< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المطلق والمقيّد: وضع العلم الجنسي:

     تتمّة كلام صاحب الكفاية (ره)، وإشكاله على المشهور.

     رفض كلام المشهور وكلام صاحب الكفاية.

     المختار: التعريف نشأ من كون الموضوع له علم الجنس هو من باب الوضع العام والموضوع له خاص.

 

ملخص كلام صاحب الكفاية: ذهب (ره) إلى تعريف العلم الجنسي تعريف لفظي كالتأنيث اللفظي يعامل معاملة المعرفة لكنه في الواقع مثله مثل اسم الجنس نكرة يستعمل في كل فرد، ثم استدل انه لو كان الموضوع له في علم الجنسي الماهيّة المتميّزة في الذهن كما عند المشهور، فهذا التميّز في الذهن هو الذي جعله معرفة. وقال صاحب الكفاية انه لو كان العلم الجنسي كما قال المشهور لكانت مسألة اللحاظ مأخوذة في الموضوع له، وإذا اخذت في المفهوم صار جزء المفهوم جزءا عقليا لا يوجد إلا في الذهن، واللحاظ لا يوجد في الخارج فإذن كيف تنطبق كلمة " اسامة " اسم الجنس على الافراد الخارجيّة؟! إذن لا تنطبق فالاستعمال في الافراد الخارجية محال على نحو الحقيقة غير صحيح، أو مجاز بأن أزيل اللحاظ واستعمله في جزئه أي استعمال اللفظ في غير ما وضع له وهو الجزء.

ولو قيل فليكن ونستعمل علم الجنس بدون لحاظ التميّز عند انطباقها على الأفراد الخارجيّة.

واجاب صاحب الكفاية: بان هذا الاستعمال فيه مشكلة حيث اصبح الواضع غير حكيم، بان اضع اللفظ لمعنى ثم استعمله دائما أو غالبا في معنى آخر، لماذا استعمله مجازا والمجاز يحتاج إلى علاقة مصححة للمجاز وإلى قرينة. ولذلك رفض ما ذهب اليه المشهور من اخذ اللحاظ بالتعيين الذهني.

كلام صاحب الكفاية: مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال، لا يكاد يصدر عن جاهل، فضلا عن الواضع الحكيم. [1] انتهى كلامه رفع مقامه.

أي ما الحكمة في ان اضع اللفظ لمعنى واستعمله دائما أو غالبا في آخر، فهذا خلاف الحكمة، أَوَ ليس الوضع لأجل بيان المعاني؟!. [2]

والتحقيق: ان علم الجنس عومل في اللغة العربيّة معاملة المعرفة، فهل التعريف مجرّد تعريف لفظي كالتأنيث الفظي، وهو مذهب صاحب الكفاية (ره) وأيّده السيد الخوئي (ره)، أم أنه دخيل في المعنى.

الظاهر هو الثاني دون الاول بخلاف ما ذهبا اليه.

اما في العلم الجنسي فلا يصح استعماله على نحو الحقيقة إلا في المعرفة المميّزة، ولذا لا يصح ان يقال: " رأيت أسامة أمس "، بدلا من قولنا: " رأيت أسدا أمس " وليس ذلك إلا لأن التعريف أخذ في معنى لفظ أسامة.

وهكذا في لبنان لا يصح ان يقال: " رأيت وطنا أمس "، بمعنى الجندي، ويصح أن يقال: " رأيت حنديا أمس " وهكذا في العراق " أبو خليل "، وهكذا وهكذا.

السؤال: كيف وضعت لفظ " وطن " اسم الجنس. ما هو الموضوع له؟

قال النحاة ان علم الجنس يستعمل في حالتين: إما في الافراد الحاضرة ليكون متعينا لان الغائب غير متعيّن، وثانيا: الماهية التي يمكن ان تتميّز في الذهن. لذلك العلم الجنسي استعمله في الماهيّة الذهنيّة، والماهيّة الذهنيّة متميّزة بطبيعتها عن الماهيات الأخرى.

يبقى السؤال: كيف حصل هذا التعريف؟

نقول: إن التعريف هو وضع اللفظ لخصوص معنى واستعماله فيه بحيث لا يشمل ما يشبهه.

وهنا عند تصوّر معنى " الأسد " تصور الواضع حالتين:

إحداهما: نفس المعنى مقصورا على الذات والذاتيات، وهو ما يعبّر عنه بالماهيّة المهملة، وهو اسم الجنس، أو النكرة، أو الكلي الطبيعي، فوضع اسم الجنس " أسد " لكل حيوان مفترس بصفات خاصّة. وهذا من الوضع عام والموضوع له عام.

الثانية: يريد ان يلحظ في كل فرد معنى من الاهتمام، وهو يناسب وضع علم شخصي من هنا جاء التعريف، فالعلم الجنسي من تطبيقات الوضع عام والموضوع له خاص كالحروف، ولما صار الموضوع له هذا الفرد بعينه من هنا نشأ التعريف. بل نقول انه هو معرفة وليس فقط يعامل معاملة المعرفة.

فها هنا ايضا حالتين:

     فإما ان يضع علما شخصيا للأسد الذي يملكه، فيسميه " عنتر " مثلا.

     وإما ان يضع علما عاما، فيتصوّر المعنى الكلّي ويضع لكل فرد فرد، فيضع لفظ " أسامة ".

وإنما كان هذا الوضع في الحالة الأخيرة لتعسر تصوّر الأفراد جميعا، كل فرد فرد، والوضع لكل فرد على حدة. وهذا من الوضع العام والموضوع له الخاص، أي من القسم الثالث من الوضع.

 


[2] قلنا في تعريف الوضع حيث ذهب السيد الخوئي (ره) إلى انه تعهّد، وصاحب الكفاية (ره) إلى انه نحو اختصاص، السيد الصدر (ره) القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى وغيرها، كل هذه التعاريف تلحظ جهة وهذا سبب الإشكالات عليها. قلنا ان الأصل في القضايا ان تكون حقيقية وفي المعاني كذلك، مثلا إذا وضعت اللفظ للكتاب اضعه لنفس الكتاب ثم احمل عليه، لكن لما لا أستطيع دائما ان اتي بالأشخاص على نحو الحقيقة الخارجيّة، ولما عجزت عن ذلك كعاقل استبدلت المجيء بالكيانات والوجودات الخارجيّة بألفاظ تحكي عنها، فإذا اتيت بلفظ الكتاب كأني اتيت بنفس الكتاب. لذلك نلاحظ أيضا تطور الكتابة الذي كان أولا رسوما تأتي بنفس الشكل الخارجي ثم تطوّرت إلى أحرف ثم إلى رموز ثم إلى ارقام تعطي المعنى. الأصل في الوضع هو بيان معان، والاصل في البيان ان اتي بالوجود الخارجي.ونكرر ان استعمال اللفظ في المعنى شيء وكون اللفظ علامة على المعنى شيء آخر، الاستعمال عبارة عن فناء كما عبّر صاحب الكفاية وايدناه، عدم التفريق بين الاستعمال والعلامة دفع الكثيرين من الأصوليين إلى القول بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى، لان الشيء الواحد يمكن ان اجعله علامة لهذا وذاك فلماذا لا يكون الاستعمال علامة لهذا المعنى وعلامة لمعنى آخر؟ أجبنا على ذلك وقلنا ان العلامة شيء والاستعمال شيء آخر، الاستعمال عبارة عن الاتيان بنفس الموجود لذا هو فناء ولا امكان للإتيان به مرّة أخرى لانه تحصل حاصل. وكذا الامر في اللفظ فإذا اتيت بالمعنى لا أستطيع ان استعمله مرّة ثانية وهذه هي الحكمة من وضع الالفاظ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo