< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المنحى التفكيري في علم الأصول:

     المنحى الثاني: الرجوع إلى جذور المسألة وسنخها، فان كانت لغويّة ظهورية فلا دخل للعقل حينئذ، ولو فرض وجود اشكال مستعصي نقول حينئذ: عجزنا عن حلّ الاشكال، لكن يبقى الظهور اللغوي العرفي قائما.

     أوّل مرحلة واهم مرحلة في عالم الاستنباط هو تحديد الميدان الخانة التي يجب وضع المسألة فيها وحلّها من خلالها.

 

إذن المنحى الأول هو محاكمة الآراء واختيار أحدها.

المنحى الثاني: هو الرجوع إلى جذور المسألة، فان كانت المسألة عرفيّة رجعنا إلى العرف، وإن كانت شرعيّة رجعنا إلى النصوص، وإن كانت عقليّة رجعنا إلى العقلاء، وهلمّ جرا، حتى لا يختلط الأمر علينا. فإذا كان المسألة عقلية لا معنى أن نرجع للنصوص إلا ان نقول أن النصوص إرشاديّة فالنتيجة انني لم ارجع للنص، وكذلك إذا كانت شرعيّة لا معنى ان ارجع للأمور العقليّة أو العقلائيّة [1] . يجب ان اعلم في أي خانة اضع المسألة حتى يكون الطريق للاستنباط صحيحا وتكون النتيجة صحيحة.

إذن المهم ان نضع المسألة في أي خانة، لذلك قلنا في مسألة التعارض بين الروايات انه إذا استحكم التعارض ولان المسألة عقلائيّة يجب ان نرجع إلى ماذا يقول العقلاء، العقلاء يرجحون خبر الاتقى والاصلح والاعلم، حبنها نفهم الترجيحات التي وردت في الروايات بالفهم العقلائي الطبيعي.

من هنا اول ما ينبغي فعله ان نعرف ان المسألة هي من أي سنخ ونوع ثم نضعها في سنخها ونوعها، ونبحثها في ميدانها وساحتها هذا ما عبرّت عنه بالرجوع إلى جذر المسألة. وبعد استكشاف المسألة من جذورها، نحاول تأييدها بالطرق الفلسفيّة أو بغيرها، ولو فرض وجود إشكال فنقول: هذا الإشكال مستحكم ولا ندري كيف نحلّه، اعترف بالعجز بحل الاشكال ويكون من قبيل الشبهة في مقابل البديهة. [2]

ففي المثالين المذكورين:

أما المثال الأول أي مسألة رجوع القيد للهيئة أو المادّة فالمسألة عرفيّة لغويّة ظهوريّة، فنرجع حينئذ إلى العرف اللغوي. والذي عليه العرف هو رجوع القيد للهيأة، وحينئذ الذي ينبغي ان يقال: أن القيد يرجع للهيأة أي للوجوب لا للواجب، ولكن يوجد إشكال عجزنا عن حلّه - في حال فرض العجز عن الحلّ – فلا نرجع للعقل مباشرة لان المسألة ظهوريّة وليست عقلية. اما على طريقة المنحى الأول فالشيخ الانصاري(ره) اخذ بالإشكالات على هذا الخيار ومن خلالها اخذ موقف وذهب إلى الرجوع إلى المادّة.

وهكذا في المثال الثاني وهي أن الأخبار هل هي مأخوذة على نحو الطريقيّة أو السببية، فإن الأخبار هي طرق عقلائية لتبادل المعلومات فلا علاقة للغة العربيّة بها إذن ليست مسألة ظهوريّة لفظيّة، وليست مسألة عقليّة محضة، بل سيرة عقلائية [3] نرجع فيها للعقلاء، وكيف ينظرون إلى الاخبار، ومعلوم ان الاخبار عند العقلاء هي طريق للكشف عن الواقع، وقد تصيب وقد تخطئ، ولذا فهي مأخوذة على نحو الطريقيّة. فإذا كان هناك إشكالات على ذلك يجب أن أحل الإشكال، وحينئذ لا معنى للذهاب إلى السببيّة أو إلى المصلحة السلوكيّة، أو غيرهما، حتى لو وجدت الإشكالات على الطريقيّة.

بل ينبغي أن يقال: الاخبار مأخوذة على نحو الطريقيّة عقلائيا والاخبار لا تنشئ مصلحة وليست سببا لنشوء مصلحة في المتعلّق، نعم الإشكالات صحيحة.

ونعطي مثلا: الإيمان بالله عز وجل هو مسألة فطريّة ليست بحاجة إلى ادلّة لكن علماء الكلام اضطروا لبحثها لكثرة الشبهات قالوا ان الوجودات: إما ممكن الوجود أو ممتنع الوجود أو واجب الوجود، لكن في الواقع القناعات النفسيّة بوجود الله وعبادة الله عز وجل لا ترجع لهذا التقسيمات الفلسفيّة، ما هي نسبة الناس الذين آمنوا بالله وبرسوله وأهل البيت من خلال كتاب صدر المتألهين " الاسفار الأربعة " مثلا. الايمان بالله عز وجل فطري نرجع للفطرة فنجده، نعم تأتي بعض الإشكالات والشبهات علماء الكلام جزاهم الله ألف خير اضطروا إلى بحث المسألة، ولذلك نرى القرآن الكريم: ﴿أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾[4] ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾[5] كل بشر على الفطرة يؤمن بهذا، ولذلك ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[6] لان الاشراك بالله خلاف الفطرة والخلقة البشريّة.

إذن أهم شيء بالمسألة الأصوليّة أو الفقهيّة هي تحديد مرجعيتها.

وهل تعطي المسألة الطبيّة للمهندي مثلا؟

المسألة عميقة جدا في كيفيّة البحث الأصولي. ومن هذا المنطلق والمنحى التفكيري ذهبنا في باب التعارض إلى الإخذ بالأرجح عقلائيا، ذلك أن المسألة ليست عقليّة، بل ولا شرعيّة، فلا معنى للذهاب إلى الأخبار العلاجيّة لحلّ أصل المسألة، بل هي مسألة عقلائيّة بعد ان ذهبنا إلى ان الدليل على حجيّته هو سيرة العقلاء، ولذا فلنرجع إلى سيرة العقلاء في ذلك وهي مثلا الأخذ بالأوثق والافقه والاشهر والأصدق، فالصدق كلي مشكك، فهذا ما عليه العقلاء. ونجد أن سيرة العقلاء هي الأخذ بالأرجح، فلا معنى للذهاب إلى الاخبار العلاجيّة، ومنه نستكشف أن الروايات العلاجيّة هي تطبيقات لهذه الكبرى الكليّة " خذ بالأرجح عقلائيا " سواء كان هو الاوثق أو الاصدق أو الاشهر.

غدا نبحث المختار من هذين المنحيين، وسنختار المنحى الثاني ونبيين السبب.


[1] هناك مثل جميل في العرف العام وهو " يكون يحلق ويصبح يقتلع اضراس ".
[2] في المنطق عادة في كتاب الحاشية أو كتاب الشمسيّة كانوا يدرسون الاستدلالات وباب المغالطة. المغالطة طريقة تخفى على اذهان العامّة مثلا: " في الحائط فأرة، والفأرة لها اذنان، إذن للحائط أذنا " ومعظم الاعلام العالمي حاليا مبني على المغالطة وكيفيّة عدم استحكام محاكمة الذهن الأمور. ومعاوية استعمل المغالطة حين قال: انا خال المؤمنين – لان اخته ام حبيبة بنت ابي سفيان كانتى زوجة النبي (ص) فهي أم المؤمنين) إذن انا أولى بالخلافة. بسطاء الناس لم يستطيعوا مناقشة الموضوع. وان هذا غير صحيح لا صغرى ولا كبرى: اما الصغرى فان زوجات النبي (ص) هنّ أمهات المؤمنين من حيثيّة عدم جواز نكاحهنّ بعد الرسول (ص). واما الكبرى فلا علاقة بين الخلافة وخؤولة المؤمنين!!!.
[3] ذكرنا الفرق بين سيرة العقلاء، وحكم العقلاء وبناء العقلاء: السيرة مسلك، والحكم جعل، والبناء يشمل الاثنين معا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo