< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تخصيص العام بالمفهوم الموافق والمخالف.

     مفهوم الموافقة هو ما وافق المفهوم المنطوق في الحكم مع عدم ذكر موضوع المفهوم.

     صوره: الأولى: اسقاط الخصوصيّة، الثانية: المعنى الكنائي، الثالثة: أقل الأفراد، الرابعة: خصوص العلّة.

     مفهوم المخالفة، ما كان الحكم في قضيّة المفهوم مخالفا للمنطوق مع عدم ذكر موضوع المفهوم.

تذكير بما سبق:

كان الكلام في تخصيص العموم بالمفهوم الموافق والمخالف، وسنكمل الكلام في معنى مفهوم الموافقة وقلنا له حالات، وقلنا ان المفهوم الموافق هو ما كان له نفس الحكم لكن الموضوع غير موجود، وأن المنطوق هو ما كان الموضوع مذكورا والمفهوم ما لم يكن الموضوع مذكورا، والمفهوم تارة مفهوم موافقة وتارة مفهوم مخالفة.

وحين نقول مفهوم الموافقة يتبادر إلى الذهن المثل المعروف قوله تعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ﴾ [1] يعنى من باب الأولى لا تضربهما وغير ذلك، لكن اذا تأملنا قليلا نرى ان مفهوم الموافقة الذي هو نفس الحكم له عدّة حالات: ذكرنا منها ما يعبّر عنه بإلغاء الخصوصيّة، مثل قوله: " رجل شك بين الثلاث والأربع " ولا شك في أن العرف والسامع عندما يسمع اللفظ لا يرى دخالة للرجوليّة في موضوع الحكم، فلا فرق بين الرجل والمرأة ويشمل كل مكلّف، فيلغي خصوصيّة الرجوليّة الواردة في النص.

الصورة الثانية: ان يراد المعنى الكنائي، مثلا عندما نقول: ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾ او كمثل " رجل شك " الرجل كناية عن معنى آخر أوسع، ومنه وحدة المناط.

الفرق بين وحدة المناط وإلغاء الخصوصيّة: وحدة المناط شيء وإلغاء الخصوصيّة شيء آخر مفهوما الغاء الخصوصيّة نلاحظ الموضوع ونخفف قيوده، وان كان لهما نفس النتائج.

وحدة المناط، تلحظ ما يدور الحكم وجودا وعدما مداره في مقام الإثبات من دون أن يكون بنفسه في الدليل، كقوله تعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾ كناية على انه لا تضربهما ولا تهنهما إذا قلنا بعدم حرمة قول " أف ".

احتمالات في كلمة " أف ": وكلمة " أف " لها احتمالات: إذا قلنا ان " أف " محرّمة لكنها أقل المصاديق فهذا من الصورة الثالثة التي ستأتي، وتارة " أف " غير محرّمة لكن إطلاقها كناية عن المحرّم الذي هو الضرب والإهانة، بعبارة أخرى ان كانت من المعنى الكنائي تكون كلمة " أف " غير مرادة.

وللتذكير المعنى الكنائي: ان الكناية هي إطلاق اللفظ وإرادة معنى آخر – نوع من المجاز - مع امكان وجود المعنى الأصلي المطابقي مثلا: " زيد كثير الرماد " أي انه يستعمل الحطب كثيرا للطبخ يعني انه كريم النفس، كأنني قلت: " زيد كريم " فانا اريد معنى غير موجود في اللفظ ولكن يمكن ان يكون المعنى الأصلي موجودا، قد يكون واقعا كثير الرماد وان لم اقصد كثرة الرماد بل قاصد الكرم، لذلك قالوا ان الكناية ابلغ من التصريح لأنه يأتي بالحكم " الكرم " ويأتي بدليله وهو " كثرة الرماد ".

والفرق بين المجاز والكناية:

في المجاز لا يمكن ان يكون المعنى الحقيقي مقصودا مثلا: " زيد اسد " مجاز للرجل الشجاع، وهذا ليس معنى كنائيا لعدم إمكان إرادة المعنى الحقيقي هو الحيوان المفترس، محال ان يكون اسدا بمعنى الحيوان المفترس بعكس المعنى الكنائي " زيد كثير الرماد " يمكن ان يكون كثير الرماد

نعم المعنى الكنائي قد يكون موجودا وقد لا يكون موجودا فإذا قلنا ان " أف " غير محرّمة يمكن ان تكون معنى كنائيا لانه يمكن قصد المعنى الحقيقي منها، وليست من التصوير الثالث للموافقة.

الصورة الثالثة: مفهوم الأولويّة، وهو ما إذا سيق الكلام لأجل إفادة حكم، فأتى بأقلّ المصاديق لينتقل منه إلى سائرها.

تذكير: في النحو، والكثير من الاحكام بني استنباطها من الاحاديث على القواعد النحويّة. في النحو هناك " إن " و " لو " الوصليتين في " كتاب معني اللبيب " عند بحث لكلمة " إن " الشرطيّة يقول ان لها معاني من جملتها "إن" الوصليّة ومعناها كما في المثال: " اعط وان كنت فقيرا " "إن" هنا تصل ما بعدها أي احكام الموضوعات غير مبيّنة بما قبلها، لذلك من باب الأولى " إذا كنت غنيا فاعط "، أيضا " لو " الوصليّة " اعط ولو كنت فقيرا " يعني " إذا كنت غنيا فمن باب الأولى اعط " نلاحظ هنا ان من جملة افراد موضوع الاحكام الفقير لكنه أقل الافراد، هنا " إذا كنت فقيرا فاعط " وهو مراده " إذا كنت غنيا فاعط أيضا " كلاهما الحكم ينطبق عليه الفقير والغني، لكن منطوق القضيّة ينطبق على أقل الأفراد ومنه حينئذ إذا كان قلنا ان كلمة " أف " محكوما بالحرمة أيضا فلا تعود كناية، فأصبحت أقل المصاديق وهي محرّمة مشمولة. وهذا هو الفرق بين الحالتين الثانية والثالثة. ومثال آخر: لو قلت لك " قبّل يد قمبر خادم أمير المؤمنين (ع) " فمن باب الأولى تعلّق الأمر بيد أمير المؤمنين (ع) نفسه.

الصورة الرابعة: منصوص العلّة، وهو الحكم المستفاد من القضيّة التعليليّة كقوله: " الخمر حرام لأنه مسكر " حيث يفهم منه: " كل مسكر حرام " وهذه القضيّة الأخيرة ليست موجودة في المنطوق، والعلّة كلما وجدت وجد المعلول، وهذا الامر من باب قياس الاولويّة.

القياس والفرق بيننا وبين أبناء العامّة: ذكرنا مرارا ان القياس ليس مطلقا باطلا، القياس المظنون العلّة هو محل الكلام، اما قياس منصوص العلّة، وقياس الاولويّة، والقياس الكنائي ومفهوم الموافقة بشكل عام وهو نوع من القياس نحن نسلّم به. لأن القياس في الاصطلاح هو جر حكم موضوع إلى آخر لاشتراك بينهما في العلّة. قلنا ان القياس المظنون العلّة فقط هو الباطل والكلام فيه " يا أبا حنيفة لا تقس إذا قيس الدين محق اول من قاس ابليس " هو قياس مظنون العلّة وليس قياسا مقطوع العلّة.

والقياس مبني على محاولة استنباط العلّة وهو غالبا مظنون، وإذا كان علّة قطعيّة او بالاولويّة نحن وأبناء العامة سواء في صحة القياس، انما الخلاف بيننا في مدى حجيّة العلّة المستنبطة، العلّة الظنية، ولو تمّت العليّة فلا اشكال.

إلى هنا بيّنا حالات مفهوم الموافقة.

مفهوم المخالفة: حيث يكون الحكم على موضوع قضيّة المفهوم مخالفا لحكم قضيّة المنطوق، مثلا: " إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء " القضيّة شرطيّة ومفهومها قضيّة: " إذا لم يبلغ الماء قدر كثير ينجّس كل شيء ". طبعا المراد من الشيء هو ما ينجس غيره بالملاقاة.

ونعود إلى المسألة: فإذا تعارض عموم ومفهوم، فالبحث تارة يكون في المفهوم الموافق وتارة في المفهوم المخالف.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo