< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فصل: تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد.

     الاشكال الثالث على جواز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد: اخبار: ما خالف قول ربنا لم نقله، واستعراض هذه الاخبار، ولا شك في أن الخاص يخالف العام.

     الجواب: اولا: ليس المراد من المخالفة ما يشمل العام والخاص. ثانيا: صدور كثير من الروايات المخصصة للعمومات القرآنية، ونحن تقطع بصدور بعضها، فلو قلنا بعدم التخصيص لزم منه طرح هذه الروايات الصادرة قطعا. ثالثا: لعلّ المراد عدم مخالفتهم لقول الله تعالى واقعا، وهو خلاف الظاهر، إذ هو في مقام تنقيح الروايات الصادرة عن المدسوسة.

     النتيجة: يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد.

ومما يمكن ان يتصوّر مانعا هو ما ورد من الشبهات على جواز تخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد:

منها: الأخبار الدالة على المنع من العمل بما خالف كتاب الله، وما خالف فهو زخرف باطل اضرب به عرض الجدار أو لم اقله. مثلا: " احل الله البيع " عام ثم ورد ان بيع الصبي باطل او بيع المكره، هذا خالف كتاب الله، فإذن تشمله هذه الروايات وبالتالي لم نقله وهو باطل. فإذن الخاص ينافيه العام الكتابي، وعليه هذا الروايات قرينة واصحة على عدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد.

سنذكر بعض الروايات التي وردت بهذا المعنى:

الكافي: ح 4 – محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أيوب بن راشد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف. [1]

بلا شك عندما لا يوافق الخاص العام فهو يخالفه.

المحاسن: ح 131 - عنه، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي، عن أيوب، عن أبي عبد الله ( ع ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا حدثتم عنى بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله و أرشده فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وان لم يوافق كتاب الله فلم أقله. [2]

هذه الروايات بلفظ وافق وليس بلفظ خالف، وهي موجّهة إلى الروايات المدسوسة خصوصا بعد ان كثر الدس في الروايات، الصادق (ع) يقول: لعن الله المغيرة بن سعيد فقد دس في كتب اصحاب ابي اكثر من اربعة الاف حديث. وحتى حاليا الدس لاجل تشويه السمعة كثير، حتى في بعض الروايات: يدسون الحديث يغالون فيه حتى يبغضنا الناس.

المحاسن: ح 128 - عنه، عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل شئ مردود إلى كتاب الله والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب - الله فهو زخرف. [3]

المحاسن: ح129 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن كليب بن معاوية الأسدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل. [4]

وهنا وردت بمعنى آخر " لا يصدقه " أي نحتاج إلى دليل على صحّة الحديث وليس فقط المخالفة، وكأنه يقول إن إخبار الثقة وحده غير كاف، ولا بد من شرط آخر وهو تصديق كتاب الله له.

المحاسن: ح 130 - عنه، عن أبي أيوب المدايني، عن ابن أبي عمير، عن الهشامين جميعا وغيرهما قال: خطب النبي صلى الله عليه وآله فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله. [5]

التبيان للطوسي: وروى عنه عليه السلام أنه قال: ( إذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط ) وروي مثل ذلك عن أئمتنا عليهم السلام. [6]

كل هذه الاحاديث في مقابل الدس والميزان انه إذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فخذوا به وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط. هذه الروايات تثبت ان الحديث المخالف لكتاب الله باطل، وبلا شك ان الخاص يخالف العام.

وجوابه أي الجواب على المخالفة:

اولا: ما المراد من المخالفة: إن الله عز وجل تكلم بلغة الناس، وكذلك النبي (ص) والأئمة (ع) [7] ، ولغة الناس فيها خاص وعام، ويقدّمون الخاص على العام ولا يجدون فيه تعارضا أو تعاندا أو خطأ، وقد اشتهر انه ما من عام إلا وقد خصّ، لان العام له افراد كثيرة فتبقى في بعض الافراد ملاكات اخرى تعارض ملاك العام، وتعارض الملاكات ليس تكاذبا في البيانات كما في المخالفة، ولذا لا تشمل المخالفة المذكورة في الروايات العام والخاص أو المطلق والمقيّد، بل المراد كمال التعاند والتعارض والتنافي بحيث لا يجمع بينهما العرف. وهذا موجود في كل لغة البشر، واكثر مباحث الالفاظ موجودة ايضا، وكذلك مقدمات الحكمة، أو في علم الالسنة القواعد العامّة اللغوية موجودة.

وقلنا ان التقديمات عدّة اقسام: العام والخاص يقدم الخاص على العام وهذا ليس تخالفا، وكذلك في المطلق والمقيّد، والمجمل والمبيّن، والجمع العرفي مثلا ما ورد من مضمون الروايات: " ثمن العذرة سحت، وجاء ثمن العذرة لا باس به " عندما نسمعها ندرك ان العذرة النافعة لا باس بها، والتي ليس فيها نفع سحت أي مقابل لا شيء. مثلا اخر اخلاقي: " مزاح المؤمن عبادة " وتأتي رواية اخرى: " ما مزح مؤمن مزحة إلا مج من عقله مجة " هذا تعارض، والعرف عندما يسمعها وهو يعرف ان جوهر المزاح هو ادخال السرور على المؤمن، فإذا ادخل السرور فهو عبادة وإلا فلا فيمج من العقل مجة. هذا عبرّنا عنه بالجمع العرفي وهذا ليس من باب التخالف لان العرف يجمعهما بمجرّد سماعهما.

ثانيا: ورود كثير من الروايات المخصصة والمقيّدة للعمومات القرآنية بحيث نقطع بصدور بعضها، فلو كانت المخالفة تشمل هذه الروايات فكيف تصدر عنهم (ع).

يقول صاحب الكفاية (ره): والاخبار الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها أو ضربها على الجدار، أو أنها زخرف، أو أنها مما لم يقل به الإمام عليه السلام، وإن كانت كثيرة جدا، وصريحة الدلالة على طرح المخالف، إلا أنه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الأخبار غير مخالفة العموم، إن لم نقل بأنها ليست من المخالفة عرفا، كيف؟ وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة (عام وخاص) منهم عليهم السلام كثيرة جدا، مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعا - وإن كان هو على خلافه ظاهرا - شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده من كلامه، فافهم. [8]

ومنها: ان لو جاز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد لجاز نسخه به أيضا، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

بيانه: ان النسخ تخصيص بحسب الازمان، اي للحكم أمدٌ معيّن، فكما لا يجوز التخصيص بحسب الأفراد العرضيّة كذلك لا يجوز بحسب الافراد الطولية.

وجوابه: إن النسخ يختلف في جوهره عن التخصيص وليسا من باب واحد كما بينا في النقطة الأولى، فإن النسخ إزالة حكم، واما التخصيص فلا إزالة فيه للحكم، ولا لفعليته، ولا لإنشائه ولا تدخلا في متعلّقه، بل هو إخراج افراد.

والنتيجة: يجوز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد.


[7] قالوا ان الفرق بين القرآن والسنّة: ان القرآن جاء لفظا ومنعى، اما السنّة جاءت معنى دون لفظا، المعنى من الله واللفظ من الناس.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo