< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المجمل والمبيّن. أفراد المجمل والمبيّن.

     من مفردات المجمل كما قيل: النكرة الواقعة في سياق النفي مثل: " لا صلاة إلا بطهور " وهي جميعا تحتاج إلى قرائن لبيان الجزئية أو الشرطيّة أو الاكمليّة أو المانعيّة أو النفعيّة.

     الفرق بين الامتثال وكيفيّة الامتثال.

     تنظيم مطالب علم الأصول بين صاحب الكفاية (ره) والمحقق الاصفهاني (ره) وتنظيمنا.

الرابع من مفردات المجمل والمبيّن: النكرة الواقعة في سياق النفي مثل: " لا صلاة إلا بطهور " حيث يفهم الشرطيّة، أو " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " حيث يفهم منها الجزئية، أو " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " حيث يفهم منها الكمال، أو " لا علم إلا بعمل " حيث يفهم منها النفع والاثر. هذا الفهم يحتاج إلى قرينة مناسبة للموضوع أو قرينة خارجيّة، وإلا النكرة الواقعة في سياق النفي ظاهرها من دون قرينة نفي الماهيّة وهو المستعمل فيه، والمراد هو الشرطية أو الجزئية أو المانعيّة أو الأكمليّة، فـ " لا " نافية للجنس نفهم منها هذه المعاني التي تحتاج إلى قرائن.

فأسباب الإجمال متعددة، فقد يكون بسبب الجهل بالموضوع له مثل كلمة: " بكر " أو " صعيد " وقد يكون بسبب اكتناف قرينة تمنع من الظهور ككثرة الاستعمال مثلا: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [1] المسح واضح معناه لكن هل يصح بظاهر الكف دون الباطن؟ قيل بالجواز اصدق المسح، لكن قد يقال أن هناك انصرافا مستحكما لكثرة الاستعمال ولانه غالبا تمسح بباطن الكف وهذا يؤدي إلى لصوق في الذهن، نعم مع التأمل قد ينتفي الانصراف ويمكن ان نفرّق بين الامتثال وكيفيته، الامتثال عقلا مطلوب، أما كيفيّته فهي شأن المكلّف وليس جزءا من المأمور به، فلو أتى المكلّف بالمأمور به بطريقة سفهيّة أو مستغربة فهذا لا يعني البطلان وعدم الامتثال، ولذا لا يحق للآمر معاقبته بدعوى عدم الامتثال.

وقد يكون بسبب اكتناف قرينة تمنع من الظهور من دون الوصول إلى حدّ الانصراف ككثرة الاستعمال أو الوجود أو إلى المجاز المشهور، وقد يكون بسبب حذف المتعلّق، مثل: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" الذي هو نفي الماهيّة، لكن هل هو لا حكم ضرري، أو نفس الضرر، أو لا ضرر في احكام الإسلام، هذا نوع من المجملات.

أما مع وجود الانصراف المستحكم المعتبر بنظرنا صار اللفظ مبيّنا وقلنا الاجمال والتبيين يدور مدار المراد الجدي، وليس الاستعمالي كما ذهب اليه صاحب الكفاية (ره).

إلى هنا نكون قد انتهينا من الجزء الأول وهو المقاصد من مباحث الالفاظ التي ذكرها صاحب الكفاية (ره).

ذكر مقدمات: الوضع وفروع الوضع، وذكرنا ان الوضع هو علاقة خاصّة، ولم نعرّفه وان تعددت التعاريف واختلفوا في تعريفه، ثم بدأ بالأوامر، ثم النواهي، ثم المفاهيم، ثم بدأ بتقسيم مباحث الالفاظ العام والخاص، ثم المطلق والمقيّد، ثم المجمل والمبيّن. بعد ذلك انتقل إلى مباحث القطع والحجّة، ثم الظنيات: الاخبار، الشهرة، الظن المطلق، ثم تليها الأصول العمليّة، بعد ذلك يبحث مسائل التعارض التعادل التراجيح.

قلنا ان هذا التنظيم قديم ونسبيا غير سليم لذلك في منهجية دراسة علم الاصول الشيخ محمد حسين الاصفهاني الكومباني (ره) عدل عن هذا التنظيم تبعه الشيخ محمد رضا المظفّر (ره) في اصوله ذكر أولا مباحث الالفاظ، ثم الملازمات العقليّة، ثم مباحث الحجّة، ثم الأصول العمليّة.

نقول: ان تنظيم المباحث له الأثر الكبير في فهم مباحث الأصول، وتبعا لتنظيمهم لا بد ان نبحث في مقدّمة الواجب هي مسألة عقليّة او مسألة لفظيّة. إذا قلنا انها لفظية جعلناها في مباحث الالفاظ، اما إذا قلنا عقليّة جعلناها في مباحث الملازمات العقليّة أي حكم العقل الذي يلزمه حكم الشرع ويبحث فيها: الأجزاء، ومقدّمة الواجب، واجتماع الأمر والنهي، ودلالة النهي على الفساد.

لكن هو (ره) ادخل الملازمات العقليّة ضمن مباحث الالفاظ، جعل ضمن الأوامر مقدّمة الواجب، وضمن النواهي جعل اجتماع الأمر والنهي، ودلالة النهي على الفساد. هذا بناء على رأي خاص وهو انها مباحث الفاظ، اما إذا قلنا انها ملازمات عقليّة فلا بد من ان تبحث بمبحث خاص.

لذلك الشيخ المظفّر (ره) قبل الملازمات العقليّة بحث مسألة التحسين والتقبيح العقليين ومن خلالها يطبقها على الملازمات العقليّة.

وقد ذكرنا في اول دروسنا ذلك، كما ذكره الأخ الغزيز في تقريرات دورسنا مفصلا في كتاب: دراسات في أصول الاستنباط.

نحن قلنا: انه ينبغي ان يكون هناك تقسيم آخر، بالنظر إلى جذور علم الأصول ونشأة علم الأصول، الأصول ليست مطلوبة لذاتها، بل هي مطلوبة كمقدّمة للاستنباط، والاستنباط كيف يتم؟

أواجه مسألة معيّنة وعندما أواجهها مثلا: الدخان هل هو حرام أو حلال؟ والغناء حرام أو حلال؟ وكمسألتنا الفقهية الطلاق في يد الحاكم أو لا؟ وغيرها من المسائل الفقهية المتعددة في المعاملات والعبادات، هذه المسائل أقطع بها أو أشك بها، لذلك نحن قسمنا الاحكام إلى ثلاث شبهات: الشبهة الحكميّة، والشبهة المفهوميّة، والشبهة المصداقيّة، ولا رابع لها.

اما في الشبهة الحكميّة فالعلاج لخصناه في كلمات أربع تختصر صفحات كثير، وإذا فهمناها جيدا نفهم كلام الشيخ الانصاري (ره) في رسائله، ونفهم كلام صاحب الكفاية (ره) في الجزء الثاني، ولماذا رفض التقسيم الثلاثي للشيخ الانصاري (ره) وذهب إلى التقسيم الثنائي.

قلت أن أول مرحلة من مراحل الاستنباط التي يجب ان تقوم بها هو وضع المسألة في الخانة التي يجب ان تبحث بها، هل هي شبهة حكميّة، أو مفهوميّة أو مصداقيّة ولا رابع لها، وقلنا ما يسمى بالشبهة الموضوعيّة والعنوانيّة تنضوي تحت الشبهات الثلاث، ولا داعي لكثرة العناوين لإمكان التداخل بين الاقسام.

ووضع المسألة في الخانة التي يجب أن تبحث بها هي أول وأخطر مرحلة في الاستنباط: " أين تضع الشبهات "، فلكل خانة كيفية علاج خاصّة. نضرب مثلا من المكاسب: الغناء حرام أو حلال؟ بدأ بأقوال العلماء، ثم الروايات، ثم مفهوم الغناء، ثم عاد للروايات، ثم لبيان مفهوم اللهو والعبث. بهذا الطرح لم نفهم خارطة الطريق في عمليّة الاستنباط.

وانا بالنسبة لي أعتبر هذا التقسيم الذي ذكرته باختصار وفي صفحة واحدة تقريبا ترتيب مهم لمطالب علم الاصول، نبدأ أولا في تحديد أي خانة نجعل فيها الحكم، مثلا: الغناء هل المشكلة فيه في الحكم أو المفهوم أو المصداق، قبل كل شيء يفترض أن نضعه في أي خانة للبحث، وحينئذ تعرف كيفيّة العلاج، والعلاج في الشبهة الحكميّة وهي ما كان واضحا مصداقا ومفهوما لكن حكمه غير واضح، هو ثلاث كلمات: أولا تبحث عن علم قطع، فان لم تجد فعلمي يشمل الأصل اللفظي لأنه آخر العلميات، فان لم تجد فأصل عملي. مثلا: " الخمر " واضح مفهوما ومصداقا لكن حكما هل هو طاهر أو لا؟ وهذا لا يعني انه يجوز شربه لوضوح حرمة شربه.

وكذلك الامر في الشبهة المفهومية، كمفهوم " الولد " والغناء " و " الصعيد " وغير ذلك غير واضح، والاحكام تابعة لعناوينها إذا انطبق العنوان ينطبق الحكم.

نعم قبل أن نبدأ بمباحث القطع بعد الانتهاء من مباحث الأوامر والنواهي وأنهينا الملازمات العقليّة، ومباحث الالفاظ بحسب تقسيم الشيخ الاصفهاني(ره)سنبدأ بمباحث الحجّة التي هي عمدة المباحث وان لم تكن أصعبها وأزعجها، لذلك كان من المفروض ان تبحث في الأول، بحث خبر الواحد، والشهرة، والظن المطلق، بحث أن هذه الأمور أدلّة أو لا؟

ولكن قبل ذلك سنبحث مطلب له ثمار كبير ومهم جدا ولاحتياجنا له في مباحث القطع والحجّة وهي مراحل الحكم الشرعي، وهناك أقوال متعددة. سنبحث ما معنى كلمة " إنشاء " كلمة " فعليّة " ومتى تتم الفعليّة، وما معنى " الإقتضاء " و " الإعتبار " و " التنجيز "، نفهم هذه الكلمات ونأخذ رأي، وسنصل في النهاية إلى رأي ان الحكم له مرحلة واحدة وهي الإنشاء.

وقبله سنلتقي نظرة على المناحي التفكيرية في علم الأصول.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo