< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

43/11/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     جواب على من استظهر من رواية ابان في ديّة قطع أصابع المرأة، ان القطع الناشئ من حكم العقل ليس بحجّة. وهو ان الرواية في مقام وجوب الالتفات إلى كل الملاكات المؤثرة في الحكم، حيث توهم ابان ان الملاك الوحيد هو القلّة والكثرة، ولفت الامام (ع) نظره إلى وجود ملاك آخر وهو معاقلة المرأة الرجل إلى النصف.

     الإشارات في الروايات الدالة على ذلك.

 

قبل ان نعود للرواية، لا بد من بيان جواب على ما ذكره بعض الاخوة الطلبة الفضلاء. [1]

ومن حيث الدلالة رواية ابان: كأنه يستظهر منها ان الشارع المقدّس لا يريد حكم العقل، فقد يستظهر من الرواية توبيخ الامام (ع) لأبان في الرجوع إلى العقل وأحكامه كما استظهر منها بعض الاخباريين انها منع لحجيّة العقل.

نقول قبل كل شيء ان حجيّة العقل وجدانيّة فطريّة ارتكازيّة، فإذا جاء ما يخالف العقل امنعه إما تأويلا وإما ابطالا.

الرواية أولا سندها معتبر، والامام (ع) يشير إلى نقطة مهمّة جدا وهي لا تعتبر ما ادركه عقلك هو الملاك التام للحكم، ففي مقام التطبيق يجب ان تلتفت لنفسك.

ان التمعن بالرواية يظهر خلاف ما استظهروه بل بالعكس الامام يريدنا ان نعمل بالعقل ونُحكمِّ العقل، لكن لا نطبق القاعدة على خلاف مصداقها، وذلك بالالتفات إلى ملاك واحد، بل يجب النظر إلى كل الملاكات.

يشير إلى ذلك أمور:

أولا: صرّح الإمام (ع) ان هذا قياس أي القياس الظني وليس القياس بالمعنى اللغوي بل بالمعنى الاصطلاحي الذي كان سائدا بين الفقهاء ذلك الزمان، وهو القياس الظني وليس القياس القطعي، ونحن نعلم ان القياس على اقسام: قياسا قطعيا وهو حجّة قطعا واجماعا الذي هو القياس المنصوص العلّة، وقياس الاولويّة، وقياس العلّة الظاهرة، نعم القياس المنهي عنه هو القياس الظني المستنبط العلّة استنباطا ظنيا.

الذي أسقط الإمام (ع) حجيته هو قياس العلّة المستنبطة الظنيّة، الذي كان باصطلاح أبان، وهو اصطلاح فقهي وليس بالمعنى اللغوي، أي ليس مطلق القياس والتجاوز من شيء إلى شيء آخر.

ثانيا: إن الإمام بيّن أن الإنسان قاصر في كثير من مدركاته، فقد توهم أبان كما كثير من الناس أن الملاك الوحيد في المسألة هو القلّة والكثرة، وحينئذ استنكروا حكم الامام (ع). لكن الامام (ع) بيّن ملاكا آخر يجب تحكيمه لم يلتفت إليه أبان وهو معاقلة المرأة الرجل إلى نصف الديّة ورجوعها بعد ذلك، وهو ما لم يلتفت إليه أبان. ولذا كان قياس أبان قياسا ظنيا لا قياسا قطعيا. [2] فهناك ملاكات أخرى لا ندركها مثلا في كفارات الحج عند المخالفة في المرّة الأولى يكون عليه شيء وفي المرّة الثانية شيء وكذلك الثالثة، اما في المرّة الرابعة فلا يكون عليه شيء، كيف يمكن تقبل ذلك فإذا ارتكب الحاج معصية في المرّة الأولى والثانية والثالثة يكون عليه الكفارة اما في الرابعة لا كفارة عليه، للوهلة الأولى يجب ان تزيد الكفارة. فبالملاك الأول الكثرة والقلّة تؤدي إلى زيادة الكفارة، اما مع وجود ملاك آخر وهو ان يشعر ان العاصي قد تجاوز حدّه، فلا تجدي الكفارة حينئذ، لان الكفارة ستارة العيوب ومخففة آثار الذنوب، فحينئذ لا تجدي الكفارة، ولا تثبت عليه، وهذا ليس تخفيفا عنه بل زيادة قصاص عليه، وهذا لا يلتفت له الناس، فليس كل الملاكات يدركها الانسان.

فهذا هو مراد الامام (ع) في الرواية. من هنا لا تصلح الرواية للردع عن العمل بالعلم والقطع وحكم العقل.

النتيجة: أن القطع حجّة ذاتيّة لا بجعل جاعل، مهما كان سبب القطع، سواء أكان من الكتاب والسنّة أم من غيرهما، شرط أن يكون بديهيا فطريا لا تشوبه شائبة الأوهام، والذي أراه أنه محل إجماع بين أصحابنا جميعا ممن يسمين أصوليين أو أخباريين. [3]

 


[1] ذكر ان معادلة واحد زائد واحد تساوي اثنين، هذا الحكم العقلي يحكم به العقلاء ويختص بها الانسان العاقل والمجانين، لا يدركونه بل يمكن ان يحكموا بغير ذلك. نعم حجيّة القطع فطريّة حتى عند المجنون، هناك فرق بين حجيّة القطع وحكم العقل. الواحد زائد واحد والنقيضان لا يجتمعان احكام عقلية وجدانيّة فطرية يحكم بها العقلاء دون غيرهم، نعم القطع حجّة يحكم به كل مخلوق حتى المجنون والحيوان. وذكر أمس الأخ السيد محمد بيتين من الشعر نسبا لأمير المؤمنين علي (ع) وذكرنا أمس ان ما يسمى بالأحكام العقليّة على قسمين: قسم عقلي خال من الشوائب والاوهام وجداني فهذا لا مشكلة في كونه مدركا للأحكام الشرعية. وقسم عقلي تشوبه الشوائب والاوهام في الواقع هو استحسانات، ومن هذا الباب الالتفاتات الفلسفيّة، لذلك يختلفون مع ان العقل واحد؟ ذكرنا ذلك أمس، وقلنا ان عقله هو الذي اقتنع بها فقناعته حجّة عليه لا على غيره لانها ليست من الأمور العامة الشاملة التي لا تشوبها الاوهام. الشعر الذي نسب لأمير المؤمنين: العقل عقلان: مطبوع ومسموع فلا ينفع مطبوع إذا لم يكن مسموعا، كما لا ينفع ضوء الشمس وضوء العين ممنوع.أولا هذا البيت مكسور كوزن، وهذا البيتان ليسا موجودين في نهج البلاغة ولا في المصادر الشيعية، ذكرهما الراغب الاصفهاني في كتابه: المفردات في غريب القرآن ص342. اما من حيث الدلالة العقل المطبوع ناشئ من الطبع البشري الذي لا تشوبه الشوائب والاوهام، والمسموع لا يسمى عقليا كمصطلح بل هو كسبي منقول متعقّل. ثانيا: لماذا لا ينفع مطبوع إذا لم يكن مسموعا؟! في هذين البيتين إشارة إلى انه حتى الفطرة البشريّة قد تتلوث، مثلا قول الشيوعيين بان النقيضين يجتمعان واوهموا الناس بذلك، وقالوا أيضا بان الله غير موجود وناقشوا بذلك. هذه الأشياء الفطريّة تلوثت فمن وظائف الأنبياء أولا بيان التشريعات، وثانيا إعادة الانسان إلى فطرته فتكون مسموعة، فهذا المسموع يعيد المطبوع إلى واقعه، أي الطبع إلى فطرته. فيمكن تفسير البيتين بذلك فكل انسان يولد على الفطرة إلا ان يأتي ابواه فيهودانه وينصرانه فيتلوّث، ثم يأتي الإسلام فيمنع هذا التلوّث، فيكون هو هذا المسموع. هذا الذي افهمه من البيتين إذا تمّا. تمّت النسبة للإمام (ع). والخلاصة: ان المطبوع من الطبع أي الفطرة، وقد تحتاج إلى مسموع أي النقل من أجل منع تلوثها.
[2] احتى علماء العامة في معنى الاستحسان قالوا: " هو تقديم قياس على قياس "، هناك قياس واضح ثم يأتي قياس خفي لم نلتفت اليه ويأتي التنبيه عليه. فيقدم القياس الخفي على القياس الواضح الجلي أو العكس.
[3] جواب على سؤال فيه تذكير: قلنا ان حجيّة القطع ليس من سيرة العقلاء، وقلنا سابقا ان السيرة العقلائية ليست مصدرا لجعل الحكم، لان السيرة بالاصطلاح هي ما كانت ناتجة عن عادات نشأت لسد حاجات، اما حجية القطع فليست لسد حاجات ابدا، نعم الذي قال هذا الكلام مراده من السيرة البناء، وبناء العقلاء مرادهم حكم العقلاء وليس حكم العقل، وهذا ممكن لا اشكال فيه. فرق بين حكم العقلاء وحكم العقل بيّن ذلك سابقا. وقلنا ان هناك مشكلة عند الأصوليين بالخلط بين بعض المصطلاحات، تركيز المصطلح له اثر كبير في فهم المطلب. بناء العقلاء تارة يستعمل بمعنى حكم العقلاء كما في العدل حسن، وهذا ليس سيرة عقلائية بان العدل حسن، هذا حكم عقلائي لان السير مسلك اعتاد الناس عليه، تارة تكون بعض العادات خاصّة لبعض الاقوام وتارة عادات عامّة مستمرّة، مثلا: العمل بالخبر الواحد هذا مسلك نتيجة حاجة وهي تبادل المعلومات.المشكلة في كتب الأصول انها تتحدث عن بناء العقلاء وهي تنطبق على السيرة وتنطبق على حكم العقلاء أيضا. لذلك نقول حجيّة القطع ليست سيرة قطعا وإذا قال بها شخص يكون مخطأ. فالمراد من السيرة عند من قال بذلك هو البناء وهو خصوص الحكم العقلائي، لذلك القطع ليس قابلا لجعل فاعل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo