< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فصل: الاستثناء المتعقب لجمل متعددة:

- اكمال كلام صاحب الكفاية: العام إما ان يكون بالوضع فيرجع إلى أصالة الحقيقة تعبدا، أو ان يكون بمقدمات الحكمة.

- فإن كان بالوضع بقيت العمومات السابقة على عمومها، وإن كانت بمقدّمات الحكمة فلا يتمّ الظهور في العموم، وذلك لاكتناف لفظ العام بما يصلح للقرينية.

- التحقيق أن موضوع المستثنيات واحدا والحكم متعددا فالظاهر الرجوع إلى الجميع، وإن كان الموضوع والحكم متعددا فالظاهر رجوع الاستثناء إلى الأخير مع عدم القرينيّة، أو على الأقل يكون مجملا، فنرجع إلى الأصول العمليّة.

نكمل الكلام في الاستثناء المتعقب لجمل متعددة، وقلنا ان القدر المتيقّن هو الأخيرة، ومحل الكلام هل يعود للجميع أو لا؟ صاحب الكفاية (ره) ذهب إلى الاجمال مع عدم وجود قرينة على عوده للأخيرة فقط أو للجميع.

وما هو حكم العمومات السابقة؟ مثلا: " أكرم كل المسلمين واعط جميعهم وصلِّ وراءهم إلا الفساق " الاستثناء من إلا الفساق يعود إلى صلِّ وراءهم أو للكل؟

وإذا قلنا بالإجمال فهل العمومات الأخرى تبقى على عمومها؟ هل هناك ظهور في العموم بحيث يطبّق على كل الافراد فيبقى العام على عمومه حينئذ يلزمه رجوع الاستثناء للأخيرة فقط؟

صاحب الكفاية (ره) قال ان العام لا يبقى على عمومه لأنه مع وجود ما يكتنف العام يمنع من ظهوره في العموم.

وذكرنا أمس ان أصالة العموم وأصالة الاطلاق وأصالة الحقيقة ليست أصولا تعبدية بذاتها بل هي ترجع إلى أصالة الظهور ولا ترجع أيضا إلى أصالة عدم القرينة، والظهور أمر وجودي موجود ومع وجود ما يكتنف الكلام ما يكتنف العموم من احتمال القرينة أو القرينيّة لا يكون هناك ظهور فلا يكون هناك عموم. فالعمومات السابقة تنتفي بسبب وجود ما يصلح للقرينيّة أو للتخصيص الذي هو الاستثناء، فمجرد ان يحتمل ان الاستثناء يعود إلى العام حينئذ يمنع من الظهور، إلا أن يقال بأصالة العموم والحقيقة والإطلاق تعبدا حينئذ يبقى العموم على عمومه، واحتمال المخصص الاستثناء لا قيمة له، وإذا بقي العموم مثلا: " أكرم كل المسلمين واعطهم مالا وصلِّ وراءهم إلا الفساق " فـ " إلا الفساق " اشك في رجوعها إلى المسلمين فبناء على اصالة العموم تعبدا تبقى على عمومها فإذن يجب الاكرام، والفاسق اشك في اكرامه فيجب الاكرام. [1]

يكمل صاحب الكفاية: اللهم إلا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا،

(إذا الأقوال في أصالة العموم ثلاثة: أولا: ترجع إلى التعبد. ثانيا: ترجع إلى اصالة عدم القرينيّة فهي حينئذ أصل عدمي. ثالثا: ترجع إلى أصالة الظهور فهي حينئذ أصل وجودي.

لا من باب الظهور، فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا، لا ما إذا كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة، فإنه لا يكاد يتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع، فتأمل. [2]

إذا قلنا بأصالة الحقيقة تعبدا عند العقلاء والعموم له حالتان: تارة عموم بالوضع كـ " أكرم كل عالم " كلمة " كل " موضوعة للعموم، وتارة عموم ناشيء من مقدمات الحكمة " أكرم العالم ". ففي الحالة الأولى يكون الاكرام تعبدا اما في الحالة الثانية ترجع المسألة إلى الظهورات والقرائن ومع احتمال وجود القرائن لا تتم مقدّمات الحكمة.

والتحقيق: يقول الفقير إلى رحمة ربه والسداد:

تارة تقع الجمل ما قبل الاستثناء في كلامين، وتارة في كلام واحد.

فإذا وقع في كلامين واحتملنا عود الاستثناء للجميع فالظاهر عوده لخصوص الأخير الذي وقع فيه الاستثناء، لان الكلام الأول قد تمّ ظهوره في العموم.

وإذا وقع في كلام واحد كما هو أغلب محل الابتلاء فله ثلاث صور:

فإما أن يكون الحكم واحدا والموضوع متعددا: كما لو قلنا: " أكرم العلماء والشعراء إلا الفساق " حيث إن الحكم واحد وهو وجوب الإكرام والموضوع متعدد وهو العلماء والشعراء، والحكم الواحد قرينة واضحة على رجوع الاستثناء لجميع الموضوعات، فكأنه قال: " أكرم العلماء وأكرم الشعراء إلا الفساق " ولكنه انما حذف أكرم الثانية اختصارا ولأجل عدم التكرار. وفي مثل هذه الحال فالظهور العرفي هو في الرجوع إلى الجميع.

وإما أن يكون الحكم متعددا والموضوع واحدا: مثل الآية الكريمة السابقة أو مثل: " المسلمون أكرمهم واعطهم المال واحترمهم وصلّ وراءهم إلا الفاسق منهم " ، فهذا أيضا ظاهره عود الاستثناء إلى الجميع، فهو كلام واحد لا يتمّ له ظهور حتى يتمّ الكلام - قلنا ان الاستثناء اخراج أفراد، والتقييد هو تقييد موضوع - فلما قال: " المسلمون أكرمهم " ينتظر السامع إخراج بعض افراد الموضوع عن الحكم بـ " إلا "، فلو وردت " إلا " لم يعد له ظهور في العموم بل صار ظاهرا في الخصوص، أو على الأقل صار مجملا من حيث ظهوره في العموم، ومع الاجمال لا نستطيع التمسك بالعموم، لكن لا من باب عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة كما ذهب إليه بعضهم لعدم ظهور في العموم، بل من باب عدم هذا العموم.

في المثال " المسلمون أكرمهم " يعني كل المسلمين أكرمهم ثم يأتي الاستثناء " إلا الفساق " هنا اشك في خروج بعض افراد العام عن العموم، فقالوا لا يجوز التمسك بالعموم لأنه شبهة مصداقيّة.

لا يقال: انت تقول بجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة فإذن المسلمون أكرمهم تبقى على عمومها ويجوز التمسك بها.

نقول: انه هنا لو كان العموم مجملا ليس لأنه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة بل لأن هذا العموم غير موجود بسبب اكتافه بقرينة تمنع ظهوره في العموم، بل حتى العموم غير موجود وإذا لم يكن موجودا كيف نتمسّك فيه؟ بعبارة أخرى: عدم تطبيق العموم على الفرد في الحكم لا لأنه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، بل لأن لفظ العام قد اكتنف وجوده بأمر يمنع ظهوره في العموم.

الصورة الثالثة: تعدد الحكم والموضوع: كما لو قلنا: " أكرم العلماء واعط الشعراء وصِل الارحام إلا الفاسق "، فهنا لا يبعد رجوع الاستثناء إلى الأخير، والأرجح أن وحدة الكلام تكون قرينة على عود الاستثناء للجميع. ولكن المناط هو الظهور.

فهذه الارجحيّة باعتبار وحدة الكلام إن أدت إلى ظهور أخذنا به.

فإن لم تكن وحدة الكلام قرينة، ولم تؤدّ إلى ظهور في عود الاستثناء إلى الجميع، فإن المسألة ظاهرها تصبح من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة لكن الحصر بـ " إلا " وهي موضوعة لمعنى واحد سواء كانت استثناء متعددا أو غير متعدد فبهذا المعنى تكون الشبهة حكميّة، أي أن عموم " أكرم العلماء " ظاهر في شمول وجوب الاكرام للجميع، واشك في حكم الفاسق منهم، إذ ليس هو في مفهوم الفاسق أو مصداقه، بل نشك في شمول حكم العام له.

وإذا كان رجوع الاستثناء إلى الجميع مجملا، واقتصرنا على القدر المتيقّن وهو الرجوع إلى الأخير، ونرجع في الجمل الأولى إلى الأصول العمليّة في كل مسألة على حدة، إذ قد يكون الأصل البراءة وقد يكون الاحتياط أو غيرهما.

 


[1] هل عند العقلاء قواعد تعبدّية أو لا؟ أو هل عند العقلاء أصل عملي مقابل الاماراة، أو ان الأصل العملي مختص بالشرع؟ والاصل العملي هو عبارة عن تعبّد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo