< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/10/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     إعادة لمعنى الحجة: المعنى اللغوي، والمعنى المنطقي، والمعنى الاصطلاحي.

     مدرك وجوب المتابعة ثلاثة أقوال:

الأول: بناء العقلاء حيث إن وجوب متابعة القطع لحفظ النظام وحفظ المجتمع.

واشكل عليه: بان العقل يحكم حتى لو لم يكن إلا بشر واحد.

واجيب عن الاشكال: بان المراد هو القضايا المشهورة والتأديبات الصلاحيّة التي يكفي فيها افتراض وجود مجتمع، ولا يشترط تحققه فعلا.

واشكل عليه أيضا: ان بعض الأحكام لا علاقة لها بمصالح الناس كوجوب الصلاة.

وعلقنا عليه: بان له نوع ربط.

القول الثاني: إن المدرك هو حكم العقل.

والتعليق عليه: إن كان المراد العقل النظري فليس وجوب المتابعة من شأنه، لانه ليس عملا، بل إدراكا. وان كان المراد العقل العملي فصحيح.

ذكرنا ان هناك معاني للحجة، المعنى الأول هو المعنى اللغوي، الثاني المعنى الاصطلاحي، الثالث المعنى الاصطلاحي الاضيق أي الدليل، المعنى الرابع وهو المعنى المنطقي وهو الوسط في القياس أو الواسطة في الاثبات، والحد الأوسط مثلا: " زيد إنسان وكل إنسان ميّت فزيد ميّت " وهذا ما يعبّر عنه بالحجّة.

نعود إلى النقطة الثانية وهي ان وجوب المتابعة بلا شك ثابت ووجداني لا يحتاج إلى دليل، فإذا انكشف الأمر يجب أن اتبعه، وذكرنا ان التحرك على طبق الأمر موجود حتى عند البهائم، وقلنا ان وجوب المتابعة غير الانكشاف، نعم وقع الكلام في مدرك وجوب المتابعة ما هو؟

مدرك وجوب المتابعة: هل هو بناء العقلاء أم حكم العقل، أم بناء العقلاء، أم السيرة العقلائيّة، أم غير ذلك.

هناك ثلاثة أقوال:

الأول: بناء العقلاء على ذلك إبقاء للنوع وحفظا للنظام العام، فتكون من القضايا المشهورة في اصطلاح المناطقة، وهذا البناء على العمل بالقطع أمضاه الشارع فيجب إتباعه.

وفيه: ان وجوب العمل على طبق القطع ثابت حتى لو لم يوجد في الدنيا إلا بشر واحد، فلا علاقة بحفظ النظام العام. وقد ذكرنا ان وجوب المتابعة ليست سيرة عقلائية [1] وجدت لحاجة، وإلا لما عمل بها المجانين والبهائم. فلا معنى للقول ان العمل على طبق العقل سيرة عقلائية، هذا أولا.

قد يقال ردا على الاشكال: ان قضيّة " العدل حسن " يؤمن به أي انسان حتى لو كان وحده مع العلم انهم صنّفوا هذه القضيّة بالقضايا المشهورة، وعبّر عنها ابن سينا " بـ التأديبات الصلاحيّة " وهي التي يتأدب عليها الناس يعني ان يكون هناك مجتمع يفرض ذلك. وهذا يعني انه إذا لم يكن هناك مجتمع لا يفرض هذا الرأي فلا يكون نظاما عاما.

بعبارة أخرى: عدم وجود مجتمع لا يعني عدم الحكم بالقضيّة المشهورة.

نقول: اننا لا نشترط وجود وتحقق فعلي للمجتمع حتى نحكم بها، بل يكفي افتراض وجود مجتمع حتى نحكم بها.

هذا أولا وفيه ثانيا: قال السيد الخوئي (ره): إن الأوامر الشرعيّة ليست بتمامها دخيلة في حفظ النظام، فان احكام الحدود والصاص وإن كانت كذلك، والواجبات الماليّة وإن أمكنت ان تكون كذلك، إلا ان جلاّ من العبادات – كوجوب الصلاة التي هي عمود الدين – لا ربط لها بحفظ النظام أصلا. [2]

ونقول للسيد (ره): بل لها شائبة الربط بذلك ولو كانت من اللوازم، أَوَ ليس الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أو ليس من المنكر ما يؤدي إلى أذيّة الناس وغصب حقوقهم وهدم ما فيه مصالح الناس وهو ما يسمى في الفقه بوجوب حفظ النظام العام. فان النظام العام انما يجب الالتزام به في، بل خصوص ما فيه مصالح الناس.

ان الاحكام الشرعيّة تدور مدار المصالح والمفاسد، لكن تارة تكون المصلحة في نفس المتعلّق، وتارة تكون المصلحة في الجعل، أحيانا يكون الحكم لا لأجل متعلّقه، بل قد يكون للامتحان أو لردع الناس، فإن الناس إذا علمت بالحكم القاسي ترتدع عنه مثلا: حكم قطع يد السارق، المصلحة ليست في نفس قطع اليد، المصلحة ليست في نفس المتعلّق، بل المصلحة في الجعل للحكم حتى ترتدع الناس، فالله عز وجل جعل بعض الاحكام قاسية. والبعض يشنع على الإسلام لقساوتها، مع القساوة في قطع اليد مثلا ترتدع الناس عن السرقة، وذلك ما لم يكن هناك مبرر شرعي للسرقة كما ذكر في احكام قطع اليد في الفقه الإسلامي.

القول الثاني: إن وجوب المتابعة هو بالالزام العقل وليس العقلائي.

ونقول: إن كان المراد هو العقل النظري وهو الإدراك وهو ما ينبغي أن يعلم، فالعقل من شأنه حينئذ هو الإدراك فقط، فيكون وجوب المتابعة خارجا عن مدركات العقل النظري، فلا تكون بحكم العقل. أما العقل العملي وهو ما ينبغي أن يعمل، فوجوب المتابعة يكون موضوعا لمدركاته كالعدل حسن والكذب قبيح وهو ما ينبغي ان يعمل، ولعلّه يرجع حينئذ إلى القول الثالث.

 


[1] الفرق بين السيرة العقلائية وحكم العقلاء: حكم العقلاء حكم فلو قلت " العدل حسن " أو واحد زائد واحد يساوي اثنين هذا حكم، وحكم عملي، أما السيرة في اللغة والاصطلاح فهي حاجة ومسلك عقلائي لحاجة ما يسلكون مسلكا لحلّها، فتارة تكون سيرة عامّة للبشر واخرى خاصّة لمجتمع خاص كالعادات والتقاليد، فالعمل بخبر الواحد مسلك عقلائي وسيرة اعتادها العقلاء لسد حاجة وتبادل المعلومات، وهذا غير الحكم كما في قولنا العدل حس، الذي هو حكم وعمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo