< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     النقطة الثالثة: هل يجوز للشارع منع حجيّة القطع؟

     لا شك في عدم صحّة ذلك وجدانا بعد الانكشاف الكامل، وللزومه اجتماع الضدين.

     نقل كلام الاخباريين في عدم جواز العمل بالقطع ان كان ناشئا من غير الكتاب والسنّة.

     مناقشة الشيخ الانصاري (ره) لهم: إن كان مرادهم بعد الانكشاف فهذا محال.

النقطة الثالثة: هل للشارع منع العمل بالقطع؟ [1]

أي هل أستطيع أن أقول لك قطعك ليس حجّة عليك، ولا يجب عليك متابعة قطعك والجري على مقتضاه؟

بل هل يجوز لمطلق المولى، وتتفرّع عنها نقطة مهمّة وهي: هل يجوز للشارع تقييد الموضوع بالقطع؟

مثال على ذلك في الجهر والإخفات في الصلاة، إذا علمت بالوجوب وجب الجهر ومع عدم العلم صحت الصلاة مع الاخفات، كأنما قيّد وجوب الجهر بالعلم به.

وذكر الأصوليون أن تقييد الحكم بالعلم به أو تقييده العبادة بداعي أمره، دور، أي إذا علمت بالوجوب وجب، فالوجوب كان في مرحلة سابقة فكيف يصبح واجبا بعد العلم، فالعلم لا علاقة له بالحكم، فنفس الجعل محال ان نتخذ العلم جزءا أو شرطا فيه.

منشأ البحث في هذه النقطة الثالثة أنها نشأت مما نسب إلى كلمات بعض الاخباريين بالخصوص وكما نسب ذلك إلى أبناء العامّة، وسننقل بعضها التي قد يستظهر منها بأن العقل ليس أصلا مدركا للأحكام الشرعيّة. قالوا ان القطع ان لم يكن عن طريق الكتاب أو السنّة فيجوز للشارع المنع من العمل بالقطع، وقد ورد " ان دين الله لا يصاب بالعقول" وهذا يعني انه ان قطعت بالحكم بواسطة عقلك لا بواسطة الكتاب والسنّة فلا قيمة له.

ومن نفس كلماتهم سأبيّن انهم يقولون بحكم العقل وان الاخباريين على حق والاصوليون على حق ولا توجد فرقتان: أصولي واخباري.

فالانصاف القطع انكشاف، وبعد الانكشاف حكم العقل يقتضي ويلزمه متابعته والجري عليه، إذن لا يمكن للشارع ان ينفي العمل بالقطع، فحجيّة القطع محال نفيها، فبمجر الانكشاف يلزمه عقلا العمل على طبقه، فلا يحتاج إلى جعل وغير ذلك. ومعنى ذلك ان نفي العمل بالقطع أيضا محال ولا يحتاج إلى ادلّة، كما ذكر صاحب الكفاية (ره) بان نفي العمل بالقطع يؤدي إلى اجتماع الضديّن حقيقتا عند الاصابة ومطلقا عند الخطأ.

أذن بالفطرة والوجدان القطع يعمل به وذلك موجود حتى عند الاخباريين فاين مكمن الخلل في كلامهم؟

الحقيقة انه ليس هناك خلل، نعم في مقام التعبيرات قد يكون وقع الاشتباه، وسنصل إلى ان هناك تخريج مهمّ في المسألة، وكذلك في إدخال الفلسفة في الاستنباط، وإدخال حكم العقل في الأصول والفقه. وسنتعرّض أيضا إلى الجو العلماني اللاديني الواسع في بعض النقاط العقائديّة.

لا شك ولا ريب ان ليس للشارع منع العمل بتأثير القطع بعد ما بيّن كل ما بيّناه بان المسألة وجدانيّة وأنه من اللوازم القطعيّة العقليّة، فالحجيّة معناها الجري على طبق القطع ومتابعته، فانه كما لا يجوز نفي الأحكام العقليّة كذلك لا يجوز نفي اللوازم العقليّة. فكما لا يجوز له نفي حسن العدل ونفي قبح الظلم وبطلان اجتماع النقيضين، أي في أحكام العقل العملي والنظري، فكذلك لا يجوز له نفي وجوب العمل بالقطع، فهذا محال وإلا يلزم اجتماع الضدين وغير ذلك.

اشكال وردّ:

الإشكال: قد يقال من الممكن عقلا للمولى أن يقول لعبده: " لا تعمل بما تراه ولو قطعت به، وافعل ما يأمرك به فلان "، وكذلك الأمر بالنسبة للشارع فيستطيع ان يقول لا تعمل بقطعك اعمل بما تقوله السنّة وما في الروايات، فهل يستطيع ذلك أو لا؟

ومثال على ذلك ما قاله معاوية لقائد الجيش الذي أرسله إلى الحجاز بعدما استنصره عثمان بن عفان: " فأرسل جيشا إلى تخوم الحجاز وقال له قف على أبواب الحجاز حتى يأتيك أمري ولا تقل ما يراه الحاضر لا يراه الغائب ". أي لا تعمل برأيك حتى لو رأيت عثمان سيقتل قطعا [2] . وتطبيق ذلك كما قال الاخبارييون انت لا تعمل بقطعك وخذ الاحكام من الكتاب والسنّة.

الرد: نفس المثال ممكن وصحيح، ولكن الأمر إلى العبد حينئذ لا يكون من حيثيّة كونه عاقلا، بل من حيث كونه آلة محضة مسلوبة العقل والإرادة.

سنبيّن عبارات الاخباريين وانهم أرادوا شيئا آخر وارادوا ما أراده الأصوليّون، وهو ما نذهب اليه.

مع الاخباريين: يقول الشيخ الانصاري (ره) في رسائله: " أنك قد عرفت: أنه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين أسباب العلم، (أي سواء كان في الكتاب والسنّة أم من غيره كحكم العقل) وينسب إلى غير واحد من أصحابنا الاخباريين عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية القطعية الغير الضرورية، لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها، فلا يمكن الركون إلى شيء منها.

(مناقشة الدليل منه): فإن أرادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع، فلا يعقل ذلك في مقام اعتبار العلم من حيث الكشف، ولو أمكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله في القطع الحاصل من المقدمات الشرعية طابق النعل بالنعل.

وإن أرادوا عدم جواز الخوض في المطالب العقلية (كالفلسفة) لتحصيل المطالب الشرعية، لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها،... نكمل ذلك غدا ان شاء الله. [3]

 


[1] ملاحظة: ان منشأ النقطة الثالثة هو كلام الاخباريين عندما قالوا ان العقل ليس دليلا على الحكم الشرعي فلا يجب متابعته، بل يجوز المنع عنه. وملخص الكلام في ذلك اننا سنتعرّض في المسألة لكلام الاسترآبادي والمحقق البحراني، وانه ليس هناك فرق بين الأصوليين والاخباريين، حاولوا ان يجعلوا منهما فريقين، وليس كل اختلاف في المسائل والقواعد يجعل من المختلفين فريقين، فالاختلاف في المدارك كما في حجيّة الإجماع وحجيّة الشهرة وبعض الاحكام الشرعيّة، هذا رأي وقناعة ولا يصل إلى درجة ان نكون فريقين. لذلك أطلت البحث في هذه النقطة فلا داعي لتكثير الفرق والقول بان تعدد هذه الفرق أصبح من المسلمات، وموجودة ونحاول ان نجد الفرق الجوهري بينها، مع العلم انه ليس هناك فرق. فصاحب الحدائق (ره) اخباري ولكنه يستدل اصوليا مثل صاحب الجواهر (ره)، بل وأكثر أحيانا، فلا يوجد فرق بينهما. نعم هناك فرق في بعض المباني الفقهية والاصولية لكن لا يجعلهما فريقين. وهنالك امثلة كثيرة في الاختلافات فلا داعي لسردها كلّها.
[2] وهذا يشير أن معاوية كان يريد أت يقتل عثمان ليستغل قتله في تجييش الناس لحرب علي (ع).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo