< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فصل: البَداء.

     كلام السيد الخوئي (ره) في القسم الثالث.

     استعراض النصوص التي وردت في البداء.

     البداء لا يقع في القسمين الاولين، بل يقع في القسم الثالث، وهو القضايا الشرطيّة، والأمور المعلّقة على مشيئة الله.

 

قلنا ان القسم الأول: هو علم مكنون لا يعلمه إلا هو وهذا لا بَداء فيه، بل يقع منه البداء.

القسم الثاني: يعلمه الله عز وجل واطلع انبياءه ورسله وملائكته لكنه لا يتغيّر، وهذا لا بداء فيه.

كلام السيد الخوئي (ره): القسم الثالث: قضاء الله الذي أخبر نبيه وملائكته بوقوعه في الخارج لا بنحو الحتم بل معلقا على أن لا تتعلق مشيئة الله على خلافه (هو القضايا الشرطيّة)، وفي هذا القسم يقع البَداء وهو عالم المحو والاثبات واليه أشار بقوله تعالى ( يمحو الله ما يشاء ويثبت (القسم الثالث) وعنده أم الكتاب (القسمين الاولين). لله الامر من قبل ومن بعد (القدرة المطلقة)) وقد دلت على ذلك عدة نصوص.

هنا لا بأس قبل ذكر النصوص الإشارة إلى: هل هناك فرق بين المشيئة والإرادة؟

الفرق بين الإرادة والمشيئة:

ذكرنا سابقا عندما ادخل رأس الحسين (ع) الشريف مع السبايا على يزيد بن معاوية، قال لهم يزيد لعنه الله: أتدرون من اين أتي هذا؟ قال: " لقد أتي من قبل قلّة فقهه، ثم يقول: لم يقرأ قوله تعالى: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾[1] لقد شاء الله ان يرانا ملوكا، فقام ضد مشيئة الله لذلك قتل ". ذكر القصّة بكاملها الطبري أو ابن الاثير.

للوهلة الأولى وكثير من البسطاء لا يدركون معنى قول الله " تؤتي الملك من تشاء "، فكأن الملك على الناس اصبح جبريا من عند الله، ولذلك كان التفريق بين المشيئة والإرادة مهم جدا.

الذي أراه ان الإرادة هو اختيار ناتج عن الذات، والمشيئة اختيار ناشئ عن قانون – جملة شرطيّة -. مثلا: إذا رمى شخص نفسه من شاهق، أصل الرمي إرادة، لكن مجرد ان رمى نفسه وأصبح في الهواء تتحقق المشيئة وصار مسلوب الإرادة، فهو أوقع نفسه في القانون الرباني التكويني بعدم القدرة على الرجوع. ولذلك أيضا ان الحسين (ع) في الحديث المروي قال: " شاء الله ان يراني قتيلا ويراهن سبايا " ذكر (ع) ان الله " شاء " ولم يقل " أراد "، شاء يعني ان هناك قانون إذا اردت ان تقف ضد الظالم المتجبر وتريد الإصلاح ستصل إلى نتيجة وهي الاستشهاد والسبي. هذا قانون طبيعي، فالشخص الأضعف من الظالم والحاكم ماديا سيقتله الظالم، وهذا لا يعني انه هو يريد ذلك، بل هو قانون الدنيا، لذلك ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾ أي ان هناك مشيئة، قانون، واختيار البداية من الشخص لكن أوقع نفسه في القانون الذي يحتاج إذا اردت ان تكون ملكا فانك تحتاج إلى العلاقات مع الناس والقوّة والجبروت والبطش إلى آخره لكل من شاء الملك، فمن يريد الملك عليه ان يسلط هذا الطريق، وهذه المشيئة.

ولذلك في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [2] قال أراد ولم يقل شاء.

لذلك فرق شاسع بين المشيئة والإرادة، وبني اميّة استغلّوا هذه المسألة وحرفوها عن واقعها بأشعارهم وسيرتهم وقالوا ان الله عز وجل ارادهم ملوكا، لذلك كان القيام ضد بني اميّة قيام ضد مشيئة الله. الحسن البصري في بعض خطبه والذي كان يتحدث عن بين اميّة انهم طغاة وجبارون وفي آخر الخطاب يخاطب الناس بان لا يتحركوا ضدهم لان هؤلاء ارادهم الله ملوكا وكل من أراد ان يقوم ضدهم فهو ضد مشيئة الله وعليكم بالصبر وغيره وان ظلمكم بنو اميّة وأفسدوا وقتلوا.

هذه الفكرة خطيرة جدا، واصلها الروايات الموجودة في سنن البيهقي باب طاعة الامير: " اطع الأمير ولو ضرب ظهرك واخذ مالك ".

نعود لكلام السيد الخوئي (ره): منها: ما في تفسير علي بن إبراهيم عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله ( ع ) قال: ( إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة فإذا أراد الله أن يقدم شيئا أو يؤخره أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراده، قلت وكل شيء هو عند الله مثبت في كتاب الله قال: نعم قلت فأي شيء يكون بعده قال سبحان الله ثم يحدث الله أيضا ما يشاء تبارك وتعالى ). [3]

من حيث السند: السند معتبر: تفسير على بن إبراهيم (ثقة) فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي (ثقة) عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ (ثقة وثقه النجاشي والعلامة) عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ (ثقة هو يحيى بن عمران بن علي بن ابي شعبة وثقه النجاشي والعلامة) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ (ثقة) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: ....

في الرواية عبد الله بن مسكان روى مباشرة عن الصادق (ع) وهذا نادر لانه كانت العين عليه من قبل السلطة لذلك كان لا يتظاهر بالذهاب للإمام (ع) واكثر رواياته عن الامام بالواسطة.

من حيث الدلالة: هناك تفريق بين الارادة والمشيئة. وهذا من القسم الثالث من علم الله عز وجل. ‌

     كلام السيد الخوئي: ومنها: ما في تفسيره أيضا عن عبد الله بن مسكان عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن ( ع ) عند تفسير قوله تعالى: ( فيها يفرق كل أمر حكيم أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل وما يكون في تلك السنة وله فيه البداء والمشيئة يقدم ما يشاء ويؤخر ما بشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والاعراض والأمراض ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء ). [4] ويلقيه رسول الله ص إلى أمير المؤمنين (ع) ويلقيه أمير المؤمنين (ع) إلى الأئمة (ع) حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان (ع)، ويشترط له ما فيه البداء والمشية والتقديم والتأخير.

من حيث السند: الرواية معتبرة اعلائية: علي بن إبراهيم قَالَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبِي (ثقة) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ (ثقة) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ (ثقة) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحَسَنِ (ع، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ (ثقة)عَنْ يُونُسَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ (ثقة) عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ (مجهول) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ‌:...

كلام السيد الخوئي: ومنها: ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين ( ع ) أنه قال ( لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية ) " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " ومثله ما عن الصدوق في الآمال والتوحيد عن أمير المؤمنين (ع) [5] [6] .

كلام السيد الخوئي: ومنها: ما في تفسير العياشي عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: ( كان علي بن الحسين (ع) يقول لولا آية في كتاب الله لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة فقلت أية آية قال قول الله يمحو الله الخ. [7]

من حيث السند: قلنا ان في كتاب العياشي وهو الرجل الجليل مشكلة، فقد حذف الاسانيد، فصارت رواياته مرسلات لذلك سقطت رواياته عن الاعتبار عند العديد من العلماء.

السيد الخوئي: ومنها: ما في قرب الإسناد عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: قال أبو عبد الله وأبو جعفر وعلي بن الحسين والحسين بن علي وعلي بن أبي طالب عليهم السلام ( لولا آية في كتاب الله لحدثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة بمحو الله الخ. [8]

من حيث الدلالة: في هذا القسم الثالث - أي القضايا الشرطيّة المعلّقة - يقع البداء، مثلا: المقتضي ان تعيش مئة سنة، وهناك قضية شرطية " صلة الرحم منسأة في الاجل " عندما تصل رحمك الله يزيد لك في العمر " لولا آية في كتاب الله لحدثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة بمحو الله " المشيئة معلومة، الحدث الأخير معلّق على مشيئة الله.

كلام السيد الخوئي: ومنها: ما عن العياشي (ثقة) عن ابن سنان (ثقة) عن أبي عبد الله (ع) يقول: ( ان الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء وعنده أم الكتاب وقال فكل أمر يريد الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ليس شيء يبدو له إلا وقد كان في علمه ان الله لا يبدو له من جهل ). [9]

قد يقال التعبير بالبداء يبدل بالإبداء، لكن نحن ملتزمون بما ورد في الروايات.

كلام السيد الخوئي: ومنها: ما رواه العياشي عن عمار بن موسى (ثقة فطحي) عن أبي عبد الله (ع) سئل عن قول الله يمحو الله الخ قال: ( ان ذلك الكتاب كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاء وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يرد به القضاء حتى إذا صار إلى أم الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئا ). [10]

ومنها غيرها من الروايات الدالة على ذلك.

السيد رحمه الله يركز على القسم الثالث الذي يقع فيه البداء

كلام السيد الخوئي: فالنتيجة على ضوء هذه الروايات هي أن البداء يستحيل ان يقع في القسم الأول من القضاء المعبر عنه باللوح المحفوظ وبأم الكتاب والعلم المخزون عند الله، بداهة أنه كيف يتصور البداء فيه وان الله سبحانه عالم بكنه جميع الأشياء بشتى ألوانها منذ الأزل لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. نعم هذا العلم منشأ لوقوع البداء يعني أن انسداد باب هذا العلم لغيره تعالى حتى الأنبياء والأوصياء والملائكة أوجب وقوع البداء في بعض اخباراتهم، وكذا الحال في القسم الثاني من القضاء نظرا إلى أن العقل يستقل باستحالة تكذيب الله تعالى نفسه أو أنبيائه.

وأما القسم الثالث فهو مورد لوقوع البداء ولا يلزم من الالتزام بالبداء فيه أي محذور كنسبة الجهل إلى الله سبحانه وتعالى ولا ما ينافي عظمته وجلاله ولا الكذب حيث إن أخباره تعالى بهذا القضاء [11] لنبيه أو وليه ليس على نحو الجزم والبت، بل هو معلق بعدم مشيئته بخلافه، فإذا تعلقت المشيئة على الخلاف لم يلزم الكذب، فان ملاك صدق هذه القضية وكذبها إنما هو بصدق الملازمة وكذبها، والمفروض ان الملازمة صادقة وهي وقوعه لو لم تتعلق المشيئة الإلهية على خلافه. مثلا أن الله تعالى يعلم بأن زيدا سوف يموت في الوقت الفلاني ويعلم بأن موته فيه معلّق على عدم اعطائه الصدقة أو ما شاكلها، ويعلم بأنه يعطي الصدقة فلا يموت فيه، فها هنا قضيتان شرطيتان ففي إحداهما: قد علّق موته في الوقت الفلاني بعدم تصدقه أو نحوه، وفي الأخرى قد علق عدم موته فيه على تصدقه أو نحوه. [12]


[6] الاحتجاج، الشيخ الطرسي، ج1، ص383 مرسلا. ذكر الصدوق سندا عن الصبغ بن نباتة: توحيد الصدوق: ج1، ص304، باب43: ١ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قالا : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال : حدثنا محمد بن العباس قال : حدثني محمد بن أبي السري، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، عن سعد الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، ...
[11] القضية الشرطيّة كـ " إذا طلعت الشمس فالنهار موجود " هذا لا يعني ان الشمس ستطلع. مثال آخر: يستحب الاكل باليد، ورد بالروايات إذا اردت الاكل فاغسل يدك قبل الاكل إلى آخره. بعضهم استدل بها انه يستحب الاكل باليد، لكن الصحيح انه إذا اردت ان تأكل بيدك فاغسلها، القضيّة الشرطية يتوقف صدقها على صدق الملازمة، وهذا لا يعني انه يلزم ان تأكل بيدك، لكن إذا اردت ان تأكل بيدك فاغسلها. صدق القضية الشرطية لا يتوقف على صدق المقدّم، بل تتوقف على صدق الملازمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo