< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المطلق والمقيّد. لو ورد مطلق مقيّد.

     إذا توافق المطلق والمقيّد في الإيجاب والسلب فوجهان: إما حمل المطلق على المقيّد، وإما حمل المقيّد على أميز الأفراد.

     وجه حمل المطلق على المقيّد هو كون القيد صالحا للقرينة فيقدّم من باب تقديم القرينة على ذيها.

قلنا ان المطلق والمقيّد إذا كانا مختلفين، تسالموا فيه على انه حمل المطلق على المقيّد، ونكرر ان هذا الحمل مع عدم القرائن.

الصورة الثانية: إذا توافق المطلق والمقيّد من حيث الإيجاب والسلب. مع التذكير بان الكلام مع وحدة التكليف [1] ، فها هنا احتمالات: ومثال على ذلك: " ما عبد الله بشيء اشد من المشي ولا أفضل " المراد مطلق المشي، ثم ورد " ما عبد الله بشيء اشد من المشي إلى بيته " قيّد المشي إلى بيت الله الحرام، هل " إلى بيته " مقيّد للأول؟ الحرّ العاملي (ره) قال ان المراد من المشي في الأولى المشي إلى بيت الله الحرام، وليس مطلق المشي، وجعل الرواية المطلقة تحت عنوان في استحباب المشي إلى بيت الله الحرام.

نقول: هذا رأيه، لكن ومن دون قصد وجّه المطالع والباحث إلى ان الرواية المطلقة خاصّة بالحج.

والجواب الصحيح أن هذا مطلق ومقيّد وهما ايجابيان، والقول الواسع في الإيجابيين هو حمل المقيّد على أميز الأفراد.

فمع توافق المطلق والمقيّد من حيث الإيجاب والسلب. فإما أن يحمل المطلق على المقيّد، وإما ان يحمل المقيّد على الفرد المميّز ويبقى المطلق على اطلاقه، ويدور الأمر بين الظهورين، اما الظهور في الاطلاق أو الظهور في الوجوب التعييني، ولا بد من رفع أحدهما لوجود التنافي بين المطلق والمقيّد.

وجه حمل المطلق على المقيّد: كما لو ورد: " المشي عبادة " ثم ورد " المشي إلى بيت الله الحرام عبادة " أو في الأوامر: " اشرب لبنا " ثم ورد: " اشرب لبنا حامضا "، فالأول مطلق، والثاني مقيّد. ومعنى حمل المطلق على المقيّد هو ان المقيّد يبيّن المطلق ويفسّره وان المراد منه هو المقيّد، وعليه يرتفع التنافي بينهما، بان يقال إن المراد من المشي في الأول ليس مطلق المشي، بل خصوص المشي إلى بيته.

ووجهه: إن ظهور القرينة مقدّم على ظهور ذي القرينة، والقرينة هنا هي المقيّد، وهي ظاهرة في التعييني، وأيضا لوازم القرينة مقدّمة على ذي القرينة، إذا قلت: " أشرب لبنا حامضا "، فالمكلّف ليس مخيّرا عقلا بين أفراد اللبن، بل هو ظاهر في التعيين فلا يكفي الحلو منه. وهذا التعيين ينافي إطلاق الأول " اشرب لبنا "، فيتنافى ظهور القرينة في التعيين مع ظهور ذي القرينة في الاطلاق، فإن من الواضح ان الاطلاق يتنافى مع التعييني لا مع التخييري.

ويمكن ان يجاب: إننا لا نسلّم بتقديم ظهور القرينة على ظهور ذيها دائما، بل هو كذلك لو كانا من سنخ واحد، اما لو كانا من سنخين فيقّد الأقوى. فانه ليس مجرّد انه قرينة قدمناها، نعم لو تساويا فلا شك في تقديم القرينة ولوازمها على ذي القرينة.

وهنا نتساءل: هل الظهور في التعيين أقوى من الظهور في الاطلاق؟ [2]

لو تساويا لقدّمنا الظهور في التعيين على الظهور في الاطلاق تقديما لظهور القرينة على ظهور ذيها، من باب تقديم لوازم الحاكم على لوازم المحكوم، أو لوازم السبب على لوازم المسبب.

مثلا: " إن تصوموا خير لكم " ثم قال: " صم النصف من شعبان " هذا معيّن بالنصف من شعبان، ومعنى التعييني انه هو المطلوب دون غيره، وهذا التعيين "دون غيره" ليس موجودا لا في النص ولا في الصيغة، فقد فهم الوجوب التعييني من الاطلاق، ولذلك قالوا انه إذا دار الأمر بين التعييني والتخييري فالأصل التعييني وكما ذكر صاحب الكفاية (ره) ان الأصل في الوجوب العيني، التعييني، النفسي. وذلك بالإطلاق وليس بالوضع.

لكن نقول: إن الظهور في الاطلاق أقوى، ويؤيده أمور:

منها: أن البعض ظن أن الاطلاق مأخوذ في الموضوع له لفظ المطلق، فلقوّة ظهوره جعل الاطلاق جزءا من الموضوع له، فادّعي وضع لفظ " رجل " لمطلق الرجل، وفي المقابل لم يدع أحد أن التعيين مأخوذ في الموضوع له صيغة افعل، أي الوجوب، لذلك قالوا انه إذا دار الامر بين التخييري والتعييني فالأصل العييني بمقدمات الحكمة، وما ذاك إلا لقوّة ظهور المطلق في الاطلاق حتى توّهم أنه دخيل في الموضوع.

ومنها: أن الظهور في الاطلاق ليس من باب عدم التقييد، أي ليس أمرا عدميا، بل هو أمر وجودي، أي يظهر فيه اللفظ من دون الحاجة إلى أصالة العدم، فالظهور يتساوق مع عدم القرينة ولا يكون مسببا عن عدم القرينة. أما التعييني فيحتاج إلى ذلك، لان التخييري يحتاج إلى قيد " أو " أي " اشرب لبنا حامضا أو غيره " ولذا أشكل بعضهم بأن التعيين يحتاج إلى قيد أيضا، أي هو دون غيره، وهذا قيد يحتاج إلى دليل، فأصالة عدم القيد تؤدي إلى التعييني.

وأيضا من قال بالتخييري قال ان التخييري هو " صلِّ " أو " صم "، فـ " أو " قيد زائد يحتاج إلى دليل.

لذلك ذهب بعضهم إلى القول ان الأصل هو التعييني وكما ذهب البعض الاخر إلى انه هو التخييري.

ونحن إذا رجعنا إلى القيد نقول: لا، الظهور لا علاقة له بأصالة عدم القيد، وهذا خطأ كبير، الظهور أمر وجودي.

 


[1] إيضاح: كيف نفهم التكليفين؟ فإما من تعدد السبب او من القرائن الخارجيّة او من تعدد الأسباب والمسببات. قد يكون هناك تعدد ولكن هناك تكليف واحد، مثلا في الغسل: " إذا اجنبت فاغتسل وإذا مسست الميت فاغتسل " يعدد السبب يقتضي تعدد المسبب، ويقتضي تعدد الامتثال، لكن ورد عندنا ان غسلا واحدا كاف. فمع تعدد السبب للغسل مع ذلك هناك تكليف واحد وامتثال واحد.
[2] قالوا: انه إذا الظهور سببه الوضع فهو اقوى من الظهور الذي سببه الاطلاق ومقدّمات الحكمة، لانه بالوضع يكون قرينة. فالظهور كلي مشكك وله أسبابه، وبحسب الأسباب يكون اقوى أو اقل ظهورا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo