< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/10/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تخصيص العام بالمفهوم الموافق والمخالف.

    1. معنى المنطوق والمفهوم.

    2. المفهوم: تارة مفهوم موافقة وتارة مفهوم مخالفة.

    3. المفهوم ناتج عن خصوصية في المنطوق، فإذا تعارضا قدّم المنطوق على المفهوم.

    4. أجيب عليه: هذا من باب تعارض المنطوق مع المنطوق، لأن الخصوصيّة التي ينشأ منها المفهوم موجودة في المنطوق. ولم نرتضي هذا الجواب، بل المنطوق أقوى من المفهوم ويقدّم عليه إذا لم يوجد سبب آخر للتقدّم.

    5. مفهوم الموافقة أصناف.

    6. فمنها ما كان من باب اسقاط الخصوصيّة مثل: رجل شك في الصلاة إذ لا خصوصيّة للرجولة.

    7. لحاظ المعنيين لا مانع منه وليس من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

النقطة الثانية التي نريد التذكير بها ما معنى المنطوق والمفهوم:

    1. المنطوق: بالمعنى اللغوي هو كل نطق (اسم مفعول)، اما بالمعنى الاصطلاحي: ما دلّ عليه اللفظ بالمطابقة أو التضمّن فيكون الموضوع مذكورا في منطوق اللفظ.

    1. المفهوم بالمعنى اللغوي ما يفهم (اسم مفعول)، اما بالمعنى الاصطلاحي: ما دلّ عليه اللفظ بالالتزام، بالدلالة الالتزاميّة بالمعنى الأخص وخرج من دلالة المفاهيم دلالة الإشارة والتنبيه والاقتضاء وقلنا ان هذه الدلالات ليست من المفاهيم، بل هي من الدلالات الالتزاميّة بالمعنى الأعم. وجميع المفاهيم التي تدرس في مباحث الألفاظ بناء عل ثبوتها هي من هذا القبيل، كمفهوم الشرط واللقب والوصف والغاية والحصر، ولا يكون الموضوع مذكورا في منطوق اللفظ.

قالوا انه لم تمّ المفهوم فإنما يكون لخصوصيّة في اللفظ تقتضي ذلك، فيكون المفهوم لازما في الواقع لتلك الخصوصيّة الموجودة في ضمن اللفظ المنطوق. مثلا: " أكرم الرجل العالم " قضيّة وصفية فيها خصوصيّة تؤدي إلى ان غير العالم لا يكرم. إذن المفهوم غير موجود لكن المقتضي والسبب والعلّة في وجود المفهوم موجود في المنطوق.

وهذا القول وهو ان المفهوم ليس موجودا في منطوق اللفظ بل هو باللازم لكن مقتضي المفهوم وهو الخصوصية الموجودة داخل اللفظ تؤدي إلى المفهوم، هذه الخصوصيّة موجودة في منطوق اللفظ وليس في مفهومه وهذا ينفعنا إذا تعارض المفهوم مع المنطوق كما ذكرنا في المثال أمس: " كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه " هذا المنطوق، وجاء تخصيص " إن كان مما يؤكل لحمه فهو طاهر " ومفهومها:" ان كان مما لا يؤكل لحمه فهو نجس ". ماذا نفعل بالنسر الذي هو طاهر وأيضا لا يؤكل لحمه؟ هنا يوجد عموم وخصوص من وجه بينهما.

قالوا وفي حال تعارض المفهوم والمنطوق قال بعضهم بتقديم المنطوق لأن الدلالة فيه مباشرة من اللفظ، بخلاف المفهوم الذي تكون الدلالة فيه بواسطة العلقة اللزوميّة.

السيد الخوئي (ره) يجيب على هذه النقطة ونذكره ملخصا وهو ان تعارض المفهوم مع المنطوق ليس تعارضا للمفهوم مع المنطوق، بل هو تعارض المنطوق مع المنطوق، أي صار المفهوم بقوّة المنطوق لأن المقتضي الذي أدّى إلى المفهوم هو الخصوصيّة الموجودة في اللفظ، والخصوصية الموجودة في اللفظ موجودة في منطوق اللفظ، سبب ومسبب، ووجود السبب وجود لمسبب. المخصص يؤدي إلى المفهوم " إن كان لا يؤكل لحمه فبوله نجس " المفهوم ليس موجودا لكن الخصوصيّة التي تؤدي اليه موجودة في المنطوق، فصار من باب تعارض المنطوق مع المنطوق فلماذا أُقدم المنطوق؟!

وجوابنا: ان كل هذا المسائل التي ذكروها إستحسانات، والظهور شيء آخر. وأقول ان الأقوى ظهورا بحسب القرائن يقدم، وما كان مباشرة غير ما كان بالوكالة، المنطوق أقوى مما كان بالمفهوم.

ملاك المسألة ان هناك تنافٍ بين المنطوق والمفهوم وقالوا دائما يقدم العام على المفهوم، " كل طائر فبوله طاهر " هذه تبقى على عمومها، والتصرّف يجري في المخصص " ان كان مما لا يؤكل لحمه" كأنه قال: " ان كان مما لا يؤكل لحمه من غير الطائر "، ولذلك أو لغيره أفتوا بان الطائر كلّه طاهر. فالعموم كونه بالوضع والمنطوق فهو اقوى دلالة وظهورا من المفهوم ولذلك يقدّم عليه.

وكلامهم بأن العموم بالمنطوق وبالوضع هو اشدّ ظهورا من المفهوم الذي هو بالازم حتى ولو كان بخصوصيّة والذي اقتضاه هو الخصوصية الموجودة في نفس اللفظ، كلام سليم لكن ليست من نفس المنطوق ولا يعارض المفهوم المنطوق بل المنطوق أقوى لو خلّي ونفسه، وما ذكره السيد الخوئي (ره) لا نوافق عليه، بالنتيجة المفهوم ليس بالمنطوق نعم هو بمقتضيه، والذي يعارض وينافي العموم المنطوق ليس الخصوصيّة بل المفهوم.

    2. المفهوم: تارة مفهوم موافقة وتارة مفهوم مخالفة. وقلنا ان المفهوم هو ما كان موضوعه غير موجود في المنطوق لكنه يؤخذ من خصوصيّة في اللفظ.

مفهوم الموافقة: ما كان الحكم المنصب على موضوع المنطوق والمفهوم واحدا، مثلا: " أعط ولو كنت فقيرا " وهذا يعني " إذا كنت غنيا فمن باب الأولى " هنا مفهوم موافقة لوجود نفس الحكم " أعط "، في المنطوق الحكم هو وجوب الاعطاء، وموضوعه الفقير، وفي المفهوم الحكم " أعط " أيضا لكن الموضوع هو الغني فصار من باب المفهوم، اما كونه من باب الموافقة فلأن الحكم واحد بين المنطوق والمفهوم.

مفهوم الموافقة له حالات:

الأولى: ما يعبّر عنه بإلغاء الخصوصيّة، مثل قوله: " رجل شك بين الثلاث والأربع " ولا شك في أن العرف والسامع عندما يسمع اللفظ لا يرى دخالة للرجوليّة في الحكم، فلا فرق بين الرجل والمرأة ويشمل كل مكلّف، فيلغي خصوصيّة الرجوليّة الواردة في النص. ومثل آخر: " إذا وقع دم على يده " فلا شك في عدم خصوصيّة لليد في الحكم بالنجاسة وكيفيّة التطهير، فيشمل أجزاء البدن الأخرى كالرجل [1] .

قد يقال: استعملنا اللفظ هنا واردنا معنيين: " الرجل " و" المكلّف "، ولا يجوز استعمال اللفظ في أكثر من معنى؟

فانه يقال: هذا ليس من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بل هو من باب لحاظ أكثر من معنى. وفرق بين اللحاظ والاستعمال قلد خلط بعضهم بينهما فقالوا: انه لا يجوز استعمال اللفظ في أكثر من معنى لانه لا يجوز لحاظ أكثر من معنى.

ولكن نقول ان لحاظ أكثر من معنى جائز، وذكرنا هذه المسألة في مسألة التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، ومن أهم الإشكالات التي اشكلت عليّ في هذه المسألة مثلا: " أكرم العلماء إلا الفسّاق " ونقول ان العام يتمسك به يعني أنك تبيّن أصل المعنى وانك تبين شيئا آخر وهو جواز التمسك بالمعنى عند الشك بالعموم، إذن هناك معنيان وهذا استعمال للفظ في أكثر من معنى. الجواب: ان هذا ليس استعمالا للفظ في أكثر من معنى، بل هذا لحاظ أكثر من معنى، وهذا لا اشكال فيه، وفرق شاسع بين الاستعمال واللحاظ، الاستعمال عبارة عن فناء اما اللحاظ كالعلامات، كالشجرة اشتريها بعد ان لاحظت ثمرها وفيأها ونوعه، ومثلا انا اكرمك بلحاظ أنك ترعى الايتام وبلحاظ أنك مؤمن، وهذا ليس معنى مجازيا في المعاني. والمهمّ ان الاستعمال ليس لحاظا، وصاحب الكفاية (ره) عندما قال بانه احول العينين هو اجتماع استعمالين، ولذلك قلنا انه لا يجوز استعمال اللفظ في أكثر من معنى نعم يجوز لحاظ اكثر من معنى.

 


[1] ولذلك أقول دائما انه من المهم ولعلّه الأهم على الاطلاق في استنباط الاحكام هو التعامل مع الحالة الأدبية والذوق الأدبي في فهم المطلوب، لفهم النص يفترض ان يكون عندك ذوق ادبي وشعري، ولذلك نرى ان الكثير من الفقهاء شعراء، انت تتعامل مع القرآن وسنّة النبي (ص) وعلي بن ابي طالب (ع) والأئمة (ع) أرقى نصوص البلاغة والادب في الدنيا، وهذا ما عبّر عنه بلحن الخطاب، لذلك انا انصح كل من يريد ان يخوض في عالم الاستنباط بتقوية هذا الحس. أحيانا لحن الخطاب نفهمه غير الإشارة والاقتضاء والتنبيه ويكون حجّة عليك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo