< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفقود واحكامه: بحث بعض المسائل في المفقود زوجها.

     الدليل الثالث من ادلّة حصر الطلاق بيد الزوج: الطلاق حقيقة لغوية وهو لغة بيد الرجل خصوصا، ولا دليل على شموله لغيره.

     والجواب: صدق الطلاق على طلاق الحاكم كاف لشموله لغة فيشمله شرعا.

 

ذكرنا في مسألة المفقود زوجها المعلوم حياته والتي لا تستطيع زوجته الصبر وقد تقع في معصية، وقلنا انه ذهب بعض الاكابر إلى جواز طلاق الحاكم وانه من صلاحياته، وذهبنا إلى الأدلّة.

ومن قال بعدم الجواز استند إلى القاعدة العامّة ان الطلاق بيد الزوج حصرا ولا يخرج عنه إلا بدليل، ولا دليل على ذلك، وبدأنا باستعراض الأدلّة على هذه القاعدة منها من القرآن الكريم " طلّقتم النساء " وقلنا انه لا دليل فيها، ومنها رواية" الطلاق بيد من أخذ بالساق " وقلنا رواية ضعيفة لكن عمل بها المشهور، فإن قلنا ان الشهرة العمليّة تجبر ضعف الرواية صارت الرواية معتبرة وإلا فلا، وذهبنا بعد ذلك إلى الدليل الرابع.

الدليل الرابع: الطلاق حقيقة لغويّة، وكان اللفظ موضوعا لهذا المعنى عند العرب بمعنى الفراق وانهاء الحقوق، وقد اقرّه الشارع بما هو عليه من معنى، ومن ملاحظة سلوك الناس قبل الإسلام لا نجد إلا أن الطلاق بيد الزوج حصرا. وقد أقررنا سابقا بالقاعدة: أن ما كان عرفا كان شرعا. وعندما نقول بالحقيقة اللغوية هذا يستلزم العمل بها وبشروطها والعمل باللوازم بالمعنى الأخص. نعم الكلام قد يكون باللوازم البعيدة. وقد بيّنا هذه القاعدة سابقا، فلا داعي للإعادة.

وللتذكير قلنا ان في كل عقد بل كل معاملة ثلاث أمور: العقد وهو الصيغة (الإيجاب والقبول) وهناك حالة خاصّة تنشأ عن هذه الصيغة، أنشأت وضعا لذلك سمّيت بالأحكام الوضعيّة كالزوجية والابوّة والبنوّة والبيع والشراء وغير ذلك، ثم هناك آثار وأحكام مصب لهذه الحالة مثل النقل والانتقال في البيع، وجواز الوطء والنظر واللمس والطلاق في الزواج.

فعندما اطلق المعنى صار هناك حقيقة لغويّة أي اخذت المفهوم بما له من آثار والذي يثبت منها اللوازم بالمعنى الأخص، العرف جعل لها أسباب وهو يعرف الأسباب لأنه هو من اخترع الماهيّة، فما كان سببا عرفا كان سببا شرعا، والخروج يحتاج إلى دليل ولذلك تدخل الشارع في الأجزاء والشرائط، وتدخل في النفي، اما الإثبات فقد يتدخل به، وغالبا ما تركه إلى العرف.

فهذا الدليل ان العرف اللغوي ما قبل الإسلام الذي نقله الشارع اليه يرى ان الطلاق بيد الزوج.

وجوابه: إن الطلاق حقيقة لغويّة وليس حقيقة شرعيّة، فإذا كان كذلك لا نجد مانعا لغة من صدق الطلاق على طلاق الحاكم.

فيقال: الحاكم طلّق فلانا من زوجته، بل حتى لو كان الطلاق من الزوجة، فيقال فلانة طلّقت زوجها.

نحن نشكك انه في الجاهليّة او قبل الإسلام كان الطلاق بيد الزوج حصرا، كشرع جاهلي أو مفهوم جاهلي، لكن قد يكون ذلك بسبب البيئة آنذاك، لا انطلاقا من نفس المفهوم.

فالذي أقرّه الشارع هو مفهوم الطلاق وليس ما كانوا عليه من آثار بيئيّة، لذلك أشرنا انهم لم يكن عندهم عدّة للمرأة إلا للحامل وجاء الشارع وحدّد عدّة بالأيام أو الشهور أو الاقراء أو الوضع. فلذلك الطلاق حقيقة لغويّة فلنرى في اللغة ما هو؟ فطلاق غير الزوج يصدق أنه طلاق، أي ان هناك مقتض للطلاق والمانع هو الذي يحتاج إلى دليل.

إذن ليس مأخوذا في مفهوم الطلاق وصحته أن يكون من الزوج دون غيره لغة، فهو كذلك شرعا.

نعم، يحق للشارع التدخّل، ولذا منع صحة أن تطلّق الزوجة نفسها، أما منع الطلاق من غيرها فلم يثبت. ففي الطلاق المدني الحالي يجوز للزوجة طلاق نفسها، ونحن نعلم ان مفهوم الطلاق لم يتغيّر، ولو شككنا أثبتنا ما كان بأصالة عدم النقل.

وقد يقال ان الطلاق أيضا موجود في العرف الجاهلي وقد أشار إليه بعض أبيات الشعراء إشارة لكن لا يمكن الأخذ بها لإجمالها لأنه قد يكون أنها تريد أن تهجره، بل هناك شعر آخر يشير إلى ان الطلاق بيد الرجل حصرا، كما في تهديد أقارب الزوجة للزوج لإلزامه بالطلاق وإلا كانت البارقة فوق رأسه. نعم البيئة قد تضغط وقد يختلط ما هو تشريع وقانون مع العادات وما هو بيئي، الكثير من عاداتنا ليست شرعيّة أصلا وأخذت ثوبا شرعيا. لذلك عندما نقول بهذه القاعدة: " ما كان عرفا كان شرعا " نرجع إلى أصل المفهوم فيقرّه الشارع بجميع أسبابه وشروطه مما ينتج عن المفهوم.

فالتفريق بين المسلك البيئي واللغة مهم.

وهنا فإذا شككنا في كون الطلاق بيد الزوج حصرا أو يشمل غيره فالقاعدة تقتضي حصره بيد الزوج لأنه القدر المتيقّن.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo