< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/02/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فصل: عدم جواز نسخ القرآن بالخبر.

     ملخص ما سبق في بحث العام والخاص في نقاط.

     عدم جواز نسخ القرآن بالخبر.

كان الكلام في العام والخاص وأصبحنا على نهاية الكلام فيه.

وذكرنا النقطة الأولى: ان التخصيص في اصطلاحنا عبارة عن اخراج افراد وليس له دخالة في متعلّق الحكم، لان اخراج الافراد من العام على نحوين:

نحو بإخراج مباشر للأفراد، ونحو آخر بإخراجها بعنوان كلي، مثلا أقول: " اكرم العلماء إلا زيدا وبكرا وعمروا " وأخرى أقول: " اكرم العلماء إلا الفساق " والفساق يشمل زيدا وبكرا وعمورا، لكن النتيجة والمفهوم ليست واحدة، فرق بين ان أقول: " اكرم العالم في البلدة " وكان العالم فردين زيد وعمور، وان أقول: " اكرم زيدا وعمورا "، في مقام الاستنباط والمفهوم والاضاءة يختلفان كثيرا، - وهذا لعلّه زلت به قدم الكثير من الأصوليين – عندما قالوا: " اكرم العلماء " ثم يأتي " لا تكرم الفساق منهم " فكأني قلت: " اكرم العالم المقيّد بغير الفاسق "، قلنا ان هذا شطط وزلت قدم أدت إلى ما أدت.

إذن النقطة الأولى التخصيص هو اخراج افراد وليس تدخلا في المفهوم، متعلّق الحكم هو العالم فقط.

النقطة الثانية: ان الاحكام تتعلّق بالطبائع لا بالأفراد وايدنا هذا الكلام، وقلنا ان من قال ان الاحكام تتعلّق بالأفراد انما قالها لان الاثار هي للأفراد للخارج، فتوهم ان الاحكام متعلّقة بالأفراد. لكن قلنا ان الاحكام تتعلّق بالطبائع فقط، لكن في عالم الامتثال وعالم التطبيق هي الافراد، عندما أقول: " أكرم العالم " انا اريد العالم واضيء على العلم واكرام العلم ولكن في عالم التطبيق انظر للأفراد وليس الحكم متعلّقا بالفرد، وهذا ما ذكرناه مرارا في تفسير الوضع العام والوضع له الخاص. ولذلك ذهبنا إلى جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة كما اشتهر عن القدماء مثلا: " أكرم العلماء إلا الفساق " ثم شككت في زيد العالم هل هو فاسق او لا، قالوا انه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذن لا يجب اكرامه. لكن قلنا بعد البحث انه يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة سواء كان في المتصل ام في المنفصل، في اللبي ام في اللفظي. وقد نبت شهرة ذلك إلى القدماء لكن الإشكالات التي ذكرت هي التي دفعتهم للقول انه يدور الامر بين حجتين، فقالوا: " أكرم العالم إلا الفاسق" كأن لدينا حكمين: " أكرم العالم العادل لا تكرم العالم الفاسق " ودار الامر بين حجتين، أو كأننا قلنا: " اكرم العالم العادل " وهذا الفرد غير معلوم العدالة إذن لم يتحقق عنوان الحكم. قلنا ان هذا الكلام وهذه الإشكالات وهذه التوجيهات غير سليمة. " أكرم العالم إلا الفاسق " تختلف كثير ا عن " اكرم العالم العادل ".

إذن وصلنا إلى نتيجة في الشبهة المصداقيّة انه يجوز التمسك بالعام، اما الشبهة الحكميّة فيجوز التمسك بالعام، نعم الشبهة المفهوميّة فصّلنا بين المتباينين وبين الأقل والأكثر الارتباطيين. قلنا انه إذا كان الخاص دائرا بين الأقل والأكثر جاز التمسك بالعام أم إذا كان بين متباينين فلا يجوز التمسك بالعام.

مسألة هل يجوز نسخ القرآن بالخبر؟

هذا الفصل ليس مجعولا بما هو كفصل، المجعول هو: هل يجوز تخصيص القرآن بالخبر؟

وهذا الفصل سيكون مقدّمة للفصل الذي ذكروه لأنه ينفعنا هناك.

هل يجوز نسخ القرآن بالخبر أو لا؟

النسخ لغة الإزالة، فيقال نسخت الشمس الظل أي أزالته، والنسخ في القرآن على نوعين:

نسخ تلاوة ونسخ حكم.

نسخ التلاوة هو نسخ الالفاظ بنفسها وقد يبقى الحكم، اما في نسخ الحكم فتبقى الآية ولكن يزول الحكم.

نسخ التلاوة هناك اجماع بين المسلمين جميعا على عدم جوازه وصحّته. اما نسخ الحكم وقع فيه الكلام.

ولا شك ولا ريب في عدم جواز نسخ القرآن بالخبر والإجماع بقسميه عليه، بل إجماع المسلمين من كل طوائفهم، نعم أدى سقوط شيء من القرآن لكن شيء من القرآن غير النسخ. وقد يعبّر عنه بالتحريف وقد صدر من كلا الفريقين وهو قول خلاف المشهور، فالمسألة هي: هل يجوز نسخ القرآن بالخبر؟

وكما لا ينسخ القرآن بالخبر الواحد، فانه لا يثبت أيضا بالخبر الواحد، بل سند القرآن لا بد أن يكون قطعيا متواترا. مثلا: - مضمونا من محفوظاتي - فلا يثبت القرآن بقول من جمع قراء البصرة، وامرهم بالاهتمام بالقرآن وقال لهم – كما هو مروي عند العامة في صحيح مسلم – انه قد كان هناك سورة في القرآن أشد من براءة وأطول ولا أزال أذكر منها آيتين: " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملا جوف ابن آدم الا التراب " [1] .

حتى أبناء العامّة لا يقولون بثبوت القرآن بخبر الواحد، وحتى لو كانت الرواية صحيحة سندا عندنا أو عندهم لما ثبت أن الآيتين من القرآن، لا يثبت القرآن بالخبر الواحد فلا بد من تواتره.

ولا باس بذكر ما ذكره السيد الخوئي (ره) في المحاضرات: " إن الاجماع قد قام من الخاصة والعامة على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد، وهذا الاجماع ليس اجماعا تعبديا [2] ، بل هو من صغريات الكبرى المسلمة وهي ان الشيء الفلاني من جهة كثرة ابتلاء الناس به لو كان لبان واشتهر، ولكنه لم يشتهر، فيكشف عن عدم وجوده، والنسخ من هذا القبيل فإنه لو كان جائزا بخبر الواحد لبان واشتهر بين العامة والخاصة بحيث يكون غير قابل للإنكار، فمن عدم اشتهاره بين المسلمين أجمع يكشف كشفا قطعيا عن عدم وقوعه، وانه لا يجوز نسخ الكتاب به فلو دل خبر الواحد على نسخه فلابد من طرحه وحمله اما على كذب الراوي أو على خطائه أو سهوه. انتهى. [3]

ونؤيد هذا الكلام خصوصا فيما كان أحيانا هناك داع لادعاء النسخ مثلا آيات ولاية علي بن ابي طالب (ع)، بني اميّة عندهم استعداد ان يأتوا بمئة شاهد على ان هذه ناقة وليست جملا، ذكر ان معاوية قال: " أتيك بمئة الف لا يفرقون بين الناقة والجمل " يأتون بالشهود على انهم عدول. هناك دواع كثيرة لادعاء النسخ ولم ينقل نسخ بخبر الواحد.

وهذا الوجه في بيان الاجماع من المسلمين على عدم جواز النسخ صحيح تام لكنه ليس اجماعا تعبديا، بل اجماع عن تطبيق لأمر عقلائي، ويؤيدّه الحرص الشديد من الله عز وجل ومن نبيّه (ص) على حفظ القرآن من التحريف والزوال حيث يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [4] ، قالقرآن لا يزول إلا بالقرآن وهذا ما لم يثبت اصلا إلا في الاحكام اما في التلاوة فلا قول به. وهذا ينفي ما ذكره بعض المؤرخين من أبناء العامّة أنه عندما أراد عثمان جمع القرآن جعل على باب المسجد اثنين يسألان كل وافد اليه عن آية من الكتاب. وكل من يدعي بان هذه آية قرآنية يأتي بشاهدين على انها هذه آية في القرآن. هذا الكلام يعني ان القرآن يثبت بالخبر الواحد وهو مرفوض.

وجه آخر: ولعلّ وجها آخر في حصول هذا الإجماع وهو" إن القرآن قطعي الصدور ظني الدلالة، والخبر نص في الدلالة أو ظنيّ الدلالة، ولا يجري إلا باجراء اربع اصالات: اصالة السند واصالة الجهة واصالة أصالة الظهور، واصالة التطابق. واصالة الظهور هي ان الاصل الحقيقة واصالة الاطلاق أو اصالة العموم، فلا يتم العمل بالخبر إلا باجراء هذه الاصالات العقلائية، فصار الخبر ظنيا يحتاج إلى تتمة من هذه الاصالات.

وعليه، عندما اقول ان القرآن نسخ بخبر أكون قد ازلت القطعي بالظني، فإذا قدمت الخبر أكون قد رفعت اليد عن أمر قطعي وهو سند القرآن بامر ظني وهو الخبر.

والنتيجة: انه لا شك ولا ريب في عدم جواز نسخ الكتاب بالخبر. نعم نسخ القرآن بالقرآن جائز لكنه لم يرد اصلا النسخ في التلاوة وورد النسخ في الاحكام وهو محل كلام.

 


[1] صحيح مسلم، مسلم، ج3، ص100( حدثني ) سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن داود عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن فقال أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم وانا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير انى قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملا جوف ابن آدم الا التراب وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير انى حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة.
[2] الاجماع التعبدي هو ما كشف عن رأي المعصوم، وليس المراد هنا بالاجماع الكاشف عن راي المعصوم، بل الاجماع الذي هو من تطبيقات مسلّمة عقلائية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo