< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المطلق والمقيّد. مقدمات الحكمة.

     الأصل ان يكون المتكلّم في مقام بيان لا في مقام الإهمال.

     التفريق بين الشارع وغيره.

     النتيجة: الأصل في النصوص الشرعيّة ان يكون المتكلّم في مقام البيان.

المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة وهي ان يكون في مقام بيان، فلو شك في هذه المقدمة وهل هو في مقام الإهمال أو البيان. ففي مقام الإهمال لا يمكن اجراء مقدمات الحكمة فلا يؤدي إلى ظهور في الاطلاق بعكس ما إذا كان في مقام البيان فهو يؤدي إلى ظهور في الإطلاق. وقلنا ان هناك اتجاهان: اتجاه يقول ان الأصل ان يكون في مقام بيان، والآخر يقول ان الأصل ان يكون في مقام الإهمال والبيان هو الذي يحتاج إلى دليل.

اما نحن سنفرّق بين الشارع المقدّس وغيره الآمر العادي هو على نوعين: قسم من شأنه البيان من كل الجهات. وقسم ليس من شأنه البيان من كل الجهات، مثاله: الطبيب عندما يصف دواء قد لا يلتفت العوارض الجانبيّة وسلبياته من جهات أخرى، لذلك لا أستطيع ان آخذ بإطلاقه.

نقول ان الشارع المقدّس يختلف عن الآمر الآخر، أحد أهم دواعي رسالة ووظائف الشارع المقدّس هو بيان الاحكام، جميع الأحكام. لذلك عندما يسأل يجب ان يبيّن كل الجهات وليس من جهة ما إلا مع وجود قرينة خاصّة فالإهمال والاجمال هو الذي يحتاج إلى دليل. فالآمر العادي لا ينظر إلى الكيان المتكامل غالبا. [1]

لذلك بالنسبة للأوامر الشرعية التي هي محل ابتلائنا: " القرآن والحديث والنصوص " الشارع المقدّس ينظر إلى كل الجهات، وعليه، فالأصل ان يكون في مقام البيان لأنها وظيفته. إذن هناك مقدمتان: الأولى ان وظيفة الشارع المقدّس البيان للأحكام من كل الجهات. وثانيا: انه هو الوحيد الذي يستطيع ان ينظر إلى كل الجهات. لذلك نستطيع ان نقول الأصل للشارع ان يكون في مقام بيان، نعم أيضا الآمر الحكيم مثل الشارع يلتفت إلى كل الجهات أيضا يكون في مقام بيان ومن وظيفته ان يلتفت إلى كل شيء. ولكن الصغرى صعبة الحصول. لذلك الأصل في التكليفيات والوضعيات في الأوامر والنواهي في البيان ان يكون في مقام البيان وليس في مقام الإهمال.

تلخيص ما مضى: ان الشارع يمكن ان يكون في مقام البيان من كل الجهات، ويمكن ان يكون في مقام بيان جهة دون أخرى. ثم ذكرنا ان الاطلاق أمر وجودي، وان الاطلاق والتقييد امران ضدان وليسا ملكة وعدم. والكلام الآن إذا كان المكلّف شاكا فماذا نفعل، مثلا ورد حديث: " ما عبد الله بشيء أشد من المشي ولا أفضل " هل النبي (ص) أو الامام (ع) قاصد خصوص المشي إلى الكعبة أو مطلقا؟ حمله بعضهم على ان المشي إلى بيت الله دون غيره.

هذا التوجيه والقيد إلى بيت الله فقط هذا يحتاج إلى دليل. مع وجود الدليل فالحمد الله، وإلا إذا لم يوجد الدليل على خصوص بيت الله فيكون المشي على اطلاقه يشمل قضاء الحاجات والعمرة والحج والذهاب إلى الجهاد وغير ذلك بإطلاقه هو عبادة.

قد يقال: الاطلاق يشمل مشي الكافر، فهل مشي الكافر يعدّ عبادة؟

الجواب: لا رغم انه مشي. فبقرينة "عبد" والعبادة هي العلاقة بين العباد والمعبود، فعندما تمشي يجب ان تنوي انه لله لأمر ما راجح عند الله عز وجل، هناك قيد ان تنوي العباديّة بقرينة عُبِد.

فالنتيجة انه ليس مطلق المشي من كل الجهات حتى من دون ان يكون لله، المشي مطلق ومقيّد، مطلق من جهة الغاية والزمان وغير ذلك من جهة، ومقيّد بان يكون لله.

يقول الفقير إلى رحمة ربه: فرق بين الشارع المقدّس والآمر العرفي العادي. ففي الأمر العرفي لا يبعد كون ما ذكره السيد الخوئي (ره) صحيحا، أما في الشارع المقدّس فالأصل أن يكون في مقالم البيان لأنها ضمن رسالته ومهمّته، وهو يعلم أن المكلّف ينتظر منه التفاصيل في الحلال والحرام وغير ذلك. لذلك لا يبعد كون ما ذكره من المشهور ان الأصل في مقام بيان صحيح لدى الشارع المقدّس دون غيره. إذا وردنا نص قرآني أو حديثي وشككت انه في مقام بيان فالأصل ان يكون في مقام بيان ولذلك أستطيع ان أبني واستظهر الاطلاق.

ولا يبعد أيضا أنه وجه ما ذكره صاحب الكفاية (ره) من تمسك المشهور بالإطلاق.

بعضهم قال: أن لعلّ التمسك بالإطلاق سببه الوضع، وهو ان اللفظ " مشى " موضوع للفظ المشي مطلقا، فالأطلاق مأخوذ جزءا من المفهوم، جزء من الموضوع له ولذلك عند الشك بكون مطلقا. وكمثال آخر: إذا قلت: " اكرم يتيما " واشك في الشاب في عمر العشرين قد توفي ابوه هل أكرمه؟ انا لا أكرمه لعدم صدق اليتيم عليه، هل لعدم انطباق العنوان أو لروايات " لا يتم بعد احتلام "؟ هل كلمة " يتيم " مأخوذ في الموضوع له ان يكون طفلا وان لا يكون رجلا، ما معنى " يتيم" هل هي موضوعة لكل من فقد اباه أو لخصوص الصغير، ما هو الموضوع له؟

إذا كان الصغير هو الموضوع له فيكون الوضع هو المؤدي إلى الشياع. فإذا كان العنوان جزءا من الموضوع له فصار انطباق الموضوع له هو سبب الشياع أو الإطلاق، الشك يكون ان الموضوع له لفظ يتيم هو في كل من فقد اباه أو انه موضوع لخصوص الصغير بحيث ان الصغر جزء من الموضوع له.

ونحن كل ما ندرسه في علم الأصول هو كل المشكوكات التي نتعرض لها، عند الشك ماذا نفعل؟

ولنضرب مثلا على ذلك: " اقيموا الصلاة " على القول أن الصلاة موضوعة للمعنى اللغوي وليس هناك حقيقة شرعيّة كم أنا أذهب إليه، ليس هناك حقائق شرعية إلا نادرا في بعض المخترعات الشرعية.

فعلى ذلك تكون أي صلاة كافية ولو من دون ركوع أو سجود، لانطباق الصلاة عليه.

فإذا اخذت الصلاة بالمعنى اللغوي وكان في مقام تشريع والاصل ان يكون في مقام بيان حينئذ صلاته صحيحة، والصحيح ان " اقيموا الصلاة " ليس في مقام بيان تشريع من كل الجهات، بل في مقام الإهمال، التفاصيل من الأجزاء والشرائط لم يبيّنها فاصل الصلاة واجبة، اما الأمور الأخرى هذه الآية ليست في مقام بيان تلك الأمور من الأجزاء والشرائط، بل هي في مقام الإهمال من هذه الجهة.

الخلاصة: ولذلك لا يبعد ما ذكره صاحب الكفاية (ره) من ان استبعاد ان الشياع المأخوذ في الالفاظ على اطلاقها ليس الوضع كما ذكر بعضهم، بل هو بسبب ان الأصل ان يكون المتكلّم في مقام بيان حينئذ يكون هناك إطلاق.

والنتيجة: الأصل في النصوص الشرعيّة ان يكون الشارع في مقام بيان لا في مقام إهمال.

 


[1] استطراد: الفرق في الفلسفات العالميّة: كارل ماركس قال: ان الاقتصاد هو الذي يحرّك البشر، أدلر قال: ان حب السلطة هو الذي يحرّك البشر، فرويد قال: ان الجنس هو الذي يحرك البشر. فنقول: هو لأنه انسان عادي ويحاول ان يفكّر، فالإنسان محدود وينشد إلى جهة معيّنة ولا ينظر إلى الكيان المتكامل للإنسان، لكنه قد قصر النظر إلى جهة واحدة، فالآمر العادي عادة يلتفت إلى جهة معيّنة ويبني عليها ويتوجّه اليها ويوجّه الناس اليها، نعم للاقتصاد أثر كبير لكنه ليس المحرك الوحيد. وهكذا حب السلطة والجنس، أو ليست العقيدة مؤثرا أساسيا؟! إن الوحيد في الكون الذي يستطيع النظر إلى كل جهات وإلى الكيان المتكامل للإنسان هو الله عز وجل ولهذا أرسل الأنبياء. نحن لا نقول ان الانسان العادي لا يستطيع ان يؤسس للتشريع أو للقوانين لكنه غالبا محدود متجه إلى اتجاه معيّن وينصرف اليه ولا يلتفت إلى الجهات الأخرى، وهذا هو الفرق بين الشارع المقدّس والآمر العرفي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo