< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/10/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     ذكر كلام السيد الخوئي (ره) وان وجوب المتابعة مسألة غرائزيّة لا عقليّة.

     القول الثالث: حجيّة القطع ووجوب المتابعة من اللوازم العقليّة وهو المختار.

     هل للشارع المنع من العمل بالقطع؟ لا شك إمكان منعه.

 

نكمل الكلام في وجوب متابعة القطع، وقلنا انه لا معنى للقول بالسيرة العقلائيّة وانه عقلائي وجداني، وحكم عقلائي بمعنى حكم العقل العملي وهو ما ينبغي ان يعمل، اما العقل النظري فلا معنى لان يكون العقل حاكما بوجوب المتابعة لان العقل النظري هو ما ينبغي ان يعلم كما في الواحد زائد واحد يساوي اثنين، فشأن العقل النظري العلم والانكشاف والإدراكات فقط وليس شأنه العمل.

نعم، لو كان المراد هو العقل العملي أي ان يعلم ما ينبغي ان يعمل كالعدل حسن، فهذا الكلام صحيح، وعلّقنا على بعض الإشكالات التي وردت على هذا القول.

ويظهر من كلام السيد الخوئي (ره) ان المدرك غرائزي لا عقلي نستفيد ذلك من قوله:

" و( اما القول الثاني (ان العقل يحكم بوجوب المتابعة) ) فيرد عليه أن العقل شأنه الادراك ليس إلا، وأما الالزام والبعث التشريعي فهو من وظائف المولى. نعم الإنسان يتحرك نحو ما يراه نفعا له، ويحذر مما يراه ضررا عليه، وليس ذلك بالزام من العقل، بل المنشأ فيه حب النفس، ولا اختصاص له بالإنسان، بل الحيوان أيضا بفطرته يحب نفسه ويتحرك إلى ما يراه نفعا له، ويحذر مما أدرك ضرره (بعبارة أخرى هو غرائزي وليس عقليا). وبالجملة حب النفس وإن كان يحرك الإنسان إلى ما قطع بنفعه، إلا أنه تحريك تكويني لا بعث تشريعي ". [1]

هنا ذهب السيد الخوئي (ره) إلى ان المسألة مسألة غرائزيّة، وقد يقربّه ان العمل بالمقطوع به يكون من الحيوان كما من الإنسان، لكن نقول: ان الانسان يختلف عن الحيوان. الحيوان حركته بغرائزيته لما يحافظ على نوعه كما عند الانسان أيضا، لكن العمل بالمقطوع غير ذلك فهو إدراك وعمل على طبق هذا الادراك.

القول الثالث: إن حجية القطع من لوازمه العقليّة، وهذا ما اختاره صاحب الكفاية (ره) حيث قال: وتأثير ذلك لازم وصريح الوجدان به شاهد وحاكم ". [2]

وهذا واضح وصحيح ونحن نؤيده.

وما ورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة من وجوب العمل بالقطع والعلم فهو من الارشاديات إلى ما عليه بناء العقلاء وحكمهم، وليس مسألة مولويّة شرعيّة، فنلاحظ من الآية: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [3] ان هذا تقريع واحتجاج من المولى عليهم بما هو مرتكز عندهم، وكذلك في آية: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ [4] إشارة وارجاع إلى الوجدان وان العمل يكون بالعلم وليس بالظن، فلو لم يكن هذا الأمر ثابت وبالعقل ومن المسلمات لما كان للاحتجاج به مكان.

مسألة وجوب متابعة العلم ليست مسألة جعليّة شرعيّة، بل مسألة وجدانيّة عقليّة، والقرآن هنا يخاطب العقلاء ولا يخاطب البهائم، فان العقل يدرك حسن العمل به وقبح مخالفته، ويدرك صحة عقاب المولى عبده المخالف لقطعه، وعدم صحة عقاب العامل بقطعه ولو كان مخالفا للواقع. وهذا أمر فطري وجداني عقلائي واقعي أزلي.

النقطة الثالثة: هل للشارع منع العمل بالقطع؟ [5]

منشأ البحث في هذه النقطة الثالثة انها نشأت من بعض كلمات الاخباريين بالخصوص وسننقل بعضها التي توحي بان العقل ليس أصلا مدركا للأحكام الشرعيّة. ومن نفس كلماتهم سأبيّن انهم يقولون بحكم العقل وما نذهب اليه نحن. وبهذا تكون المصالحة بالدليل بين الأطراف.

لا شك ولا ريب ان ليس للشارع منع عن العمل بتأثير القطع بعد ما بيّن كل ما بيّناه بان المسألة وجدانيّة وأنه من اللوازم القطعيّة، فكما لا يجوز له نفي حسن العدل ونفي قبح الظلم فكذلك لا يجوز له نفي وجوب العمل بالقطع فهذا محال. فانه كما لا يجوز نفي الأحكام العقليّة كذلك لا يجوز نفي اللوازم العقليّة.

اشكال وردّ:

الاشكال: من الممكن عقلا للمولى ان يقول لعبده: لا تعمل بما تراه ولو كان قطعيا، وافعل ما يأمرك به فلان، فهل هذا من مصاديق مسألتنا؟

 


[5] ملاحظة: ان منشأ النقطة الثالثة هو كلام الاخباريين عندما قالوا ان العقل ليس دليلا على الحكم الشرعي فلا يجب متابعته، بل يجوز المنع عنه. وملخص الكلام في ذلك اننا سنتعرّض في المسألة لكلام الاسترآبادي والمحقق البحراني، وانه ليس هناك فرق بين الأصوليين والاخباريين، حاولوا ان يجعلوا منهما فريقين، وليس كل اختلاف في المسائل والقواعد يجعل من المختلفين فريقين، فالاختلاف في المدارك كما في حجيّة الإجماع وحجيّة الشهرة وبعض الاحكام الشرعيّة، هذا رأي وقناعة ولا يصل إلى درجة ان نكون فريقين. لذلك أطلت البحث في هذه النقطة فلا داعي لتكثير الفرق والقول بان هذه الفرق أصبحت من المسلمات وموجودة ونحاول ان نجد الفرق الجوهري بينها، مع العلم انه ليس هناك فرق. فصاحب الحدائق (ره) اخباري ولكنه يستدل اصوليا مثل صاحب الجواهر (ره)، بل وأكثر أحيانا، فلا يوجد فرق بينهما. نعم هناك فرق في بعض المباني الفقهية والاصولية فهذا لا يجعلهما فريقين. وهنالك امثلة كثيرة في الاختلافات فلا داعي لسردها كلّها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo