< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     الاحكام العقليّة قسمان: الأول فطري خال من شوائب الأوهام وهذا لا خلاف فيه. والثاني مشوب بوهم أو استحسان، فهذا لا حجة فيه. وبهذا يظهر التصالح بين الروايات المتعارضة ظاهرا في حكم العقل.

     مع رواية ديّة قطع الأصابع. السند فيها معتبر.

 

بعد التذكير بما مرّ بما فهم بعضهم من كلام الاخباريين بان العقل ليس مدركا لاستنباط الاحكام الشرعيّة لسبب:

أولا: كثرة الخطأ من الاحكام التي منشأها المدارك العقليّة.

ثانيا: ما ورد في الروايات من النهي عن العمل بالمدارك العقليّة مثل " إن دين الله لا يصاب بالعقول".

وثالثا: ما ورد من الروايات من ان ما كان من عن غير طريق الأئمة (ع) ليس مدركا للحكم الشرعي.

إذن ظهر انه لا يجوز العمل من غير الكتاب والسّنة.

ففي مقام الجواب على الدليل الأول، قالوا ان هناك أيضا كثرة الخطأ في ما كان مدركه الكتاب والسنّة.

وفي جواب الدليل الثاني ان دين الله لا يصاب بالعقول فسنبيّنها، ومعناها النهي عن الاستحسان والقياس.

واما ما ورد في النهي عن الأخذ بحكم العقل فقد ورد أيضا في المقابل روايات تدل على قداسة العقل ونزاهته وجوب الرجوع اليه وأنه أفضل خلق الله عز وجل.

يأتي السؤال هل تتعارض ادلّة النهي عن العمل بحكم العقل والادلّة الدالة على وجوب الرجوع إليه؟

نقول: لا تعارض بينها، وإن لم يكن بينهما تخصيص. وذلك لأن حكم العقل على قسمين:

الأول: قسم فطري خال من شوائب الأوهام، وهذا حجّة من حجج الملك العلّام على خلقه، وذلك كحكم العقل بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النقيضين لا يجتمعان، فلا علاقة لحكم العقل والنقل والفلسفة هنا، فإذا جاء نقل أو قرآن وقال بان الواحد ليس نصف الاثنين فلا نصدقه، وقطعا لم يرد ذلك، ولو ورد فإما ان نطرحه أو نؤوله، فالمسألة وجدانية لا تحتاج إلى دليل. وهذا لا يقع الاختلاف فيه إلا من ذوي الشذوذ العقلي أو وجود بعض الاوهام.

فحكم العقل حكم وجداني لا يحتاج إلى دليل أصلا فهو الأساس في كل شيء.

الثاني: قسم فيه كثير من الظن والاستحسان وان خاله صاحبه انه صاف، كما في الفلسفة حيث يوجد رأيان لا يتكلان على نقل ابدا ولا يستندان لا إلى قرآن ولا إلى سنّة ومع ذلك يختلفان مثلا: في الفلسفة اليونانيّة القديمة والفرعونيّة: " هل الأصل في الأشياء التغيّر أو الثبوت "، فذهب بعضهم إلى التغيّر وذهب آخرون إلى الثبوت مع ان العقل البشري واحد، فلماذا حصل هذا الاختلاف في الأمور العقليّة المحضة مع العلم ان أصلها ليس نقليا؟ وما هو سببها ومنشؤه؟

الظاهر ان الخلل ينشأ من هذه الناحية، هو استحسان أو وهم يظنّه صاحبه حكما عقليا، فلا يكون فطريا وجدانيا وإن حسبه صاحبه كذلك، لكنه يلتفت إلى الخلل عند الفاته إليه، فهذا القسم الذي يظن صاحبه انه حكم عقلي هو المنهي عنه.

وقد كثرت في عهد الصادق (ع) الأقيسة الظنيّة وكثر اعتبارها والاستحسانات، والاستحسان هو:" تقديم قياس جلي على قياس خفي "، وما شاكلها.

وقد لاحظت كلمات المحدث الاسترآبادي والبحراني في مقدمة الحدائق وكلمات السيد الصدر في الوافية كما نقلها الشيخ الانصاري (ره) في كتاب الرسائل، فوجدتها تذهب إلى ما ذكرناه من التحقيق من ان هناك قسمين كما ذكرنا، حكم صاف من الأوهام، وحكم عند الانتقال فيه من المعلوم إلى المجهول يحصل خلل معيّن يؤدي بصاحبه إلى الذهاب إلى حكم آخر.

لذلك قلنا ان أهم مرحلة في استنباط الحكم الشرعي، ان هذا الحكم من أي قبيل، هل هو نقلي أم مسألة لغويّة أم مسألة عقلائيّة أم عقليّة أم انها مسألة ظهورات وإلى غير ذلك؟ فإذا وضعنا المسألة في الخانة الصحيحة نصل للحكم الصحيح، فإذا كانت المسألة في خانة الظهورات لا معنى ان اعمل في الظهور المسألة العقليّة كما فعل الشيخ الانصاري (ره) في مسألة رجوع القيد للهيئة أو المادّة، فالمسألة مسألة ظهوريّة أدخل فيها مسألة عقليّة وهي: أن الهيئة معنى حرفي والمعنى الحرفي لا يقيّد، لأنه جزئي. فالمفروض أن يقول: حتى مع وجود بعض الإشكالات العقليّة لكن المسألة مسألة ظهور لفظي ولا علاقة للمسألة العقليّة هنا.

ولذلك لا أجد تناقضا بين الادلّة ولا بين الفقهاء في ذلك. بل قد صرّح بعض المحدثين والاخباريين بذلك.

مع رواية دبّة قطع الأصابع:

قد يقال ماذا تفعل برواية ديّة الأصابع عند قطعها التي يظهر منها انها خلاف الحكم العقلي.

هناك رواية قد يستظهر البعض منها عدم حجيّة القطع الناشيء من أمر اعتبره عقليا وهي ما ورد عن أبان بن تغلب عن الصادق (ع): ح 1 محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة، كم فيها من الديّة؟ قال: عشر من الإبل، قال قلت: اصبعين؟ قال عشرون، قلت: قطع ثلاثة؟ قال: ثلاثون، قلت: قطع اربعا؟ قال: عشرون، قلت: سبحان الله، يقطع ثلاثة فتكون عليه ثلاثون ويقطع اربعا فتكون عليه عشرون؟!! وكان يبلغنا هذا ونحن بالعراق فقلنا إن الذي جاء به شيطان.

قال (ع): مهلا يا أبان، هذا حكم رسول الله (ص) إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الديّة، فإذا بلغ الثلث رجع إلى النصف، يا أبان إنك أخذتني بالقياس، والسنّة إذا قيست محق الدين ". [1]

من حيث السند، الرواية صحيحة معتبرة.

ومن حيث الدلالة: هذا الرواية قد يستظهر منها توبيخ الامام (ع) لأبان في الرجوع إلى العقل وأحكامه، لكن التمعن في الرواية يظهر خلاف ما استظهروه، غدا نكمل ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo