< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فصل: الاستثناء المتعقب لجمل متعددة:

    1. هل يرجع الاستثناء للأخير فقط، أم يرجع للجميع؟

    2. محل الاكلام: البحث عن هيئة الاستثناء بغض النظر عن القرائن والمواد.

    3. ذكر كلام صاحب الكفاية الذي يذهب إلى الاجمال وعدم جواز التمسك بالعمومات السابقة لإكتناف الكلام بما يصلح للتخصيص، إلا بناء على العمل بأصالة الحقيقة تعبدا.

قبل ان نشرع في بحث الاستثناء المتعقب لجمل متعددة وقد انتهينا من بحث تعارض المفهوم مع العموم، هناك نقطة مهمّة ومفيدة جدا ذكرتها في منهجيّة الاستنباط: ان هذه الأمور أين موضعها وأين نستخدمها؟ كدلالة الأمر، والنواهي، وتعارض المفهوم مع المنطوق، وابحاث العام والخاص، وابحاث المطلق والمقيّد، والمجمل والمبيّن، إلى آخره.

قلنا في المنهجيّة اننا نستخدمها لتنقيح أصالة الظهور أي عند الشك في الشبهة المفهوميّة، وقد قسّمنا الشبهات إلى الحكمية والمفهوميّة والمصداقيّة. هذا الأبحاث جميعا التي درسناها في مباحث الالفاظ موقعها في الشبهة المفهوميّة في تنقيح اصالة الظهور، واصالة الظهور أين موقعها؟ هل عند الشك في الوضع، أو عند الشك في الاستعمال، أو عند الشك في المراد؟

ثلاثة أشياء في الكلام: أولا: وضع اللفظ لمعناه – الوضع -، ثانيا: استعمال اللفظ في المعنى، ثالثا: المراد من الاستعمال. هذه الأبحاث هي عند الشك في المراد لأنها لتنقيح أصالة الظهور وأصل الظهور انما يكون عند الشك في المراد لا عند الشك في الاستعمال ولا عند الشك في الوضع، نعم بعض الأصول وبعض العلامات تكون عند الشك في الوضع. وقالوا عند الشك في الوضع ان علامة الوضع التبادر، صحة الحمل وعدم صحّة السلب، والاطراد، وقال بعضهم الاستعمال.

وقال بعضهم عند الشك في الوضع، قول اللغوي، وأصالة عدم الاشتراك تؤدي إلى عدم الوضع في جهّة والوضع لمعنى واحد دون الآخر تنقح المجاز من الحقيقة.

أحببت ان أذكر هذه النقطة لأنه في الأصول ندرس المسائل ولا ندري أين موقعها إلا بعد الخبرة والنضوح العلمي، فأحببت أن اختصر الطريق على الطالب.

فصل: الاستثناء المتعقب لجمل متعددة:

مثال على ذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [1]

هذه الآية الكريمة فيها ثلاثة احكام في موضوع واحد ثم اتى استثناء " إلا الذين تابوا " فهل يرجع الاستثناء للقضيّة الأخيرة، أي لا تقبلوا لهم شهادة أبدا أم ترجع للجميع؟

إذا قلنا انها ترجع لكل الجمل فلو تاب الرامي ارتفع الجلد عنه وصارت تقبل شهادته وارتفع الحكم بالفسق عنه.

أما إذا قلنا ان " إلا الذين تابوا " استثناء من الاخير فقط " اولئك هم الفاسقون " أي مع التوبة لم يعد فاسقا وتعود له العدالة، لكن حتى لو تاب يجب ان يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل شهادته، الحكمان الأولان يبقيان والسؤال: ماذا نستفيد من هذه الآية؟

هنا شبهة مفهوميّة أو شبهة حكميّة؟ الشبهة حكميّة " إلا الذين تابوا " لا نشك في معنى الفسق ولا في معنى التوبة الشك في رجوع الاستثناء، إلا ان يقال انه يمكن ان تكون شبهة مفهوميّة بمعنى ان سبب الشبهة الحكميّة راجع إلى خصوصيّة نجهلها في الاستثناء هل يرجع للأخير أو يرجع للبعض؟ وسننقح ذلك في نهاية البحث.

محل الكلام: لا شك ان القدر المتيّقن من الاستثناء هو الأخير، فالمستثنى منه المتيقّن هو الجملة الأخيرة. وهل يكون المستثنى هو جميع الجمل؟

هنا لا بأس بذكر كلام لصاحب الكفاية (ره) والكلام في الاستثناء بغض النظر عن المواد كمعنى تاب لان المواد أحيانا تكون من القرائن، لو قلت مثلا: " أكرم المسلمين قوهم وشجعهم واعطهم الأموال إلا الفساق " هل " إلا الفساق " ترجع للأخير " اعطهم الأموال " أو ترجع للجميع. كلامنا في الاستثناء هنا هو مع عدم القرائن كلامنا في الهيآت بغض النظر عن مضامينها، عند الشك هل ترجع للأخير أو ترجع لكل الجمل السابقة؟

نعم قد ينفع البحث في المواد لكنه يكون حينئذ من باب القرائن.

يقول صاحب الكفاية:

فصل: الاستثناء المتعقب لجمل متعددة، هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل أو خصوص الأخيرة، أو لا ظهور له في واحد منهما، بل لابد في التعيين من قرينة؟

(إذا كان مجملا اقتصر على القدر المتيقّن الذي هو الأخير أما ما قبله فارجع إلى الأدلة الأخرى وإذا لم يكن ارجع إلى الأصول العمليّة لأنه لا وجود للأصل اللفظي. إذن هناك ثلاثة أوجه إما الرجوع إلى الأخيرة أو الرجوع إلى الجميع أو انه مجمل، ومع بقائه مجملا نرجع للأصول العمليّة. وأذكِّر وأكرِّر مع عدم وجود القرائن).

يكمل صاحب الكفاية: أقوال: والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في رجوعه إلى الأخيرة على أي حال، ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة، وكذا في صحة رجوعه إلى الكل، وإن كان المتراءى من كلام صاحب المعالم (رحمه الله) حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه، أنه محل الاشكال والتأمل. وذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه، كتعدد المستثنى، لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة " إلا " بحسب المعنى، كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا،

(بعبارة أخرى: هل هنا توجد خصوصيّة لـ " إلا " تؤدي إلى الرجوع إلى الأخير أو لا؟ الكلام هنا بغض النظر عن معنى المستثنى ومعنى المستثنى منه، وتعدد المستثنى وتعدد المستثنى منه، ومع العلم أيضا ان " إلا " موضوعة لمعنى واحد عند تعدد المستثنى أو عدم تعدده.

إذا محل الكلام هو الكلام في الهيئة هذا اولا، وثانيا: الكلام في معنى " إلا " هل تتضمن خصوصيّة تؤدي إلى رجوع الاستثناء عند تعدد المستثنى منه إلى الأخير أو إلى الجميع؟

وقوله: " كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا "، اختار صاحب الكفاية ان الوضع عام والموضوع له عام واختار المشهور ان الوضع عام والموضوع له خاص، بعضهم قد يربط هذه المسألة بتلك حيث قال: إذا كان الوضع عاما والموضوع له خاص فالموضوع له أي " إلا " موضوعة لكل استثناء على حدة فالموضوع له لثلاثة مثلا أتيقن في الوضع للأخير واشك في الوضع للأولى وللثانية فالأصل عدم الوضع فصار يرجع للأخيرة فقط. اما إذا قلنا بان الوضع عام والموضوع له عام فيمكن ان يكون " إلا " موضوعة لاستثناء عام للجميع، حينئذ يكون ظاهرا في الجميع. إذن بعضهم ربط هذه المسألة بمسألة ان الوضع له في الحروف، هل خصوص الافراد أو أن الموضوع له عام ينطبق على الافراد. وقال (ره) ان هذه المسألة لا ربط له بالوضع للحروف، وهناك ان " إلا " موضوعة لمعنى واحد، والسؤال: هل هذا المعنى فيه خصوصيّة يؤدي إلى الجميع أو لا؟

لكن الانصاف: ان المسألة يمكن حينئذ ان نربطها بتلك المسألة بناء على ما كان القدماء يستحسنونه وهو اصالة عدم الاشتراك، يعنى إذا كان الموضوع له هو الافراد يصبح لفظ " إلا " مشترك بين جميع الافراد أي انه وضع لكل فرد على حدة، أي الوضع عام والموضوع له خاص موضوع لهذا الفرد ولهذا الفرد، المتيقن هو فرد والباقي بأصالة عدم الاشتراك وهذا يرجع للأخير فقط.

لكن نحن نقول بان الوضع عام والموضوع له خاص، لكن الكلام هل توجد خصوصيّة في هذه الهيئة عند تعدد المستثنى منه ووجود مستثنى واحد؟

يكمل صاحب الكفاية: وكان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا، كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا إشكال، وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما، وبذلك يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع، أو خصوص الأخيرة، وإن كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير، نعم غير الأخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم لإكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه، فلا بد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الأصول. [2]

(بيان كلامه: عندي عمومات ثلاثة مثلا: " أكرم كل المسلمين واعط كل مسلم مالا وصلِّ وراء كل مسلم إلا الذين فسقوا " هناك ثلاث عمومات" كل مسلم أكرمه واعطه مالا وصل وراءه " إلا الذين فسقوا " هو القدر المتيقن من المستثنى منه صلِّ وراءهم. أما الأول فهل يبقى العموم على عمومه مع احتمال كونه مخصصا؟

وهناك مسألة وهي أصالة عدم التخصيص شيء وأصالة عدم كون الشيء مخصصا شيء آخر.

أصالة عدم القرينة وأصالة عدم القرينيّة. العموم هو ظهور، والظهور أمر وجودي يحتاج إلى وجود، ولا يرجع إلى أصالة عدم القرينة، العموم بنفسه ظاهر، ولا يوجد ان أصالة عدم التخصيص تؤدي إلى عموم لان أصالة العموم أصل وجودي يرجع إلى أصالة الظهور، وليس أصلا عدميا. ولذلك إذا كان العموم مكتنفا بأمر يمنع من ظهوره، أو يحتمل انه قرينة على التخصيص ينتفي الظهور في العموم، حينئذ يقول صاحب الكفاية (ره) ان هذا التخصيص " إلا الذين تابوا " يرجع للأخيرة قطعا أما ما قبلها، فالعموم لا ظهور له لاحتمال رجوع التخصيص أيضا له، إذ مع احتمال التخصيص ينتفي الظهور في العموم، ومع عدم الظهور في العموم لا اتمسك بالعموم وارجع إلى الأصول العمليّة، بعبارة أخرى صار مجملا ولم يعد عاما.

وغدا نبين بقية كلامه ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo