< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المطلق والمقيّد.

     الاطلاق يوسع دائرة الأفراد غالبا، لكنه يضيّقها أحيانا، كما في اطلاق الامر الذي يظهر من التعييني، فيضيّق دائرة الامر بعد ان كانت تشمل التخييري والتعييني.

     ما ورد من مسائل وتعريفات في العام والخاص ترد في المطلق والمقيّد، فيجب الفحص عن القيد إذا كان المطلق في معرض التقييد.

     بناء على اصطلاح المشهور في الفرق بين العام والمطلق، يجوز العمل بالمطلق بعد التقييد ويبقى على إطلاقه، كذلك لا يجوز التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقيّة.

 

قبل اكمال بعض النقاط في المطلق والمقيّد نعود لما ذكره السيد الخوئي (ره) في الصور الأربعة. بعد التأمل قد يكون السيد الخوئي (ره) على حق في هذا التقسيم، وكلامه ليس ببعيد بوجود أربعة صور مختلفة، الأولى: ان يكون المقيّد على شكل الشرطية لها مفهوم، الثانية: ان يكون مخالفا في الحكم، الثالثة: ان يكون الحكم للتقييد لا للقيد، الرابعة: الأدلة مستقلّة. قال (ره) انه في الصور الثلاث يحمل المطلق على المقيد اما في الصورة الرابعة فقد وافق المشهور الذي قال بانه لا يحمل المطلق على المقيّد بل يحمل على أفضل الأفراد أو اميزها كما في كل الصور.

في البحث نحن اخذنا موقف من كلام السيد الخوئي (ره) وذهبنا في البحث إلى ما ذهب اليه المشهور، ولكن كلام السيد (ره) معقول ولا أستطيع ان اخذ موقفا بشكل جازم، فإنا متردد في الصور الثلاث الأول وكلام السيد (ره) له وجه، وما يهون الخطب في ذلك ان أكثر الصور من قبيل الصورة الرابعة وهو الحمل على أميز الافراد، واما الصور الثلاث الاخر فغالبا ما تكون هناك قرائن بحيث يكون محل الشك قليلا.

النتيجة: اننا في الصورة الرابعة نسلّم مع السيد الخوئي (ره) والمشهور بانه لا يحمل المطلق على المقيّد بل يحمل على أميز الأفراد، وهي أكثر شيوعا في قيودات الفقه، اما في الصور الثلاث إذا كان هناك قرينة فالحمد لله، ومع عدم وجود القرينة نتوقف وحينئذ نرجع إلى الأصول العمليّة أو لأدلّة أخرى، وكل حالة بحسبها، قد تكون براءة أو احتياط أو استصحاب أو غير ذلك.

بقي شيئان ذكرهما السيد الخوئي (ره):

الأول: إن كل إطلاق بحسبه، فقد يؤدي الإطلاق إلى كونه بدليا مثل عتق رقبة، وقد يؤدي إلى كونه استغراقيا. ونذكر ان المشهور في تعريف الفرق بين العام والمطلق هو في كيفيّة البيان وان العام هو شمول وأيضا المطلق شمول، في العموم يكون بيان الشمول بالوضع أما في المطلق يكون بمقدمات الحكمة، اما نحن فقد عبّرنا المصطلح لأنه يؤثر على ذهنيتنا في الإستنباط، فالإطلاق ليس على سنن واحد، فقد يؤدي إلى كونه إطلاقا بدليا كـ "عتق رقبة" وقد يؤدي إلى كونه استغراقيا مثل "أحل الله البيع".

الثاني: إن الاطلاق يؤدي إلى التخيير بين الحالات أو الأفراد فيكون موسعا كما في " رجل " الذي يشمل المليارات، والتقييد " رجل ابيض" يضيّق دائرة الأفراد. وأحيانا يكون الاطلاق مضيقا لدائرة الأفراد، وبالمقابل أحيانا يكون التقييد مؤديا إلى توسيع دائرة الأفراد.

يقول السيد الخوئي (ره) ولكن الاطلاق أحيانا يكون مضيّقا، كما في إطلاق لفظ الأمر أو الوجوب الذي يشمل الوجوب التخييري والتعييني ويشمل العيني والكفائي ويشمل الغيري والنفسي، وفي الاطلاق يكون المنصرف اليه الوجوب التعييني والعيني والنفسي. على رأي بعضهم كصاحب الكفاية (ره) إذا أطلقت الأمر يكون ظاهرا في التعييني فقط، أي إلى حصّة خاصة من الوجوب فأكون قد ضيّقت الدائرة. هذه التفاته جميلة من السيد الخوئي (ره) بأن الاطلاق أيضا يضيّق بدل أن يوسّع.

فأن الوجوب التخييري يحتاج إلى قيد " أو " فتقول: أعتق رقبة أو صم شهرين ". فالأمر بالإعتاق مقيّد بـ " أو " فالتقييد أحيانا قد يكون موسعا للحصص، كما أن الإطلاق قد يكون مضيقا لها.

نعم، قد يقال إن التعييني هو الذي يحتاج إلى قيد دون غيره، وهذا مبحث بحثناه في مباحث الأوامر، لكن ذهبنا إلى الظهور في التعييني عند إطلاق الأمر، وهذا من ناحية فهم العرف والظهور العرفي لا من باب أصالة عدم القيد.

في نهاية الكلام عن المطلق والمقيّد وهو مبحث العام والخاص من اهم مباحث الأصول لكثرة تطبيقاته، ولا يكاد يخلو باب في الفقه إلا وبه مطلق ومقيّد أو عام وخاص.

وقبل الانتقال إلى مبحث المجمل والمبيّن، لا بأس بلفت النظر إلى أن ما ورد في مسائل العام والخاص يرد أيضا هنا، أما على مصطلحهم فواضح إذ لا فرق بين العام والمطلق سوى بكيفيّة البيان، واما على مصطلحنا فان جميع ما يجري من أدلّة هناك يجري هنا، فمثلا:

     هل يجوز الأخذ بأصالة الإطلاق قبل الفحص عن القيد؟

الجواب: لا يجوز الأخذ بأصالة الإطلاق قبل الفحص عن المقيّد، وهذا واضح، والكلام في ذلك عين الكلام في العام والخاص، وملخّصه أن العام إذا كان في معرض التخصيص فلا بد من الفحص، فالعرف اللغوي وأهل المحاورة يفحصون عن المخصص، لكثرة كون العام في معرض التخصيص حتى قيل " ما من عام إلا وقد خص "، وهكذا في التقييد، فلا يجوز العمل بالإطلاق والتقييد قبل الفحص عن القيد.

     هل يجوز التمسك بالمطلق في الشبهة الحكميّة في المقيّد؟

فنقول: يجوز ذلك، لأن المطلق يبقى على إطلاقه في غير القيد، فيجوز التمسك به لإثبات حكم المشكوك.

     هل يجوز التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقيّة في المقيّد؟

قالوا: لا يجوز، وأما نحن فقلنا بالجواز هناك، ونقول بالجواز هنا.

هذا بناء على اصطلاحهم في الفرق بين العام والمطلق، اما بناء على اصطلاحنا من ان العام ما كان الشمول بحسب الافراد والمطلق ما كان بحسب الهيئات والازمان والامكنة، فلا يجوز التمسك بالمطلق لأنه موضوع أصبح بعد التقييد هو الماهيّة المقيّدة، والفرد المشكوك لا ينطبق عليه عنوان موضوع الحكم، فلا يشمله الحكم. مثلا: " أكرم العالم العادل " ثم شككت في عدالة زيد العالم، فانه لا يجوز التمسك بإطلاق العالم لو ورد مستقلا، كما لو قال: " أكرم العالم " ثم ورد " أكرم العادل منهم " وكانت النتيجة: " أكرم العالم العادل ".

نفس التفريعات التي وردت في العام والخاص ترد في المطلق والمقيّد، إلى هنا نكون قد انتهينا من المطلق والمقيّد وسنشرع ان شاء الله في بحث المجمل والمبيّن، ونكون قد انجزنا الجزء الاصعب في الأصول ونبدأ بعدها بمباحث الحجّة.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo