< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فصل: تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد.

     تذكير بما سبق من معنى التخصيص، وفي وجود مقتض للتخصيص.

     في ما ذكر في إشكالات وموانع للتخصيص.

أ: كيف ترفع اليد عن القطعي بالظني وجوابه:

ب: إن دليل حجية الخبر هو الإجماع والاجماع دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو خصوص ما لم يخالف العام الكتابي.

وجوابه: ادلّة حجيّة الخبر إما لفظية فهي مطلقة. وإما لبيّة. فإن كانت سيرة القلاء فهي قائمة على جواز تخصيص القطعي بالظن، نعم إذا كان الدليل هو الاجماع فهو دليل لبيّ يقتصر فيه على القدر المتيقن وحينئذ فقط يتم ما ذكروه.

تذكير بما مضى: كان الكلام في جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد،وقلنا ان سبب التردد ان الكتاب قطعي السند والخبر ظني السند، كيف يمكن ان ترفع اليد عن القطعي بالظني؟

لكن المسألة واضحة والعمل والاجماع عليها ان الكتاب يخصص بالخبر، ونحن نبحث عن السبب، لكن ذكرنا ان الخلاف هو عند اهل الخلاف ابناء العامّة، منهم من توقف كالباقلاني، ومنهم من قال بعدم الجواز، ومنهم من قال بالجواز، ومنهم من فصّل بين المتصل والمنفصل.

ولتحقيق المسألة قلنا ان هناك ثلاث نقاط: أولا: معنى التخصيص، ثانيا مقتضي التخصيص، ثالثا: عدم المانع من التخصيص.

اولا: في معنى التخصيص قلنا – بحسب ما اراه – ان التخصيص عبارة عن اخراج افراد من حكم العام وليس فيه أي تدخل في متعلّق الحكم مثلا: " أكرم العام إلا الفاسق " ليس معناها " أكرم العالم العادل " وليس معناها " أكرم العالم المقيّد بغير الفسق ". وذكرنا ان اكثر الاصوليين الحاليين قالوا بان " اكرم العالم إلا الفاسق " معناها " اكرم العالم المقيّد بغير الفسق " وهذا القول غير صحيح.

إذن التخصيص ليس فيه ازالة لا للحكم ولا لمفهومه، ولا تدخل في مفهوم المتعلّق، بل هو اخراج بعض الافراد " أكرم العلماء " الحكم هو وجوب الاكرام، ومتعلّق الحكم هو العالم، ثم يلتفت المتكلّم ان هناك ملاكات في بعض الأفراد تزاحم ملاك العام، فزيد لو أكرمناه وهو فاسق فهذا يؤدي إلى انتشار الفسق، حينها يقول المتكلّم " إلا الفساق " . وقلنا ان ملاك اكرام العام موجود في كل فرد من افراد الخاص لكن زاحمه ملاك آخر.

إذن التخصيص اخراج افراد من حكم العام لملاك ينافي ملاك العام، اما النسخ فهو ازالة.

قالوا ان التخصيص ليس استعمالا مجازيا – على خلاف القدماء – بل التخصيص هو بيان للمراد الجدي من العام، " أكرم العلماء " المراد الاستعمالي هو عموم العلماء، والمراد الجدّي بعض العلماء، فرّقوا بين المراد الجدّي والمراد الاستعمالي ونحن نسلّم بذلك، لذلك التخصيص هو بيان للمراد الجدّي، اما النسخ فهو ازالة المراد الجدّي والاستعمالي معا، إذن فرق بين التخصيص والنسخ.

اولا: بيّنا منعى التخصيص، ثانيا: وجود المقتضي للتخصيص وهو تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد مثلا: " اوفوا بالعقود " ثم قال: " نكاح الشغار باطل " لا يجب الوفاء به، هذا تخصيص للعقد، ومثلا: " احل الله البيع " ثم قال: " إلا المنابذة او بيع الخمر " وهذا تخصيص. هذا الخبر فيه مقتض لتخصيص الكتاب به؟ وذلك عندما بيّنا اعتبار حجيّة الخبر وهذا كاف للاقتضاء.

ودليل حجية الخبر: إما الادلّة اللفظية من قبيل الآيات القرآنيّة أو الروايات كما قالوا، وإما الأدلّة اللبيّة من قبيل سيرة العقلاء، أو دليل الانسداد أو الإجماع كما قيل.

فان كان دليلا لفظيا. فاللفظ دلّ على حجيّة الخبر مطلقا سواء كان هناك عام كتابي على خلافه أو لا. إذن الادلّة اللفظية لحجيّة الخبر تقتضي تخصيص العام الكتابي بالخبر الواحدز

أما الأدلّة اللبيّة، فهي إما السيرة العقلائية أو الاجماع.

فإن كانت السيرة العقلائيّة، فان السيرة العقلائية قائمة على جواز تخصيص القطعي بالظني، عند العقلاء الخبر القطعي يمكن تخصيصه بخبر ظني معتبر عندهم، وقلنا ما نختاره ان الدليل الاساس في حجيّة الخبر هو سيرة العقلاء.

وأما الاجماع فهو دليل لبيّ تعبدي نقتصر فيه على القدر المتيقّن عند الشك، والقدر المتيقّن هو خصوص الخبر الذي لا ينافيه عموم آخر قرآني [1] . حينئذ كل اخبار الآحاد التي تنافي عمومات القرآن نرمي بها عرض الحائط، فكل الاخبار التي تدل على بطلان احد البيوع تسقط عن الاعتبار لأنها تخالف عموم القرآن " كـ " احل الله البيع ".

النقطة الثالثة: ما يمكن ان يتصوّر مانعا هو ما ورد من الشبهات على جواز تخصيص العام بالخبر:

منها: ان الكتاب قطعي السند، والخبر ظني السند، فكيف يجوز رفع اليد عن القطعي بالظني.

وجوابه: واضح مما سبق في النقطة الأولى، حيث إنه في التخصيص لا يوجد رفع اليد عن حكم العام، ولا تدخلا في مفهومه - بحسب رأينا -، بل خروج بعض الأفراد التي ينطبق عليها العام انطباقا قهريا عقليا لوجود ملاك مناف، فيكون التنافي بين ظهور الخاص وظهور العام في شمول الامتثال لكل الافراد، والخاص بعد اعتباره أقوى من ظهور العام، لأنه يعتبر قرينة عليه، ولذا يقدّم عليه.

ومنها: أنه لا دليل على اعتبار الخبر إلا الإجماع، وهو دليل لبّي نأخذ فيه بالقدر المتيقّن، وهو ما إذا لم يناف الخبر عموما أو إطلاقا كتابيا. لان الخبر قسمان: قسم ينافي عموم الكتاب كنكاح الشغار، وقسم لا ينافيه كبر الوالدين وقضاء حوائج الناس.

وجوابه: إن الدليل على حجيّة الخبر هو السيرة العقلائية، ومن الواضح أن السيرة قائمة على جواز التخصيص لأنه تقديم الخاص على العام [2] .

ومنها: الأخبار الدالة على المنع من العمل بما خالف كتاب الله، وما خالف فهو زخرف باطل اضرب به عرض الجدار أو لم اقله.

مثلا: " احل الله البيع " عام ثم ورد ان بيع الصبي باطل او بيع المكره، هذا خالف كتاب الله، أي خالف العموم القرآني، فإذن تشمله هذه الروايات فلا يجوز العمل بالخاص.

وجوابه غدا ان شاء لله، سنتعرض لمعنى المخالفة.

 


[1] بعض الاخوة في الجامعات وكانوا لا ادريين شككاكين، قالوا من قال ان هذه الاشياء موجودة في هذا المكان قد تكون في مكان آخر كالكأس يمكن ان لا يكون موجود هنا. هناك الآن جو جامعي واسع يتحدث بهذا المفهوم، التشكيك بكل شيء. الجواب ان البديهيات قبل الف سنة وبعد الف سنة لا تتعير " الواحد زائد واحد مساوي اثنين " لا تتغيّر إذا سالتهم قالوا يمكن ذلك. جوابنا اننا نحن اناس اصحاب عقول فإذا تركنا العقل تختلف الامور، ونحن لا نتكلم مع مجانين، والدليل على ذلك انت يمكن ان لا تكون هنا انت كالكأس وتكون في مكان آخر، ساتناول عصا واشرع بضربك، فانت ليس هنا. هناك وجدان الله جعل الوجدان نور. هؤلاء هم اللاأدريون الشكاكون، هذه الفلسفة قديمة حيث قالوا: كل ما في الكون وهم أو خيال أو عكوس في المرايا أو ظلال. وحاليا ينشروها بطريقة اخرى لسبب وهو عندما الشباب بشكل عام يفقدون الثوابت والقيم والواضحات، حينئذ يكون من السهل السيطرة عليهم.
[2] العقلاء ايضا لديهم اخبار قطعية وظنيّة، المتواتر عند العقلاء موجود، كالخبر الواحد التي تأتي به كل اذاعات الدنيا المتعادية اقطع بصحته. ويمكن ان يخبرني شخص ثقة هذا الخبر ظني، والتواتر العام هو خبر قطعي. نجد الن العقلاء يقدمون الظني على المتواتر مفهوما ودلالة وليس سندا، ليست المشكله في سند الخبر وسند القطعي، المشكلة في الدلالات، وفي الدلالات يقدّم هذا على ذاك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo