< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع

     المراد من المكلّف ما يشمل المجتهد والمقلّد.

     لا فرق بين المجتهد والمقلّد إلا في مرجعية أخذ الحكم الشرعي.

 

ولا بأس بذكر ما ذكر السيد الخوئي (ره) في المقام، وهو تعبير موسع عما ذكرناه في منهجيّة الاستنباط في الشبهة الحكمية بالرجوع إلى العلم ثم العلمي من قبيل الأمارت والشهرة والظن المطلق وخبر الواحد أو غير ذلك، ثم الأصل العملي، وتأكيد لما ذكرناه في ذلك، وذلك زيادة للفائدة.

ويقول (ره) كما في مصباح الأصول تقرير السيد سرور البهسودي (ره):

يقول: وتوضيح المقام يقتضي التكلم في مقامات ثلاثة:

1- في بيان حكم المجتهد بالنسبة إلى تكليف نفسه.

2- في بيان حكم المقلد بالنسبة إلى تكليفه.

3- في بيان حكم المجتهد بالنسبة إلى تكليف مقلديه.

أما المقام الأول: فلا إشكال في أن المجتهد إذا التفت إلى حكم شرعي متعلّق بنفسه [1] ، فأما أن يحصل له القطع أو يقوم عنده طريق معتبر، أو لا هذا ولا ذاك. فعلى الأول يعمل بقطعه، وعلى الثاني يعمل بما قام عنده من الطريق، وعلى الثالث يرجع إلى الأصول العملية على ما سيجي‌ء من التفصيل في مجاريها إن شاء اللَّه تعالى، بلا فرق في جميع ذلك بين الحكم الواقعي والظاهري. [2]

واما المقام الثاني: فالظاهر أن المقلِّد كالمجتهد في الأحكام المذكورة، فإن حصل له القطع بحكم من الأحكام عمل به بلا حاجة إلى الرجوع إلى المجتهد، وإن لم يحصل له القطع، فإن قام عنده طريق معتبر وليس إلا فتوى المجتهد عمل‌ به، وإن فقده أيضاً وبقي شاكا في الحكم رجع إلى الأصول العملية على نحو يأتي عند التكلم في المقام الثالث.

هذا كله في الحكم الواقعي (الذي تقوم عليه الأمارات) وكذا الحال في الحكم الظاهري (الذي يؤخذ في موضوعه الشك، كالقطع بالبراءة) فان حصل له القطع به كما إذا قطع بفتوى المجتهد في مورد عمل به. وإلا فان قام عنده طريق معتبر كما إذا أخبر عدلان بأن فتوى المجتهد كذا أخذ به، وإلا رجع إلى الأصل العملي، فان كان متيقناً بفتوى المجتهد سابقاً وشك في تبدلها يستصحب بقاءها. وإن أفتى أحد المجتهدين بالوجوب والآخر بالحرمة، دار الأمر بين المحذورين فيتخير، وإن أفتى أحدهما بوجوب القصر مثلا والآخر بوجوب التمام وجب عليه الاحتياط، إلا أن يثبت قيام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط على العامي على ما ادعاه شيخنا الأنصاري (ره) إذاً فتخير. [3]

والحاصل أنه لا فرق بين المجتهد والمقلِّد إلا في خصوصية الطرق والأمارات، فإن طرق المجتهد إلى الأحكام هي الكتاب والسنة، وطريق المقلِّد هو فتوى المجتهد فقط، وكما أن ظواهر الكتاب والسنة حجة للمجتهد، كذلك ظاهر كلام المجتهد حجة للمقلِّد، فلا وجه لاختصاص المقسم بالمجتهد. [4]

واما المقام الثالث: فتوضيح الكلام فيه أن المجتهد إذا التفت إلى حكم متعلِّق بمقلّديه دون نفسه سواء كان الحكم بجميع مراتبه مختصاً بغيره كالأحكام المختصة بالنساء، أو بفعليته كأحكام الحج مع عدم كونه مستطيعاً، وأحكام الزكاة مع عدم كونه مالكاً للنصاب، ففي جميع ذلك إن حصل له القطع بالحكم أو قام عنده طريق معتبر عليه، أفتى به بلا إشكال فيه، وإلا فله الرجوع إلى الأصول العملية والإفتاء بمؤداها. [5]

الامر الرابع: عدول صاحب الكفاية (ره) من تثليث اقسام المكلّف إلى تثنيتها فيقول في كفاية الأصول ما ملخصه ان الأقسام اثنان فقط، ومن أسباب العدول ان الأقسام تتداخل، فبعض الظنون حكمها حكم الشك أي ليست معتبرة، الظن الذي لم يقم الدليل على اعتباره ولم يكن خبر واحد بل مجرّد ظن، ودليل الانسداد لم يتم، فصار الظن كالشك ولا فرق بينهما. إذن تداخلت الأقسام.

ونحن درسنا في المنطق انه يشترط في التقسيم عدم التداخل وإلا لا قيمة للتقسيم. وتغاير الأقسام يكون مفهوما واحكاما. وصاحب الكفاية (ره) عدل من التقسيم الثلاثي إلى تقسيم ثنائي وانا لا ايّده، فمنحى الشيخ الانصاري (ره) منحى طبيعي يعود إلى ما يبدأ به المكلف، اما صاحب الكفاية رجع إلى النتيجة وقسم حسب النتائج كما في المنحى التفكيري الآخر الذي يحاكم النتائج، اما الشيخ الانصاري (ره) قسّم حسب مواجهة الأمور من البداية، لذلك سنؤيّد كلامه بما له من فائدة.


[1] الفرق بين المقلّد والمجتهد، ان المقلّد لا يستطيع البحث عن الحكم، اما المجتهد هو الذي يبحث، فكل الأوامر الصادرة للشاك لا تكون للمقلّد بل تكون للمجتهد ماذا يفعل. فإذا التفت إلى الحكم الشرعي يكون متعلّقا بنفسه.
[2] للحكم الواقعي والظاهري مصطلحان: الاول: الواقعي بحسب واقع الأمر، والظاهري بحسب ما نصل اليه. الثاني: الواقعي ما كان بحسب الأمارات وهو ما لم يؤخذ الشك فيه، اي العلمي، اما الظاهري هو ما أخذ فيه الشك، أي الاصول العمليّة. وذكره الحكم الواقعي والظاهري منه (ره) تمهيد لكلام صاحب الكفاية (ره) والتعليق عليه.
[3] نلاحظ هنا ان طربق وصول المجتهد إلى الاحكام القرآن والسنّة بالنبي (ص) وأهل البيت (ع)، اما طرق وصول المقلِّد إلى الأحكام المجتهد. فالمجتهد يقوم مقام المعصوم، وهنا كذلك في المجتهد والمقلِّد: علم علمي فاصل عملي ولكن طريق الوصول يختلف والمرجعيّة تختلف.
[4] عبارة: فلا وجه لاختصاص المقسم بالمجتهد: رجوع السيّد (ره) إلى أصل الموضوع عندما قسّم الشيخ الانصاري (ره) في الرسائل حالات المكلّف ورده على ذلك، فقال الانصاري: ان المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي فإما ان يقطع أو يظن أو يشك. تقسيم صحيح فطري نؤيّده، وإن أشكل عليه كما سنرى ولذا فلا وجه لاختصاص المقسم بالمجتهد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo