< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/07/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المطلق والمقيّد. لو ورد مطلق مقيّد.

     في الوضعيات: غالب القيود والاستثناءات تأتي لبيان شروط الصحّة، والجزئية، وغير ذلك، ولذا تحمل على ذلك، ولذا حملوا " لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه " على المانعيّة، وكذا نهى النبي عن بيع الغرر.

     ما الفرق بين " لا تبع الخمر " و " لا تبع الميتة ".

وصلنا إلى نتيجة ان الأصل هو التطابق بين المراد الاستعمالي والمراد الجدّي. ونتيجة ما بحثنا انه لو ورد مطلق ومقيّد فان كانا متنافيين في السلب والإيجاب فيحمل المطلق على المقيّد، وان كانا متوافقين في السلب والإيجاب اختلف الاصحاب، بعضهم ذهب إلى حمل المطلق على المقيّد، وبعضهم ذهب إلى حمل المقيّد على كونه أفضل الأفراد، وهذا ما ذهبنا اليه انه عند عدم التنافي نحمل على أميز الأفراد. هذا كلّه في التكليفيات.

أما في الوضعيات ذكرنا أمس الفرق بين الوضعيات والتكليفيات.

اما في الوضعيات: وهو انشاء وضع معيّن بجعل من دون دفع أو تكليف، كما لو ورد مطلق، ثم ورد مقيّد له، وكان المقيّد حكما وضعيا، فالمعروف بين الاصحاب انه يحمل المطلق على المقيّد سواء كانا متخالفين في السلب والإيجاب أو متوافقين، بمعنى جعل القيد بيانا لمانعيّة أو شرطية أو جزئية أو رافعيّة أو صحّة أو فساد، مثلا: لو قال: " صلّ " ثم جاء القيد: " لا تصلّ في النجس "، فإذا كان النهي تكليفيا رجعنا إلى انهما إذا كانا متخالفين يحمل المطلق على المقيّد، وان كانا متوافقين برأينا يحمل على اميز الافراد.

وإذا علمنا من القرائن أن النهي هو إرشادي وضعي يبيّن جزئية أو شرطيّة، فحينئذ يحمل على مانعيّة الصلاة في النجس لصحة الصلاة، ويقيّد إطلاق الأمر بالصلاة بعدم كونه في النجس، وكأنه قال: "صلّ بغير النجس".

في الوضعيات يجب ان نفهم انه ارشادي وليس تكليفيا، في كتابنا وسيلة المتفقهين ذكرت بحثا كاملا عن ذلك.

الفرق بين " لا تبع الميتة " و " لا تبع الخمر ": عندما يقال: " لا تبع الميتة " هذا دليل على ان الميتة بيعها باطل والمال سحت، لكن السؤال هل تدل أيضا على حرمة بيع الميتة وأنك اثمت؟ هل هناك تحريم تكليفي؟ اما في مثال: " لا تبع الخمر " بيع الخمر فيه اثم وهو بيع باطل أيضا.

هذا ما يجب ان نفهمه من قرائن خارجيّة، مثل: " لعن الله بائعها "، وإلا فالصيغة واحدة.

إذن في الوضعيات إذا كان القيد ارشاديا دل على انه جزء أو شرط أو مانع وغير ذلك، يحمل المطلق على المقيّد ويكون بمعنى انه بيان للشرطية أو الجزئية أو الرافعية أو المانعيّة أو الصحة أو البطلان وكل ما يمكن تصوره من المجعولات الوضعيّة. ففي المثال السابق كأنه قال: "صلّ بغير النجس".

اما القرائن على كون الأمر بالمقيّد إرشاديا لا مولويا:

يعرف ذلك من الظهورات [1] . وذلك لان الظهور قد يكون مرتبطا بقواعد عامّة عقلائية، وقد يكون ناشئا عن أمور خارجيّة لا حصر لها كالإشارة أو حركة اليد أو العين وغير ذلك مما يدل على الاستفهام الانكاري أو الحقيقي مثلا، وغير ذلك.

بشكل عام القرائن على نوعين:

إما قرائن خاصّة، كما لو قال المولى: " أعد الصلاة " في جواب من سأله عن صحة الصلاة بالنجس. الإعادة تدل على ارشاد إلى عدم كونها في النجس، وهذا نص صريح على ان الحكم وضعي دلّ على البطلان.

واما قرائن عامّة، حيث إن الأوامر المتعلقة بالقيود والاستثناءات في العبادات والمعاملات غالبا ما تكون إرشاديّة لبيان الجزئية أو الشرطيّة أو المانعيّة. فتكون بيانا للحكم الوضعي وليس للتكليفي. لذلك في حال هذه الاستثناءات في المعاملات في الوضعيات نحمل المطلق على المقيّد دائما إلا إذا وجدت قرائن على الخلاف.

توضيح: إذا قلت: " اقيموا الصلاة " ثم قلت: " لا تصلِّ في النجس " هذا قيد واستثناء. هنا قد يقال ان " اقيموا الصلاة " مطلق و " لا تصلِّ في النجس " بيان لأخسّ الأفراد فيبقى المطلق على اطلاقه فتكون الصلاة صحيحة مع النجس.

قد يقال هذا مثله مثل: " اقيموا الصلاة " وورد " لا تصلِّ في الحمام أو في معاطن الإبل " أخس الأفراد. فما الفرق بينهما، لماذا يحمل المطلق على المقيّد في الأول دون الثاني؟

متى نقول يبقى المطلق على اطلاقه وتكون الصلاة صحيحة ونحمل القيد على أفضل الأفراد؟

ومتى نقول ان القيد قيد وشرط فنحمل المطلق على المقيّد؟

ما الفرق بين " لا تصلِّ في النجس " وبين " لا تصلِّ في الحمام "، لماذا كانت الاولى شرط صحّة وحملنا المطلق على المقيّد وجعلناه شرطا، بينما في الثاني جعلناه أخس الأفراد؟

الفرق هو التالي: أنه عندما أفهم من قرائن أخرى متعددة انه تكليفي حملناه على أميز الافراد، أما إذا فهمنا انه وضعي صار شرطا وحملنا المطلق على المقيّد، بمعنى اننا قيدنا المطلق. أي أن المسألة خاضعة للقرائن.

النتيجة: في التكليفيات نحمل المطلق على المقيّد إذا كانا متخالفين، وإذا كانا متوافقين نحمله على اميز الأفراد، لكن في الوضعيات ولان غالب الاستثناءات والقيود تأتي إرشادية إلى الشرطيّة المانعيّة أو الجزئية، فنحملها على مانعية أو شرطيّة للصحة، وبذلك يحمل المطلق على المقيّد.

قد يقال: هل الغالبيّة دليل؟

يجاب: الغالبيّة ليست دليلا إلا إذا أدّت إلى ظهور في ذلك، وليس ببعيد.

ونذكر: بصيغة الأمر " افعل " الشريف المرتضى (ره) قال انها موضوعة للوجوب والاستحباب، مشترك لفظي بقرينة الاستعمال.

وبعضهم قال انها موضوعة للاستحباب وليست ظاهرة في الوجوب، لانها مستعملة غالبا أو الأكثر استعمالها في المستحبات ودليلهم على ذلك استعراض الروايات. ولذلك ذهب بعضهم إلى التفصيل بين الشرع والعرف، في العرف صيغة " افعل " ظاهرة في الوجوب، اما في الشرع ولان أكثر استعمالاتها في الاستحباب فهي ظاهرة في الاستحباب وليس في الوجوب. وبعضهم قال أيضا انها تبقى مجملة، كل هذه الآراء منشؤها كثرة الاستعمال، او غالبيّة الاستعمال.

اجابوهم على كل ذلك بان الغالبيّة ليست دليلا على الظهور ولا على الوضع، ويمكن ان تكون مؤيدا، وهنا في مسألتنا نفس الكلام، قد يقال ان غالبية القيود والاستثناءات تأتي لبيان الشرطيّة، جوابنا ان الغالبية ليست دليلا إلا إذا ادّت إلى ظهور، والظهور عهدته على مدّعيه.

النتيجة: ان الأصل في القيود والاستثناءات ان تكون بيانا لحكم وضعي في الصحة والشرطية والمانعيّة، ولذلك: في المعاملات حملوا قوله (ع): " نهي النبي (ص) عن بيع الغرر "، على كونه نهيا إرشاديا إلى مانعيّة الغرر لصحة البيع، فيحمل المطلق " أحلَّ البيع " على المقيّد.

وكذا في العبادات: " لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه " إرشاد إلى مانعيّة لبس ما لا يؤكل لحمه في الصلاة. وكذا في مبطلات الصوم وهكذا. ولا مانع من كون " لا تصلّ " نهيا مولويا، لكنه غير ظاهر في ذلك، بل الظاهر هو الإرشاد، وليس ببعيد.

إلى هنا نقول انه لا يبعد أن تكون القيود في الوضعيات بيانا لحمل المطلق على المقيّد فيكون ارشادا للجزئية والمانعيّة إلا ما قام بدليل.

المطلب القادم: في هل تجري قواعد المطلق والمقيّد في الواجبات كما تجري في المستحبات؟

وهل من فرق بين الواجبات والمستحبات؟


[1] من الطرائف ان الشيخ حسين الحلّي (ره) وكان عالما جليلا فقيها سئل ذات مرّة عن علامات الظهور، وهل للظهور علامات كما بحثوا في علامات الحقيقة؟ فأجابهم بجواب معبّر وطريف" ان يحلف بالعباس (رع).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo