< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل من قدّم المفهوم على العام: دليل من قدّم العام على المفهوم:

تخصيص العام بالمفهوم الموافق والمخالف.

    1. دليل من قدّم المفهوم على العام: ان المفهوم ناشيء من خصوصيّة في لفظ المنطوق، والمعارض للعموم هو المفهوم وليس الخصوصيّة، فتبقى الخصوصية بلا معارض.

    2. والجواب: إن هذا البيان يؤدي إلى تعارض المنطوقين فلا وجه لتقديم المفهوم.

    3. دليل من قدّم العموم على المفهوم: العموم مدلول عليه بالأصالة، والمفهوم مدلول بالتبع، وما كان بالأصالة مقدّم على ما كان بالتبع.

    4. والجواب: مع عدم القرينة يقدم الخاص على العام، وإلا حكمنا باب التعارض.

لا بأس بالإشارة إلى دليل من قدّم المفهوم على العام - مع عدم القرينة -، ودليل من قال بالعكس.

دليل من قدّم المفهوم على العام:

قالوا انه في قضيّة المنطوق أمران: المنطوق نفسه، الامر الثاني الخصوصيّة التي ينشأ عنها المفهوم.

ذكرنا هذا سابقا ونذكر به الآن: عندما يقال ان القضيّة الشرطيّة أو قضيّة الوصف والقضيّة الغائية أو غيرها لها مفهوم فنتساءل، من أين أتى هذا المفهوم؟

قالوا: لابد من خصوصيّة في منطوق نفس القضيّة تؤدي إلى المفهوم، مثلا: في القضيّة الشرطيّة " أن جاءك زيد فاكرمه " مفهومها " ان لم يأتك فلا يجب اكرامه "، لا بد من خصوصيّة من نفس اللفظ تؤدي إلى المفهوم، لكن هذه الخصوصيّة غير منطوقة. لكن قالوا بل ان هذه الخصوصيّة منطوقة لكن لم نلتفت إليها إلا مع الدليل.

بعبارة أخرى: صار منطوق " إن " الشرطيّة فيه امران: الامر الأول المنطوق الأول مجرد ان اسمعه افهمه، والامر الثاني خصوصيّة في نفس المنطوق تؤدي إلى المفهوم الذي هو قضيّه غير منطوقة أصلا.

الدليل على وجود هذه الخصوصيّة: كون بعض القضايا لها مفهوم دون الأخرى، ومن هنا يأتي السؤال: من أين أتي المفهوم؟

والتعارض كان بين المفهوم والعام المنطوق، لا بين الخصوصيّة التي نشأ عنها المفهوم والعام، فإن هذه الخصوصيّة لا تعارض العموم، ولذا فرفع اليد عنها بلا موجب، بعبارة أخرى هناك سبب ومسبب، السبب هو الخصوصيّة والمسبب هو المفهوم، الذي عارض العموم هو المسبب – أي المفهوم - وليس الخصوصيّة نفسها، فتبقى الخصوصيّة ويرفع اليد عن العموم، أي يخصص العام بالمفهوم.

ملخّص الدليل هو ان العام يعارض المفهوم لكنه لا يعارض الخصوصيّة التي نشأ عنها المفهوم، فرفع اليد عن الخصوصيّة بلا موجب، والمعارض هو المفهوم، فأرفع اليد عن المفهوم ولا ارفع اليد عن الخصوصيّة ومجرد بقاءها تؤدي إلى المفهوم فيقدّم على العام.

ونوقش هذا الدليل: قالوا بأن التعارض بين المفهوم والعام يرجع في الحقيقة إلى التعارض بين منطوق المفهوم والعام، المفهوم نشأ من أمر موجود في منطوق القضيّة المفهوميّة مثلا: " أن كان مما يؤكل لحمه فبوله طاهر " مفهومها " ان كان مما لا يؤكل لحمه فبوله نجس " هذا المفهوم نشأ من خصوصيّة في منطوق اللفظ ان كان مما يؤكل لحمه، فإذا التعارض - بالدّقة - بين منطوق القضيّة الشرطيّة والعام، وليس بين المفهوم والعموم، لأن منطوق القضيّة المفهوميّة هو الذي يتضمّن هذه الخصوصيّة، فالمفهوم لازم للخصوصيّة.

وكما ان انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم كذلك انتفاء الملزوم يقتضي انتفاء اللازم، ولا يعقل الانفكاك بينهما. فالعام المعارض للمفهوم (لازم الخصوصيّة) معارض للمنطوق (الملزوم الخصوصيّة)، والنتيجة تعارض المنطوقين: منطوق العام ومنطوق القضيّة المفهوميّة. في الحقيقة ان الخصوصيّة الموجودة في المنطوق هي التي تعارض العام، والخصوصيّة التي أدّت إلى المفهوم موجودة في منطوق الشرطيّة التي فيها امران: المنطوق وخصوصيّة، والخصوصيّة تؤدي إلى مفهوم، فالتعارض في الحقيقة ليس بين مفهوم الشرطيّة والعموم، بل بين الخصوصيّة التي أدت إلى المفهوم والعموم، فالتعارض أصبح بين المنطوقين. فلا بد من تحكيم القواعد حينئذ ولا يقدّم أحدهما على الآخر. [1]

دليل من قدّم العام على المفهوم:

قالوا إن دلالة العام على العموم ذاتيّة أصليّة، ودلالة اللفظ على المفهوم تبعيّة باللازم، والدلالة الأصليّة مقدّمة على الدلالة التبعيّة في مقام المعارضة. ومعنى الذاتية أي هو بنفسه لا بخصوصيّة اقتضته، وهذه الدلالة إما بالوضع أو بمقدّمات الحكمة، مثلا: " أكرم كل عالم " " كل " موضوعة للعموم، " وأكرم العالم " " اللام " ليست موضوعة للعموم بل للطبيعة لكن اللفظ بمساعدة مقدمات الحكمة دلّ على العموم.

ونوقش: بأن دلالة القضيّة على المفهوم إنما هي من ناحية دلالتها على خصوصيّة مستتبعة له، ومن المعلوم أن دلالتها على تلك الخصوصيّة إما من جهة الوضع أو من جهة مقدّمات الحكمة، والمفروض أن دلالة العام على العموم أيضا لا تخلو من أحد هذين الأمرين أعني الوضع أو مقدّمات الحكمة، فالنتيجة أنه لا معنى لكون دلالة العام على العموم أصليّة ودلالة القضيّة على المفهوم تبعيّة.

يقول الفقير إلى رحمة ربه والسداد: بيّنا سابقا أن الظهور هو الأساس والأظهر هو المتقدّم، ولذا فلا دليل على تقديم ما كانت دلالته بالوضع على ما كانت دلالته بمقدمات الحكمة، وإن كان الوضع أقوى علقة، لكن التقديم الذي ذُكرت أسبابه استحسان محض، والمقدّم هو الأقوى ظهورا.

والنتيجة: إذا كان هناك قرينة على تقديم أحدهما على الآخر عملنا بها وإلا:

فإذا كان بين العام والمفهوم عموم وخصوص مطلق قدّم الخاص على العام.

وإذا كان بينهما عموم وخصوص من وجه استحكم التعارض وحكّمنا قواعد باب التعارض.

تخصيص العام بالمفهوم المخالف:

يظهر مما ذكرنا: إن كانت هناك قرينة على تقديم أحدهما عملنا بها، وإلا:

فإن كان بينهما عموم وخصوص مطلق قدّمنا الخاص.

وإن كان بينهما عموم وخصوص من وجه أعملنا قواعد باب التعارض.

 


[1] هناك دلالات يتضمّنها اللفظ لا تنطق مباشرة مثلا: " رفع عن امّتي ما لا يعلمون " قيل انها تتضمّن " المنّة " لذلك لا تشمل المستحبات لانه ليس من المنّة رفع المستحب، رفع الواجب والمحرّم منّة، وهذه المنّة اين هي موجودة؟ وللتذكير ذكرت امرا وان كان يخالفني فيه غيري: تعدد اللحاظات على ملحوظ واحد لا مانع منه، تعدد استعمال اللفظ في اكثر من معنى فيه مانع، والفرق بينهما ان الاستعمال عبارة عن فناء وليس مجرّد لحاظ، هذا ما أوقع كثير من الأصوليين في خلل عندما قالوا: لا فرق بين العلامة والاستعمال. العلامة لحاظ ولا اشكال في لحاظ أكثر من معنى. اللفظ نفسه يتضمّن معاني كثيرة لذلك قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، واهمّ اشكال عليها انه يصبح هناك معنيان: الأول الذي هو القضيّة الكاشفة عن الواقع والثاني عند الشك، والهيئة تؤدي المعنيين. قالوا ان هناك معنيين ولا يجوز لحاظ المعنيين في آن واحد. وقلت مرارا يجوز تعدد اللحاظات نعم لا يجوز تعدد الاستعمالات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo