< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المطلق والمقيّد. هل تجري قواعد المطلق والمقيّد في الواجبات كما تجري في المستحبات؟

     وجوب الفرق بين الواجبات والمستحبات.

     الوجه الأول ما ذكره صاحب الكفاية من ان الواجب له مرتبة واحدة وهي الالزام، بخلاف المستحب الذي له مراتب عديدة، مما ادّى إلى غلبة الاستعمال في المستحب، والغفلة تؤدي إلى ظهور في كون المقيّد افضل الأفراد.

     ايراد السيد الخوئي عليه: ان الغلبة لا تؤدي إلى ظهور، ولو كانت كذلك لأدّت إلى ظهور الأمر في الاستحباب لغلبة الاستعمال فيه، مع انه ليس كذلك، بل ظاهر في الوجوب.

هل تجري قواعد المطلق والمقيّد في الواجبات كما تجري في المستحبات؟

وهل من فرق بين الواجبات والمستحبات؟

المشهور انه في المستحبات لا يحمل المطلق على المقيّد في المتوافقين بل حتى في المتخالفين.

حتى من قال بحمل المطلق على المقيّد في المتوافقين لم يقل به في الواجبات.

فما هو الفرق؟ رغم انهما في الميزان اللغوي مشتركان، فهما يشتركان في الطلب والعموم والاطلاق والتقييد والخصوص وجميع ما ذكر لها من أسباب وخصوصيات.

ففي مثال المشي وعباديته ورد مطلق ومقيّد، فورد: ما عبد الله بشيء اشد من المشي ولا أفضل. وهذا هو المطلق. وورد أيضا: ما عبد الله بشيء اشد من المشي إلى بيته. فهل نحمل المطلق على المقيّد؟ فيكون المراد الجدي من المشي في الحديث الأول هو خصوص المشي إلى بيته، أي نحمل المطلق على المقيّد، كما فعل الحرّ العاملي في وسائله ولم أجد من لم يتبعه، أو أن نعتبره أفضل الافراد ويبقى المطلق على إطلاقه؟ لأن الأفراد فيها الملاك على نحو الكلي المشكك، وذكرنا ان كثرة الافراد توهن التخصيص والتقييد ويبقى ظهور المطلق في اطلاقه بقوّة.

المفروض أن تكون الواجبات كالمستحبات، فإن القوانين اللغوية والعرفيّة واحدة، وما ذكر هناك يذكر هنا.

إذن لماذا ذهب المشهور في المستحبات إلى بقاء المطلق على إطلاقه دون الواجبات وما الفرق بينهما؟

وجوه: أولها: ما ذكره صاحب الكفاية (ره) حيث ذكر أن الوجوب له مرتبة واحدة وهي الإلزام، واما الاستحباب فغالبا ما يكون له مراتب متعددة، إذ الملاك فيها بنحو الكلي المشكك، فتختلف قوّة وضعفا، فالرجحان له مراتب تبدأ من 51 بالمائة وتنتهي بـ 99 بالمائة. وهذه الغلبة تؤدي إلى ظهور في كون المقيّد أفضل الأفراد.

يقول (ره): وربما يشكل بانه يقتضي التقييد في باب المستحبات، مع ان بناء المشهور على حمل الأمر بالمقيّد على تأكد الاستحباب، للهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبيّة، فتأمل. [1]

إنه يدعو (ره) إلى التأمل [2] .

ولعلّ وجه التأمل كما ذكره المشكيني (ره) في حاشيته على الكفاية أن إثباته دوري، لان عمل المشهور وهو تقديم المطلق موقوف على ضعف ظهور المقيّد في التعييني، - حيث ذكرنا سابقا أن المشكلة في المقيّد والمطلق انهما متنافيان وكيف ارفع هذا التنافي، فان المقيّد ظاهر في التعييني والمطلق ظاهر في الشمول أي تخييري لان انطباق الكلي على أفراده بالتخيير العقلي، فكيف ارفع هذا التنافي؟ - وهذا الضعف موقوف على إحراز الغلبة، وهذا الإحراز موقوف على عملهم. وبعبارة أخرى: إن عملهم موقوف على عملهم.

وانا أورد على هذا الكلام: بان احراز الغلبة ليس موقوفا على عملهم، بل يمكن إحرازه من ادّلة اخرى

وأورد السيد الخوئي (ره) على هذا الوجه من صاحب الكفاية بان للاستحباب مراتب متعددة فيحمل على تأكد الاستحباب، بقوله في المحاضرات: ويرد عليه أن مجرد الغلبة لا يوجب (الظهور في تأكد الاستحباب وحمل المطلق على المقيّد) ذلك، بعد ما افترض ان دليل المقيّد قرينة عرفية على تعيين المراد من المطلق، ضرورة أن الغلبة ليست على نحو تمنع عن ظهور دليل المقيد في ذلك. ومن هنا ذكر (قده) وغيره أن غلبة استعمال الأمر في الندب (إذا لا حظنا الروايات فان أكثر استعمالات " أفعل " يراد منها الاستحباب، ومع ذلك قالوا ان لفظ " افعل " ظاهر في الوجوب.

فإذا كانت الغلبة تؤدي إلى ظهور فلماذا صيغة أفعل لا تؤدي إلى ظهور في الاستحباب أيضا؟!

كلام السيد الخوئي: لا تمنع عن ظهوره في الوجوب عند الإطلاق ورفع اليد عنه، والحاصل أن الظهور متّبع ما لم تقم قرينة على خلافه ولا قرينة في المقام على خلاف ظهور دليل المقيد في تعيين المراد من المطلق، والغلبة لا تصلح أن تكون قرينة على ذلك. [3]

 


[2] التعبيرات عند الأصوليين المتأخرين لها رمزيّة ومعنى، فكلمة تأمل مثلا تعني انه هناك اشكال في نفسي يحتاج للتفكير. اما كلمة فافهم تعني ان هناك اشكال مردودا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo