له قرينة على عدم الظهور في العموم، وظهور القرينة أقوى من ظهور ذي القرينة فيقدّم عليها. وهنا في المثال: " بعولتهنّ " الضمير عاد إلى بعض المطلّقات وهو أقوى وحاكما على عموم ذي القرينة " المطلقات "، فلا يكون اللفظ مجملا، بل يكون ظاهرا ولا مانع عقلا من رجوع الضمير إلى بعض المطلقات ولا إلى كل المطلقات بالاستخدام، لان الاستخدام لا مانع منه.

ولنأخذ هذا المثال ايضا: " رأيت أسدا وتعلّمت منه الشعر " قد يكون المراد من الضمير الأسد او الرجل الشجاع، ولا شك ولا ريب من كون الضمير في " منه " هو الرجل الشجاع وإن كان مرجعه الاسد، إذا عاد إلى الأسد الحيوان المفترس صار استخداما، وإذا قلنا ان الضمير قرينة على المراد من الأسد الرجل الشجاع لم يعد استخداما

وهذا يصلح قرينة على ان المراد من المرجع " أسدا " هو الرجل الشجاع، بل هو ظاهر في ذلك، والسبب في ذلك هو كون ظهور القرينة مقدّم على ظهور ذي القرينة.

ولعمري هذا واضح. ومن هنا عندي - وليس عند صاحب الكفاية - في الآية الكريمة وامثالها يحمل العام على الخاص، فـ " المطلّقات " يراد منه خصوص الرجعيات بقرينة رجوع الضمير إليه، والأصل في وضع الضمائر هو التطابق لا الاستخدام. فلو شككت، بل حتى لو دار الأمر بين أصالة العموم وأصالة عدم الاستخدام، فالظاهر هو رفع اليد أيضا عن أصالة العموم، لما ذكرنا من كون ظهور القرينة فيما هي فيه أقوى من ظهور ذي القرينة، طبعا مع العلم الواضح بالمراد من القرينة.

الثمرة من هذه المسألة: إن بقاء العموم على عمومه يعطي حكما عاما نستفيد منه عند الشك في موارد أخرى.

وهنا: في مثالنا إذا قلنا بتقديم أصالة العموم نستطيع ان نؤسس عموما وهو: كل مطلّقة عدتها ثلاثة قروء " إلا ان يقوم دليل على خلاف ذلك. أما إذا قلنا بتقديم أصالة عدم الاستخدام فلا نستطيع تأسيس هذا العموم لان المراد من المطلقات بعضهّن، فتكون النتيجة ان المطلقات الرجعيات عدتهن ثلاثة قروء، ليس هناك استخدام ولا قاعدة عامة في كل المطلّقات وتكون القاعدة في خصوص الرجعيات لا مطلق المطلقات.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo