< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     نقاش الشيخ الانصاري (ره) للاخباريين.

     إما ان يكون النهي بعد الانكشاف، فهذا محال للزوم اجتماع الضدين.

     وإما قبله بمعنى عدم جواز الخوض في المطالب العقليّة للوصول إلى الأحكام الشرعيّة، فهذا لا دليل عليه.

     التحقيق: ذكر النصوص التي تمنع العمل بما يكون مستنده العقل، وذكره النصوص التي تعظّم العقل وتوجب الرجوع إليه. وهل هاتان الطائفتان متعارضتان؟

 

بعد بيان كلام الاخباريين من المنع بالعمل بالحكم الشرعي الذي نصل اليه بحكم العقل سواء كان بالمستقلات العقليّة أو غيرها على نحو القطع من غير الكتاب والسنّة، نعود لكلام الشيخ الانصاري (ره).

(مناقشة دليل الاخباريين): فإن أرادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع، فلا يعقل ذلك في مقام اعتبار العلم من حيث الكشف، ولو أمكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله في القطع الحاصل من المقدمات الشرعية طابق النعل بالنعل.

وإن أرادوا عدم جواز الخوض في المطالب العقلية (كالفلسفة) لتحصيل المطالب الشرعية، لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها، فلو سلم ذلك وأغمض عن المعارضة بكثرة ما يحصل من الخطأ في فهم المطالب من الأدلة الشرعية، ( مثلا "ورد في الرواية انه يكره الاستعانة في الوضوء بغيره" فهم منها الفقهاء ان تقوم بالوضوء بنفسك دون الاستعانة بالغير، لكن ابن الجنيد فهم ان الرواية تدل على الاستحباب وليس على الكراهة، من انه إذا كان هناك ثواب بالوضوء لا تجعله لغيرك بل دعه لنفسك فلا تستعن بغيرك. لا بد أن أحد الفهمين صحيح والثاني خطأ. نفس الرواية فقهاء فهموا منها الكراهة وهو (ره) فهم منها الاستحباب ).

كلام الشيخ الانصاري (ره): فله وجه (فيجب ان نتوقّف)، وحينئذ: فلو خاض فيها وحصل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعي لم يعذر في ذلك، لتقصيره في مقدمات التحصيل. إلا أن الشأن في ثبوت كثرة الخطأ أزيد مما يقع في فهم المطالب من الأدلة الشرعية. [1] انتهى كلامه رفع مقامه.

إذن يقول الشيخ الانصاري (ره): لكن من يقول بأن من يتّكل على العقل يخطأ أكثر ممن يتّكل على فهم النصوص.

ثم يذكر (ره) كلاما في المقام للمحدث الاسترابادي (ره) الذي هو من كبار المحدّثين أي الاخباريين، وكذا المحدث البحراني (ره) والسيد الصدر (ره) في الوافية. وأكرر انه ليس هناك فرق بين الأصوليين والاخباريين، حاولوا ان يجعلوا منهما فريقين، وليس كل اختلاف في الرأي والمسائل والقواعد يجعل من المختلفين فريقين ومذهبين، فالاختلاف في المدارك كما في حجيّة الإجماع وحجيّة الشهرة وبعض الاحكام الشرعيّة، هذا رأي وقناعة ولا يصل إلى درجة أن نكون فريقين.

والتحقيق: لعدم الاطالة في سرد الكلمات نقول في مقام التحقيق:

أولا ما الداعي لما ذكره الاخباريون بأن العقل ليس حجة في مقام الاستدلال مع العلم ان القطع انكشاف ولا يمكن الردع عن حجيّته والعمل به؟

لعلّ الداعي إلى ما نسب إلى بعض الأصحاب ممن نسب إلى الاخباريين، هو بعض ما ورد عن أهل البيت (ع) من نصوص في عدم حجيّة العقل مثل: "إن دين الله لا يصاب بالعقول" ومثل: " حرام عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا " ومثل: " لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وحجّ دهره وتصدّق بجميع ماله ولم يعرف ولاية وليّ الله فتكون أعماله بدلالته فيواليه ما كان له على الله ثواب ". ومثل: " من دان بغير سماع من صادق فهو ... كذا وكذا ". وهكذا من الروايات العديدة بل بالعشرات التي تدلّ بظاهرها على وجوب توسط المعصوم في تبليغ الاحكام، فهو الحجّة دون غيره.

وفي المقابل أدلّة على تعظيم العقل ودوره ووجوب الالتزام بحكمه، ففي القرآن الكريم: ورد كثيرا مطلقا بلا تخصيص ﴿أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾ [2] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [3] و ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [4] ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [5] وفي الحديث: " ان العقل مما يعبد الرحمن به " و " إن لله تعالى حجتين: حجة ظاهرة وهي الأنبياء وحجة باطنة وهي العقل ". و " إنه يكسب به الجنان " و " يا عليّ، إنّ أوّل ما خلق الله العقل فقال له: أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك، بك آخذ وبك اعطي وبك اثيب وبك اعاقب ". ذكر الكليني (ره) في الكافي في الأصول في باب العقل الكثير من هذه الروايات.

فهل تتعارض هذه الأدلّة؟

نقول: لا تعارض بينهما، وإنا كانا اطلاقين وليس بينهما تخصيص. وذلك لأن حكم العقل على قسمين:

غدا نكمل ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo