< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المطلق والمقيّد. الصورة الثانية أن يكون دليل المقيد مخالفا لدليل المطلق في الحكم.

     الوجه الثاني الذي ذكره السيد الخوئي (ره) في الفرق بين الواجبات والمستحبات هو ظهور المخالف في كونه مانعا.

     عدم التسليم بهذا الظهور في غير الالزاميات، ويمكن رفع التنافي بالحمل على أخس الأفراد. يدور الأمر بين رفع اليد عن إطلاق المطلق، وبين رفع اليد عن ظهور القيد في التعيين.

     ظهور المطلق في إطلاقه أقوى ويؤيده ذهاب بعضهم إلى كون اللفظ موضوع للماهية المطلقة، ولم يدّع احد ابدا ظهور اللفظ في التعيين.

 

إذن النتيجة: مبدأ صلاة الليل هو أوله، ومنتصف الليل أفضل، فانتصاف الليل قيد بين الأفضليّة لا الشرطيّة.

ونعود إلى مسألتنا الاصوليّة: ما الفرق بين الواجبات والمستحبات:

قلنا ان هذا تطبيق للصورة الأولى التي ذكرها السيد الخوئي (ره) في الفرق بين المطلق والمقيّد في المستحبات والواجبات، وذكر صاحب الكفاية (ره) وجهان في الفرق بين المستحب والواجب، الأول: وان للمستحب مراتب ولذلك يحمل على اميز الافراد، الثاني: ان الأساس في المستحبات هو التسامح في السنن، وفهم السيد الخوئي بانها قاعدة التسامح في ادلّة السنن، وعلّقنا على ذلك وقلنا ان السنن ليست مبنية على التسامح بل مبنية على الملاكات.

وذكر السيد الخوئي (ره) وجها ثالثا بان المطلق والمقيّد في المستحبات لا يخلو من أربع صور، وذكر الصورة الأولى وطبقنا عليها صلاة الليل.

الصورة الثانية في الفرق بين المستحبات والواجبات، يقول السيد (ره) في المحاضرات:

الثاني: أن يكون دليل المقيد مخالفا لدليل المطلق في الحكم فإذا دلّ دليل على استحباب الإقامة مثلا في الصلاة ثم ورد في دليل آخر النهي عنها في مواضع كالإقامة في حال الحدث أو حال الجلوس أو ما شاكل ذلك، ففي مثل ذلك لا مناص من حمل المطلق على المقيّد، والوجه فيه ما ذكرناه غير مرّة من أن النواهي الواردة في باب العبادات والمعاملات ظاهرة في الإرشاد إلى المانعية، وان الحدث أو الجلوس مانع عن الإقامة المأمور بها (أي ان النهي في العبادات والمعاملات ظاهر في قبيل المانعية والشرطية فيمنع من صحّة الإقامة حينئذ)، ومرجع ذلك إلى أن عدمه (الجلوس أو الحدث) مأخوذ فيها فلا تكون الإقامة في حال الحدث أو الجلوس مأمورا بها. [1]

أقول: فلنتأمل في ظهور ان النواهي تدل على المانعيّة: إن كانت توجد قرينة على كون النهي إرشاديا إلى المانعية [2] ، ولو بقرينة عامّة كأن يقال:" إن النهي عن العبادات والمعاملات المتعلّق بالأجزاء والشرائط والأفراد ظاهر في النهي الإرشادي لا المولوي "، فحينئذ نحمل المطلق على المقيّد، سواء في الواجبات أم في المستحبات.

فتكون النتيجة في المثال المذكر: ان كل إقامة مستحبّة عدا ما كان في الجلوس فيخرج الجلوس عن الاستحباب. هذا إذا كان ارشادا إلى المانعيّة وليس مولويا.

لكن ظهور النهي في الارشادية يحتاج للدليل.

ونقول: ان هذه القرينة على ان النواهي المخالفة ظاهرة في الارشادية، هذه دعوى غير ثابتة عندنا، نعم عند التخالف في السلب والإيجاب الاشعار بالمانعيّة أقوى من عند التوافق.

ثم إن المشكلة في المطلق والمقيّد هي في التنافي ومحل البحث هو كيف نرفع هذا التنافي، ولا تنافي في غير الالزاميات إذ سبب التنافي في الالزاميات عند التوافق هو ان المطلق يدلّ على التخيير بين الأفراد، والمقيّد يدلّ على التعييني. واما عند التخالف فلان المقيّد محكوم بحكمين: احدهما خاص به، والآخر مخالف لانطباق العام عليه.

هذا كلّه في الالزاميات، اما في غير الالزاميات فلا تنافي عند التوافق، اما عند التخالف، اما عند التخالف فاما ان يظهر المقيّد في المانعية فحينئذ نحمل المطلق على المقيّد، وحينئذ تكون النتيجة في مثال الإقامة: الإقامة مستحبّة إلا في حال الجلوس، أي الإقامة في حال الجلوس غير مستحبّة. واما ان يظهر كون الجلوس أخس الأفراد، وحينئذ يبقى المطلق على إطلاقه، وتكون الإقامة جلوسا مستحبة ولكنها اقل الاستحباب.

وهنا يأتي السؤال: أي الأمرين أولى برفع اليد عنه؟

هل نرفع اليد عن ظهور القيد ويبقى المطلق على اطلاقه ونحمل الفرد على أخس الأفراد، أو نحمل المطلق على المقيّد؟

والجواب: المطلق أقوى ظهورا فيبقى المطلق على اطلاقه. ويؤيد ذلك العموم قد يكون بالوضع وقد يكون بمقدمات الحكمة، وكذا الاطلاق، ولقوّة الظهور توهّم بعضهم ان اللفظ موضوع للماهيّة المطلقة، بينما لم يدع احد ان اللفظ موضوع للوجوب أو الاستحباب التعييني، بل قالوا بالظهور في التعييني لان التعييني يحتاج إلى قيد زائد وهو " او " والاصل عدم القيد فتم الظهور في التعييني ولم يدّعي احد انه بالوضع، بينما العموم والاطلاق لقوّة الظهور ادعي انه بالوضع، وادعى بعضهم انه موضوع للماهية المطلقة وليس للماهية المهملة أو الماهية بشرط القسمي أو الا بشرط المقسمي كما مرّ، فلشدّة قوّة الظهور في الاطلاق توهّم بعضهم ان الموضوع له هو الاطلاق، وهذا ما لم يحدث ابدا بالنسبة للتعيين والتخييري في القيد. ولعلّه هو السبب في تأييد ظهور ان يبقى المطلق على اطلاقه،

ولذا في هذه الحالة في غير الالزاميات المستحبات المتوافقين أو المتخالفين تحمل النواهي على اميز الافراد افضها وأخسّها، ويبقى المطلق على إطلاقه إلا مع القرينة على كون النهي للإرشاد.

 

في النتيجة:

نقول في غير الالزاميات وتطبيقا على المثال المذكور: الإقامة جلوسا مستحبة لكنها أقل الافراد. ولا دليل على انه في النواهي المخالف ظاهر في المانعيّة دائما بل لعلّ الظهور في كونه أخس الافراد اقوى.

 


[2] النهي إما مولوي أو ارشادي، والارشادي قد يكون إرشادا إلى حكم كحرمة الظلم، وقد يكون إرشادا إلى الجزئية أو المانعيّة أو غير ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo