< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المطلق والمقيّد. مقدمات الحكمة.

     المقدّمة الثانية: عدم البيان.

     القدر المتيقّن في مقام التخاطب هو من أسباب الانصراف.

     الفرق بين التبادر والانصراف.

     الفرق بين المراد وبين كيفيّة الامتثال.

     كيفيّة الامتثال ليست من شؤون الآمر، ولا علاقة لها بالمراد، اما المراد فهو من شؤونه.

     الفرق بين التخطئة والاستهجان.

المقدّمة الثانية من مقدمات الحكمة:

ان يكون متمكنا من البيان. قلنا بان الاطلاق والتقييد هو من شؤون عالم البيان وعالم الاثبات، فإذا لم يكن المتكلّم قادرا على بيان القيد فلا معنى للحمل على ارادته للإطلاق، أي لا يستطيع العقلاء لومه بعدم بيان القيد بقولهم: إنك لو اردت التقييد فلماذا لم تقيّد؟ ولعمري هذا واضح لا يحتاج إلى مؤونة بيان.

نعم بعضهم – كالسيد عبد الأعلى السبزواري وغيره - اعتبر ان هذا ليس من مقدّمات الحكمة، هو من موضوع المقدمات. نقول انها لا شك من المقدمات بمعنى انه ما يحتاج اليه السامع حتى يبني على الاطلاق.

ثم إن عدم التمكن من البيان قد يكون لمانع عقلي، ومثلوا لذلك وأخذه في متعلّقه، واخذ العلم به في متعلّقه -اشكال الشيخ الانصاري (ره) في كيفية اخذ قصد الامر في متعلّقه بناء على ان قصد الامر شرط في العباديّة- وقد يكون خارجيا عرضيا طارئا كالتقيّة، لاحظ أن العقلاء لا يلومون من لم يقيّد إذا كان المتكلّم خائفا من بيان القيد، وإلا أصبح خائنا في مقام عدم البيان.

المقدمة الثانية لا تحتاج إلى بيان أكثر من ذلك.

المقدّمة الثالثة: عدم البيان:

وبيان القيد قد يكون لفظيا، كما في قولنا: " أعتق رقبة مؤمنة "، وقد يكون لبيا يشمل حكم العقل وحكم العقلاء والإجماع والسيرة وفعل المعصوم وتقريره ومنه القرائن الحاليّة كالإشارة كما في بعض الروايات، وغير ذلك مما نتصوّره من كيفية إيصال الأمر بغير اللفظ.

وقد يكون اتكالا على الانصراف العرفي، ولا بد هنا من وقفة وسبب التوقف ما ذكره صاحب الكفاية (ره) ودرج عليه من بعده، قالوا: " ان من القيود أو البيانات القدر المتيقّن في مقام التخاطب أي ان تماميّة مقدمات الحكمة واستظهار الإطلاق إنما يكون إذا لم يوجد قدر متيقّن في مقام التخاطب"، حتى ان بعضهم اعتبره مقدّمة خاصّة من المقدمات الثلاث أو مقدّمة رابعة. فمثلا للقدر المتيقن في مقام التخاطب: هل يجوز أكل الطريدة التي امسكها الكلب، فقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [1] ، السؤال في مقام جواز الاكل وعدمه، من ناحية الحليّة والحرمة لا من ناحية الطهارة والنجاسة. وهذا قدر متيقّن في مقام التخاطب.

والقدر المتيقن في مقام التخاطب له اشكال عديدة، تارة يكون بالسؤل، وتارة انا اعلم ان الطرف الأخر السائل أو الآمر مثلا: " إذا قال: ائتني بلحم " فرغبته في لحم الغنم. فإذا اتيت بلحم البقر لاطلاق في المقام ويمكن للآمر ان يعترض. هذه قرائن لبيّه معنويّة حاليّة.

الفرق بين الانصراف والتبادر:

الانصراف قد يتكل عليه المتكلّم أو الآمر عند أمره، ولا بأس بالتذكير بما ذكرناه سابقا في الفرق بين الانصراف والتبادر وكلاهما انسباق، فعندما اتلفظ بلفظ معيّن ينسبق الذهن إلى معنى، وهذا الإنسباق له حالات:

تارة ينسبق إلى نفس المفهوم، نفس تمام المعنى، فهذا التبادر، الذي هو من علامات الوضع، وهو العلامة الرئيسيّة يعني انه ارجع صحة الحمل وعدم صحته والإطراد إلى التبادر، ولا أقول انها العلامة الوحيدة كما اعتبرها البعض. ونحن قلنا ان صحة الحمل عمليّة تقنيّة تختلف مفهوما عن التبادر، لذلك التبادر شيء وصحّة الحمل شيء آخر.

فإذن إذا أطلق اللفظ وانسبق إلى معنى فهذا المعنى هو الموضوع له وهذا ما نسميّه التبادر.

أحيانا أخرى يطلق اللفظ وينسبق إلى بعض أفرادة من قبيل المثال الذي ذكرناه " إذا قال: ائتني بلحم " مراده لحم الغنم لان الآمر يحب لحم الغنم. فإذا اتيت بلحم البقر للأطلاق فهل يحق للآمر المؤاخذة لان المكلّف خالف القدر المتيقّن من التخاطب.

أو كمثل قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [2] ، " فاغسلوا وجوهكم " مطلق الغسل من الأعلى إلى الأسفل أو من اليمين إلى الشمال أو العكس. فباطلاق لفظ " اغسلوا " يكفي غسل الوجه كيفما كان.

فقد يقال ان المنصرف اليه هو من الأعلى إلى الأسفل. ولذلك نقول إذا كان انصرافا مستحكما، والمتكلّم اتكل على الفهم العرفي عند السامع أي يتكل على هذا الانصراف. فالغسل له حالتان: تارة من الأعلى إلى الأسفل، وتارة غير منتظم كيف ما كان. لذلك افتى بعضهم بجواز الغسل المنكوس لأنه اعتبر ان هذا الانصراف غير مستحكم.

ومثال آخر في الوضوء قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾، قالوا أن المنصرف للمسح هو بباطن الكف، فلو مسحت بظاهر الكف، هل يجزي ذلك؟ فيصدق عليه مسح لذلك بعضهم قال بالجواز. والذي قال بعدم الجواز انه هنا انصراف مستحكم بالمسح بظاهر الكف. هذا المسح الذي هو خلاف العادة واستظهرت ان المتكلّم اتكل عليه صار قيدا.

هنا يفترض ان نلاحظ ان المسح بظاهر الكف هل هو خلاف مراد المتكلم، او هو استهجان عرفي؟

إذا قلنا انه مجرّد استهجان عرفي لم يعد قيدا للمأمور به، بل هو في كيفيّة تحقيق المأمور به ويصل المراد بها.

فما هو عرفي وجزء من المأمور به بحيث يتكل عليه الآمر هذا قدر متيقّن في مقام التخاطب، إذا اتكل عليه الآمر صار قيدا، اما إذا كان مجرّد استهجان في كيفيّة الامتثال.

ما الفرق بين المراد وكيفيّة الامتثال: فرق بين المراد وكيفيّة تحقيق المراد. المراد من شؤون الآمر، اما كيفية تحقيقه فليست من شؤونه بل من شؤون المكلّف.

في كيفية تحقيق المراد قالو ان الآمر لا علاقة له بها إلا إذا نص على ذلك ويحق له ان يعيّن الكيفية، وحينئذ يصبح التحقيق جزءا من المراد.

الفرق بين التخطئة والاستهجان:

التخطئة هي ان لا يعتبر المكلّف ممتثلا، إذ لا ينطبق عليه مراد الآمر.

اما الاستهجان فينطبق عليه مراد الآمر، وقد تمّ مراده، إلا ان العرف يستهجن ويستغرب كيفيّة الامتثال، ولذلك يعتبر العرف المكلّف حينئذ غير حكيم. مثلا إذا قال الآمر: " امسح الطاولة " ومسحها المكلّف بظاهر كفّه، عدّ عند العرف ممتثلا لتحقق المأمور به ومراد المتكلّم، لكنه يعدّ الممتثل غير حكيم ويستهجن عمله.

الفرق بين الانصراف والتبادر: التبادر هو انسباق الذهن عند إطلاق اللفظ إلى المعنى الموضوع له.

الانصراف هو انسباق الذهن عند إطلاق اللفظ إلى بعض أفراده.

ومثاله ورد في الحديث: " لا تصلي فيما لا يأكل لحمه "، يسأل بأن الإنسان لا يؤكل لحمه فإذا وقع بعض شعر الآخرين علي، هل أستطيع أن أصلي فيه؟

الجواب: ان " لا تصلّ فيما لا يأكل لحمه " مطلقة تشمل حتى الإنسان، مع العلم ان لا أحد افتى بذلك، لأنهم قالوا ان هناك انصراف عن الإنسان فلا يشمله فيمكن الصلاة إذا وقع شعره على شخص آخر.

فقد يقال: ان " لا تصلي فيما لا يأكل لحمه " تشمل الانسان، بإطلاقها لا يجوز الصلاة في أجزائه؟

الانصراف على نوعين: تارة انصراف مستحكم له دخل في المراد نفسه ويمكن ان يكون أيضا للكيفية دخالة في نفس المراد، وأخرى انصراف غير مستحكم يكون مجرّد كيفية امتثال كما في مسألة المسح يتحقق بكل الطرف والكيفيات.

اما القدر المتيقّن من مقام التخاطب فهو قرينة على التقييد إذا وصل مرحلة الانصراف ولذا فهو من أقسامه ولا داعي لجعله مقدّمة خاصّة أو شرطا خاصا في مقدمات الحكمة كما فعل صاحب الكفاية (ره) وتبعه آخرون.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo