الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الأصول
43/07/15
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: المطلق والمقيّد. هل تجري قواعد المطلق والمقيّد في الواجبات كما تجري في المستحبات؟
• مع الآية الكريمة: " قم الليل إلا قليلا ".
• اعرابها: اما منصوب على الظرفيّة، وإما مفعول به توسعا مثل: دخلت الدار.
• القيام يحمل على مطلق القيام، وليس على صلاة الليل الخاصة.
• الامر بالقيام يشمل كل الليل، فيمكن التعبد به والاستدلال على كون صلاة الليل تصح من اوله.
• الآية يحتمل كونها خاصة برسول الله (ص) ويقرّبه التوصيف " يا أيها المزمل "، ويحتمل عدمها لكل المكلفين لآية الاسوة الحسنة، وهو الأقوى، إذ الأصل عدم الاختصاص بالرسول (ص).
• استعراض رواية فنون الحرب الناعمة من قبل زعماء قريش الكفار ضد رسول الله (ص) والتعليق عليها.
ومع الآية الكريمة: ﴿قم الليل إلا قليلا﴾ [1] والبحث فيها في نقطتين:
الأولى: في إعراب كلمة " الليل "، إما ان تكون ظرفا، أي منصوبة على الظرفيّة مفعولا فيه أي اجعل قيامك اثناء الليل، فحينئذ لا دلالة فيها على خصوص صلاة الليل، بل التكليف هو القيام والعبادة مطلقا، والتفسير بصلاة الليل يحتاج إلى دليل خاص وإن اشتهر حمل الصلاة على صلاة الليل. فالآية ليست في مقام التشريع ولا تدل على بدء صلاة الليل.
وإما ان تكون مفعولا به لمضاف محذوف تقديره: " قم صلاة الليل " فالفعل " قام " فعل لازم لا يحتاج إلى مفعول به، قالوا من باب التوسع في الأفعال اللازمة فجعلوا لها مفعولا به أي وقع عليه الفعل " قم إلى صلاة الليل "، على غرار " دخلت الدار " حيث إن دخل فعل لازم يتعدى بحرف جر.
إذن الآية لا نستطيع ان نأخذ منها وقت البداية لصلاة الليل، إلا ان يقال: ان القيام مطلق فبداية صلاة النوافل من بداية الليل، فبمجرّد صدق كلمة " ليل " بدء التكليف بالقيام.
وصلاة النوافل عبادة لا تكون بدعة مخترعة بل تكون بحسب ما ثبت شرعا، وثبت منها صلاة الوتيرة وصلاة الليل وغيرها في بعض الليالي والايام، وفي صلاة الليل يكفي عدم اشتراط انتصاف الليل حتى نقول أن بدايتها من أول الليل كما في النوافل، فيمكن امتثال الآية بها.
الثانية: هل هي خاصّة برسول الله (ص)؟ وجه الخصوص هو توجيه الخطاب لرسول الله (ص): " يا أيها المزمّل "، والخطاب بوصف خاص يشعر بالتخصيص بنفس الرسول (ص)، من قبيل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [2] التوصيف فيه تخصيص فليس وليكم كل من قام بالصلاة وآتى الزكاة وهو راكع مطلقا بل وردت في علي امير المؤمنين (ع) خاصّة. إذ لا مدخلية في التصدق وثوابه الاتيان به وهو راكع، وواضح ان المراد وصف واقعة وحالة خاصّة، وهو خصوص حالة تصدّق امير المؤمنين (ع).
لكن نقول في وجه عدم اختصاص آية ﴿قم الليل إلا قليلا﴾ [3] بالنبي (ص) قوله تعالى أيضا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [4] فيها عموم واختصاص الحكم بالرسول هو الذي يحتاج إلى دليل وليس العكس، وهو الاشتراك مع المؤمنين والبشر بشكل عام.
ولا بأس بذكر رواية في مورد الآية ذكرت في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي (ره) ج20، ص70، تحت عنوان بحث روائي. وانا اذكر هذه الرواية لان فيها إشارة ومسألة تبليغية مهمّة جدا، ونحن كمبلغين كيف ينبغي ان نتصرف. [5]
ذكر في الدر المنثور: اخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال: اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسما يصدر الناس عنه [6] فقالوا: كاهن. قالوا ليس بكاهن. قالوا: مجنون. قالوا: ليس بمجنون. قالوا ساحر. قالوا: ليس بساحر. قالوا: " يفرق بين الحبيب وحبيبه " [7] ، فتفرق المشركون على ذلك.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل فقال: يا أيها المزمل يا أيها المدثر.
أقول (الطباطبائي): آخر الرواية لا يخلو من شيء حيث إن ظاهرها نزول السورتين معا. على أن القرآن حتى في سورة المدثر يحكي تسميتهم له صلى الله عليه وآله وسلم بألقاب السوء كالكاهن والساحر والمجنون والشاعر ولم يذكر فيها قولهم: يفرق بين الحبيب وحبيبه.
الطباطبائي يعني بهذه الالتفاتة ان الرواية يمكن ان لا تكون صحيحة. وانا اعلّق على ذلك:
تعليق على ذلك: أحيانا انت لا تذكر الشيء او الحادثة لأمرين: اما لعدم الصحة.
أو لأنه إذا ذكرته تكون قد روّجت لما ارادوه، ولو كان ذكرك لذلك عن مزاح [8] ، انا اعتقد ان عدم ذكر القرآن لما نشروه عنه (ص) انه " يفرّق بين الحبيب وحبيبه " حتى لا تنتشر هذه الفكرة، ولا يروّج لها، إذ البسطاء لا يفرّقون بين كون النبي (ص) سببا ومريدا للتفريق بين الحبيب وحبيبه كزوجة اسلمت دون زوجها، أو ولد دون ابيه، أو أخ دون أخيه، أو صديق دون صديقه، وبين ان لا يكون كذلك، وإنما يحصل التفريق نتيجة لعنادهم وأذيتهم لأهل الحق. أحيانا السكوت عن الشيء أفضل من بيانه والرد عليه.