< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/02/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فصل: تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد.

     الاقوال في المسألة.

     لا خلاف بين الاصحاب على الجواز.

     معنى التخصيص والفرق بينه وبين النسخ.

     في مقتضى التخصيص وهو إطلاق ادلّة حجية خبر الواحد بما يشمل منافاة العام القرآني على نحو العام والخاص.

هل يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد؟ مثلا: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [1] ، فكل ربا محرّم، ثم ورد حليّة الربا بين الوالد وولده. وقوله (ص):" النكاح سنتي " ثم ورد ان نكاح الشغار باطل.

هذه المسألة بلا شك ولا ريب انه يجوز التخصيص، لكن الذي يدفعنا لدراستها الآن انها مسألة قديمة بحثت عند الاصوليين قديما واختلف فيها ابناء العامّة، عندنا لا خلاف في الجواز. ونحن نبحثها اولا: لان الاصوليين بحثوها وحتى لا تكون الدروس ناقصة، ثانيا: لوجود بعض الاشارات والتنبيهات المفيدة.

الأقوال في المسألة:

الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في جواز التخصيص، ولم أجد مخالفا في ذلك.

نعم وقع الخلاف بين العامة، فمنهم من أجاز ذلك ولعلّه الأكثر، ومنهم من منعه [2] .

ومنهم من فصّل بين العام الكتابي المخصص سابقا وبين غيره، فقال بالجواز في المخصص دون ما لم يخصص سابقا. ولعلّ وجهه أي التفصيل أن المفصّل يرى ان العام الكتابي على قسمين: قسم ممنوع من التخصيص وقسم غير ممنوع. فإذا خصص العام أولا جاز تخصيصه ثانيا وثالثا، بخلاف غير المخصص، حيث لا دليل على جواز تخصيصه. والسيد الخوئي (ره) يوجه هذا الكلام: " انه بناء على القول بان التخصيص عبارة عن استعمال مجازي، فإذا خصص اول مرّة صار مجازا ومع خروجه عن الحقيقة انفتح له المجال في الاستعمالات المجازية، فإذا لم يتخصص اول مرّة فلا يكون مجازا ولا يزال على نحو الحقيقة ".

ومنهم من فصل بين المخصص المتصل والمخصص المنفصل فأجاز في الأول دون الثاني. [3]

ومنهم من توقف كالباقلاني على ما نقله السيد الخوئي (ره).

والتحقيق: سنتكلّم في عدّة نقاط:

الأولى: في معنى التخصيص، والثانية: في مقتضى التخصيص، والثالثة: في عدم المانع.

وبهذا يتمّ الدليل على ما هو الحق وهو جواز تخصيص العام بخبر الواحد.

النقطة الاولى: في معنى التخصيص. قد بيّنا سابقا ذلك وقلنا إن التخصيص هو إخراج أفراد من حكم العام، وذلك لملاك فيها أقوى من ملاك العام، أي يوجد في هذه الأفراد ملاكان: ملاك العام الذي يقتضي حكمه، وملاك آخر في الفرد المخصص ينافي حكم العام. فيتزاحم الملاكان [4] في عالم الإنشاء والمصالح والملاكات وليس في عالم الامتثال ويقدّم الأهم وهو ملاك الخاص، ولهذا كان الخاص أقوى ظهورا من العام ويقدّم عليه.

الفرق بين النسخ والتخصيص:

صار جليا أن التخصيص يختلف عن النسخ في جوهره، ففي النسخ يرفع اليد عن حكم العام من اصله ويزيله، أما التخصيص فان الحكم يبقى على ما هو عليه لأن الأحكام تتعلّق بالطبائع، ولا ترفع اليد في التخصيص لا عن الطبيعة ولا عن حكمها، فالحكم باق على ما هو عليه ولا يزول منه شيء، وإنما ترفع اليد عن شمول الامتثال ببعض الأفراد كما بيّنا بما لا مزيد عليه [5] .

وقد انقدح حينئذ قابلية التخصيص بالخبر للعموم الكتابي، إذ ليس فيه رفع اليد عن إنشاء الحكم ولا تدخل في مفهوم المتعلّق، إنما بيان لوجود ملاك في بعض الأفراد ينافي ملاك العام.

النقطة الثانية: في وجود مقتضي التخصيص بالخبر:

ملخصا إن أدلّة حجيّة خبر الواحد تشمل حالتين: حالة وجود عام قرآني ينافيها، وحال عدم وجوده، لأن الادلة على حجيّة خبر الواحد واعتباره هي: إما لفظيّة كمن استدل بآية النبأ وآية النفر وغيرهما، أو استدل بالأخبار، وهذه الأدلة مطلقة.

واما لبيّة كمن استدل بسيرة العقلاء على حجيّة الخبر – وهو ما نذهب إليه – ومن الواضح ان العقلاء يخصصون العمومات بالأخبار. نعم إذا كان دليلهم هو الإجماع فإننا نقتصر فيه على القدر المتيقن منه وهو خصوص ما لم يناف العام القرآني.

 


[2] من قبيل قول عمر: " حسبنا كتاب الله ". أي لا يمكن للحديث أن يعارض العام القرآني من دون التفات إلى قوله تعالى: " ما امركم به الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".
[3] هناك بعض العمومات اجد في النفس شيئا من تخصصها، مثلا: " قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " سورة الانعام آية 145. كلمة " قل لا اجد " القرآنية ثم تاتي بعض الروايات وتقول: " يحرم اكل الهوام والحشرات والسباع " هذه تقيّد هذا العموم تقول ان الطعام كله حلال إلا هذا الاربعة. احيانا تشعر ان العموم القرآني من الصعب ان تخصصه.
[4] ويختلف التزاحم هنا في التخصيص عن التزاحم في المسألة الاصوليّة حيث ان التزاحم فيه في عالم الامتثال مثلا: هناك وجوب انقاذ الغريق ووجوب صلاة، الواجب انقاذ الغريق، اما في التخصيص التزاحم في عالم الملاكات ما قبل الانشاء، هناك مصلحتين ايهما اقدّم، وهذا هو معنى التخصيص وهو اخراج افراد فيقدّم الاهمّ.
[5] وقول السيد الخوئي (ره): عندما يقول: " اكرم العالم إلا الفاسق، او لا تكرم الفساق منهم " يعني " اكرم العلماء المقيدين بغير الفسق " هذا الكلام قلنا انه يحتاج لتأمّل، لانه تدخل في مفهوم المتعلّق، وهو ليس كذلك هو اخراج افراد، الحكم باق وكذلك مفهوم متعلّق الحكم باقز.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo