< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فصل: إذا دار الامر بين التخصيص والنسخ ؟.

     صور دوران الأمر بين التخصيص والنسخ خمسة:

     الصورة الأولى: التخصيص بالمتصل ولا شك في الحمل على التخصيص.

     الفرق بين النسخ والتخصيص من جهة المراد: ففي النسخ إزالة المراد الجدي والاستعمالي، أما التخصيص فهو إزالة للمراد الاستعمالي دون الجدي.

     الصورة الثانية: ان يكون الخاص متأخرا عن العام ولكن قبل حضور وقت العمل بالعام أي قبل فعليّته، أي قبل تحقق موضوعه، فيحمل على التخصيص أيضا.

     لا يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه إلا في حالتين: الأوامر الامتحانيّة لان الغرض منها مجرد امتحان وقد تحقق. والثانية: لردع الناس عن العمل القبيح وهو يعلم ارتداعهم بالعقاب.

إذا دار الأمر بين التخصيص والنسخ؟

إذا ورد عام وخاص ودار الأمر بين التخصيص والنسخ، هل نحمل الخاص على التخصيص أو نحمله على النسخ؟ هنا صور: فإما ان يكون بالمتصل، أو بالمنفصل، وإذا كان بالمنفصل فإما ان يكون العام قبل الخاص أو بعده، وكلاهما إما ان يكون قبل حضور وقت العمل به وإما ان يكون بعد وقت العمل به أي ان يرد بعد وقت الحاجة، ويصبح فعليا بعد حصول موضوعه مثلا يجب اكرام العالم عند وجوده، فوقت الحضور هو وقت فعليّة الحكم، والفعليّة هي الدفع اليه عندما يحصل الموضوع. ولذلك فالوا ان حصول الموضوع شرط في الفعليّة، وبعضهم اعتبره الشرط الوحيد.

فهذه خمس صور نستعرضها تباعا، صورة واحدة بالمتصل وأربعة بالمنفصل:

في صورة المتصل لا معنى ان نقول قبل حضور وقت العمل، لأنه لم ينته الكلام وجاء المخصص.

الصورة الأولى: ان يكون الخاص متصلا بالعام: ففي هذه الصورة يكون حكم العام غير ظاهر بعد، وغير ثابت في مقام البيان، لأن الكلام لم ينته بعد، فكيف يكون الخاص ناسخا؟! إذ النسخ هو إزالة الثابت، ولذا ففي هذه الحالة لا شك في الحمل على التخصيص دون النسخ.

الصورة الثانية: ان يكون الخاص متأخرا عن العام ولكن قبل حضور وقت العمل بالعام، فيأت العام: " أكرم العلماء " ثم قبل ان تبدأ بالإكرام يرد " لا تكرم زيدا "، فهذا ظاهر في التخصيص، بل أكثر التخصيصات العرفيّة من هذا القبيل. المولى العرفي يلتفت إلى وجود ملاك في الخاص فيخصص، او انه بالأصل ملتفت لملاك الخاص، لكن لغايةٍ ما أخَّر البيان.

نعم يمكن ان يكون ناسخا في الأوامر العرفيّة أيضا، لأن المولى الحكيم عندما يأمر بالعام فإنما يأمر بمصلحة وملاك موجود في كل افراد العام كما بيّنا، ثم يلتفت إلى وجود ملاك معارض ومناف في بعض الأفراد فيخرجا بعد ذلك، وهذا هو النسخ، أي يكون أمره بالعام جديا واقعيا ثم يلتفت بعد ذلك إلى أفراد الخاص فينسخ امتثال العام بها. وهذا الصورة موجودة عند المولى العرفي وليست موجودة عن المولى الشرعي فانه يعلم بالمصالح من الأساس.

الفرق بين النسخ والتخصيص من جهة المراد:

في النسخ يكون المراد الجدي والمراد الاستعمالي متطابقين، فيكون مراد الآمر العموم جديا وواقعيا.

اما في التخصيص فيكون المراد الجدي [1] بعض الأفراد واما المراد الاستعمالي فكل الأفراد.

اما عند الشارع المقدّس فمحال تصور انه كان جاهلا فيأمر بالتطبيق على كل الافراد ثم بعدها يلتفت إلى الملاك المنافي في بعض الافراد ان يكون المراد الجدي من الأساس هو العام ثم يأتي الخاص لينسخه في البيان، ولا يمكن ان نتصوّر انه جاهل بالملاك الموجود بالخاص المنافي.

فانه لا يعقل ان يجعل المولى حكما وهو ملتفت إلى عدم تحقق شرطه وقد مرّ الكلام في ذلك في مسألة: أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه. نعم يمكن ان يفترض ذلك في حالتين:

     في الأوامر الامتحانية حيث إن الغرض من جعلها ليس بلوغها مرتبة الفعليّة والامتثال، ولذا لا مانع في جعلها مع علم المولى بعدم قدرة المكلّف على الامتثال نظرا إلى ان الغرض منها مجرد الامتحان، وهو يحصل بمجرّد إنشاء الأمر، فلا يتوقف على فعليّته موضوعه.

ان يعلم الشارع المقدّس انه بمجرّد إصدار الحكم تنتفي الأفراد الخارجيّة، كما في لو قال: " ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب " [2] أو " القاتل يقتل " فانه يعلم ان هذا الحكم سيكون رادعا للناس عن القتل. ولذا يخبر بــــــــــــــــ " لكم في القصاص حياة ". فإصدار الحكم اتى لا لأجل تنفيذه بل للردع عن ارتكاب موضوعه، أي ان الشارع لا يريد ان يرى تحققه خارجا، فينهى عنه ويعطي حكما قاسيا بعلمه بارتداع الناس عنه حينئذ. مثلا للردع عن الزنى قال ان اثبات الزنى يجب ان يراه أربعة شهود يشهدون كالميل في المكحلة، صعّب الشروط للردع عن الزنى. وهذا موجود أيضا في العرف القوانين تكون قاسية فقط لمنع حدوث موضوعه لا لفعليته.


[1] المراد الجدي لم يكن موجودا في ابحاث القدماء فقالوا بالمجاز، واتصور اول من ذكر المراد الجدي هو سلطان العلماء، وكان فتحا في علم الالفاظ.
[2] ويقال ان اهل الجاهلية عندما تحداهم القرآن ان يأتوا بسورة من مثله، فاتوا بعبارة تماثل قوله تعالى: " ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب " وهي: " القتل انفى للقتل " المعنى قريب ولكن شتان ما بين هذه العبارة وتلك العبارة وما تتضمّنه الآية من روائع البلاغة والمعاني البلاغيّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo