< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المطلق والمقيّد. مقدمات الحكمة.

     القدر المتيقّن في مقام التخاطب ليس عنوانا لمنع الظهور من الاطلاق، بل هو من افراد الانصراف، أي أحد أسبابه، فان كان مستحكما منع الاطلاق وإلا فلا.

     لا داعي لجعل القدر المتيقّن في مقام التخاطب عنوانا مستقلا.

     أسباب حصول هذا القدر المتيقّن عديدة، منها: كونه مورد السؤال، ومنها: كونه مورد النزول، ومنها: كونه المخصص فيه غالبا، وغيرها.

ملخص الدرس السابق: نكمل الكلام في المقدّمة الثالثة وهي عدم البيان، وقلنا ان القيد قد يكون لفظيا كما في قولنا: " أعتق رقبة مؤمنة " وقد يكون القيد لبيا معنويا حاليا كالإشارة، ومنه الاتكال على الانصراف العرفي، وذكرنا امس الفرق بين الانصراف والتبادر، فإذا حصل الانصراف فلا يكون متعلّق الحكم مطلقا لان المتكلّم يكون متكلا على ما سيفهمه السامع.

ومن جملة أسباب الانصراف القدر المتيقّن في مقام التخاطب. والجدير بالقول انه لا داعي لجعله مقدّمة خاصّة أو شرطا خاصا في حصول الاطلاق، القدر المتيقن هو أحد أسباب الانصراف، وصاحب الكفاية (ره) جعل عدم وجود قدر متيقّن في مقام التخاطب شرطا في حصول الاطلاق، ودرج عليه كثيرون حتى ان بعضهم اعتبره من مقدّمات الحكمة.

وللقدر المتيقّن موارد:

منها: ما لو كان مورد السؤال: فغالبا ما يكون السؤال مقيّدا للجواب.

ومنها: موارد نزول الآيات، مثلا آية الخمس، حيث استدل بعض المسلمين على كون الخمس محصورا بغنائم الحرب بانها نزلت في سورة الأنفال، فتوهم الكثيرون كأبناء العامّة ان الخمس خاص بغنائم الحرب، نعم إذا كان هذا الورود يؤدي إلى تقييد المطلق لأنه بيان ويكون كقرينة لبيّة حاليّة على ان المراد من ﴿ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ خصوص غنائم الحرب، للظهور الموجود يصح ذلك.

لكن الجواب: ان المورد لا يخصص الوارد، ويبقى لفظ الغنيمة في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [1] مطلق الغنيمة الشامل لغنائم الحرب والكنز والغوص والتجارة وغيرها. وكذلك الامر في خبر الواحد، قوله تعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [2] نزلت في الوليد بن المغيرة بن ابي معيط، فنزلت في شخص، وهنا المورد لم يخصص الوارد، وأحيان نقول بانه يخصص الوارد إن كان ظاهرا في ذلك. إذن الظهور هو الحجّة، فهذه قرائن قد تؤدي إلى تخصيص وتقييد للخواص، فيكون القدر المتيقن في مقام التخاطب سببا لمنع الظهور.

ومنها: ما كان المتعلّق شبه منحصر فيه، كما لو قلت لك: " ائتني بماء " وانا قرب نهر الفرات، فكأني قلت: " ائتني بماء الفرات ". وهذا يمكن ان يؤدي إلى القدر المتيقن في مقام التخاطب.

ومنها: ما كان في البين حكم عقلي ارتكازي يمكن أن يتّكل عليه المتكلّم، كما في قول رسول الله (ص) الذي رواه أبو بكر: لا يجوز أحد الصراط إلا بصك من علي. المخصص برسول الله (ص) عقلا.

وغير ذلك مما نتصوره من قيود لبيّة وحاليّة، ويجمع الجميع هنا الانصراف المستحكم فإن تمّ التقييد، وإلا فلا، لان العرف والناس وأهل اللغة يتكلون على ما ينصرف اليه الكلام إذا كان مستحكما، اما مع مجرّد الخطور البدوي فلا يكون انصرافا معتبرا يتكل عليه الناس في فهم المراد، وكما ذكرنا في قوله تعالى: ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [3] فالمسح سواء كان في باطن الكف أو بظاهره فهو مسح، نعم ينصرف بدوا إلى باطن الكف.

وذكرنا أمس الفرق بين الاستهجان وبين الخطأ والفرق بين المأمور به وبين كيفيّة امتثاله

بقي مسألة: لو ورد مطلق ومقيّد:

هذه النقطة محل ابتلاء كثير ومهمة جدا، لكثرة وجود المطلق والمقيّد في النصوص والروايات.

لو ورد مطلق ومقيّد على موضوع واحد، مثلا: " أعتق رقبة " ثم ورد " أعتق رقبة مؤمنة " فهل يحمل المطلق على المقيّد؟ أو يحمل على فرد أكمل، أو فرد مميّز؟ من قبيل عطف الخاص على العام، مع ان العطف يقتضي المغايرة، مثلا: في العطف أقول: " أكرم العلماء وزيدا " مع العلم ان زيد هو أحد العلماء. لماذا حددت وعطفت على العلماء زيدا وهو أحد العلماء؟ الجواب: إما لكونه أفضل الافراد، أو لكونه مهمشا، أو لكونه منسيا، أو لكون عدوا لك فيتوهم عدم الرغبة في اكرامه، الأسباب عديدة.

فأحيانا يأتي نفس حكم العام على الخاص في نص آخر لغايات عقلائيّة، فلا يكون لغوا.

السؤال هل يحمل المطلق على المقيّد أولا؟

ما معنى حمل المطلق على المقيّد: المراد من الحمل ان يكون المراد الجدي وليس الاستعمالي من المطلق هو خصوص المقيّد، ويكون التقييد تفسيرا للمطلق، وبيانا للمراد. فكأنه لا يوجد سوى أمر وأحد وهو المقيّد، أما الأمر بالمطلق فيكون توطئة له، ويكون لهذا النوع من الاستعمال ثمار منها جواز التمسك بالعام.

وها هنا ثلاث صور: تارة يكون متعلّق الأمر هو مطلق الوجود، بمعنى ثبوت الإطلاق، وحينئذ لا يحمل المطلق على المقيّد، بل يحمل المقيّد على أنه أفضل الأفراد أو أخس الأفراد الذي يأتي في النهي أو غيرهما، مثلا: " لا تشرب اللبن " ثم قلت: "لا تشرب اللبن الحامض". وهذا ينفع في انه نحمل على أفضل الأفراد إذا كان المطلق والمقيّد متوافقين، وقالوا حتى بالتخالف يحمل المطلق على المقيّد وعلى اخس الافراد في النهي.

وأيضا مثال آخر: ما درسنا أمس في درس الفقه من الروايات الكثيرة المستفيضة على كون الزوجين يتوارثان لو مات أحدهما في العدّة الرجعيّة، الشامل لطلاق الصحيح والمريض. ثم وردت صحيحة الحلبي من انها ترثه ولا يرثها في خصوص طلاق المريض، وهذه تنافي الاطلاقات المذكورة. وقال الفقهاء إنها لكثرة الإطلاقات وشذوذ من قال بغير مضمونها لا بد من الأخذ بالإطلاق، وحينئذ ماذا نفعل بصحيحة الحلبي؟

فإما أن نعرض عنها لاستحكام التعارض بين المطلق والمقيّد، وإما نحملها على كراهة إرثه منها، أو بحملها على الطلاق البائن، أي حاول الفقهاء تخريج الصحيحة بعد أن ثبتوا إطلاق المطلق.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo