< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     استطراد فكري وعقائدي.

     انتشار الفكر التشكيكي حتى برر سقوط المسلمات.

     تغير تعريف مباحث العلم من البحث عن الحقائق إلى البحث عن حلّ المشاكل.

     الجواب ان الذي سقط ليس البديهيات بل ما البسوه ثوب المسلّم.

     الخلاصة: أهم مرحلة في تحقيق أية مسألة هو جعلها في أية خانة.

 

بعد التذكير بما مرّ والتعليق على مصطلح ان هناك اخباريين واصوليين، وقلنا انه مصطلح اخترع اختراعا، وقد تكون من قبل جهة اجنبيّة، فالاختلاف على مسألة ليست عقائدية واساسيّة، كالاختلاف على مقدمّة الواجب بانها واجبة أو غير واجبة فهذا الاختلاف لا ينتج مذهبين أو تيارين أو قسمين، وهكذا مسألة ما حكم به العقل حكم به الشرع، وقلنا ان المراد بما حكم به العقل حتى عند الاخباريين ليس المراد منه ان البديهيات العقليّة لا نعمل بها، هذا الكلام غير سليم. مرادهم ما كان فلسفيا ظنيا، لأنهم قالوا: " ان حكم العقل الذي لا تشوبه الأوهام هو مستند لحكم شرعي "، ولذا قال الاسترآبادي ان الأمور العقليّة نظريات يختلفون عليها فان حكم العقل قد ينقض. ومن المعلوم ان حكم العقل لا ينقض إذا كان واحدا ولا تشوبه الأوهام، الذي ينقض هو ما نظنّه حكما عقليا لا تشوبه الأوهام، نعم لا مانع ابدا من التفكير الفلسفي.

هذا فكر صحيح نفكر به لكن ان نجعله أساسا لحكم شرعي ليس مرتبطا بها امر خطير جدا، إن أهم مرحلة في التحقيق في أية مسألة هي جعلها في أية خانة، فهل يجوز جعل المناط في المسألة اللفظيّة أمورا فلسفية كالمقولات العشر أو اصالة الماهيّة أو اصالة الوجود، المسألة لفظية اضعها في خانة الالفاظ وابحثها لفظيا لا فلسفيا. لذلك حصل تخبّط عند الأصوليين عندما ادخلوا أمور فلسفة عقليّة غير بديهيّة في عالم الظهورات اللفظية.

فلذلك قلنا ان المرحلة الأولى وهي الأهم في بحث المسألة هي ان نجعلها في أي خانة واي مبحث، في الملازمات العقليّة أو في مباحث الالفاظ. لذلك قلنا أيضا انه من أهم وأجمل التقسيمات تقسيم الشيخ الاصفهاني لمباحث الأصول الذي اعتمده أيضا الشيخ المظفر. الشيخ محمد حسين الاصفهاني، قسم الأصول إلى: مباحث الالفاظ ومباحث الملازمات العقليّة ومباحث الحجّة ومباحث الأصول العمليّة. ونحن اكملناهها بالمنهجيّة التي ذكرناها: ان نبحث الأصول بمنهجيّة: الشبهة الحكميّة، والشبهة المفهوميّة والشبهة المصداقيّة. فتتم مباحث العلم ولا نقع في الخلل الذي وقع به العديد كالشيخ الانصاري (ره) في منهجيّة تفكيره كما في ارجاعه القيد للمادة لا للهيئة. فالمسألة لفظية ولا علاقة لها بالمسألة الفلسفيّة العقليّة، لان ما استند إليه في إشكاله على رجوع القيد للهيئة هو أمر تشوبه الأوهام، وليس من الأمور الواضحة التي لا تشوبها الأوهام.

من هنا نتعرض لاستطراد فكري وعقائدي.

استطراد فكري وعقائدي: نسمع في أيامنا هذه في الجامعات وفي عالم الفكر – او ما يسمى بالعالم الثقافي – تنتشر هناك فكرة أو فلسفة، الفلسفة اللاأدريّة الشكاكيّة لكن بثوب جديد جميل معاصر ان كل شيء تغيّر، واتعرض لهذا الاستطراد لخطورته حاليا وانتشاره بشكل واسع بين مجموعات من خريجي الجامعات.

نسمع التشكيك في كل شيء حتى في القطعيات والوجدانيات والفطريات، وقد انتشر هذا الفكر وهو فكر الشكاكين واللاأدريين القدماء، وقد البس بثوب عصري جديد وخصوصا في أوساط الشباب الجامعين. يقولون ان كل القواعد العلميّة من فيزيائية وكيميائية ورياضية وغيرها قد سقط ونسف قسم كبير منها. فكل نظريات علماء المسلمين ونيوتن وكويرنيكس قد سقطت، مثلا: القاعدة التي كانت مسلّمة: " لا شيء يعدم ولا شيء يخلق " نسفت ولم تعد مسلّمة. وكما كان مسلما عند اليونان انهم يرون أن الرؤية تكون بشعاع يخرج من العين إلى الشيء المرئي فجاء علماء المسلمين كابن الهيثم وابن الشاطر وأبطلوا ذلك وقالوا إن الرؤية تتم بشعاع من الشيء إلى العين. وهكذا بالنسبة لكون الأرض مسطحة أو أنها ثابتة، أو ان الشمس ثابتة ثم ابطلت كل هذه المسلمات.

وهذا يعني انه لا يوجد حقائق في الكون ولا مسلّمات كلها سقطت وبني عليها شيء آخر.

ولذا يحاولون تغيير تعريف مباحث العلم من: " البحث عن الحقائق " إلى " حلّ مشاكل " حيث انه لا حقائق في الكون بعدما سقطت قواعد العلوم، وليس هناك واقع ولا حقائق يبحث عنها، إذن العلم لم يعد بحثا عن حقائق، أصبح تعريف العلم كما ذكرنا " حل مشاكل " – الفلسفة النفعيّة -

والجواب على ذلك، نقول: انما سقط ما كنتم البستموه ثوب القواعد والحقائق والثوابت واليقينيات، ولم تكن سوى مجرّد نظريّة مثل نظريّة داروين، أو نظريّة " لا شيء يفنى ولا شيء يخلق "، وقد البستموه ثوب الحقيقة نكالا منكم وتعسفا. وانطلى على ذلك على جمهور المثقفين والطلاب المساكين في الجامعات. وبالتالي لا شك في إتيان اليوم التي سيسقط ما سوقتموه انه من اليقينيات والبستموه ثوب اليقين.

لكن الحقائق قطعا موجودة ثابتة، نعم، الذي اعتقده ان الدافع لنشر الفكر التشكيكي هو تضييع الشباب، بإهامهم انه لا توجد حقائق في الكون، وبالتالي لا يوجد صحيح ولا خاطئ ولا حرام ولا حلال، وأكثر من ذلك التشكيك في الخالق والنبي والوجود المكاني البديهي، وبالتالي تسهل السيطرة عليهم بواسطة وسائل التأثير على الاذهان. وهم يمتلكون في هذا المجال طاقات مهمّة في وسائل الاعلام وغيرها.

خلاصة الكلام: لذلك الذي اعتمده أولا انه يجب ان اجعل البحث أي خانة فلا معنى ان اجعل مسألة من مسائل الملازمات العقليّة من مباحث الالفاظ مثلا: تجسيم الله عز وجل مسألة عقليّة لا معنى الاستدلال عليها بالنصوص، لذلك إذا كانت النصوص مخالفة كـ " يد الله فوق أيديهم " أحاول ان تأويلها، ولا معنى ان تكون المسألة عقليّة ابحثها في مباحث الالفاظ واجعل الفاظ المحكّم فيها هو اللفظ والعكس أيضا كذلك. اول واهم مسألة في عالم الاستنباط والتحقيق وليس فقط في علم الأصول والفقه والرجال والحديث بل وفي كل العلوم حتى الفيزياء والكيمياء والرياضيات في أكثر العلوم أول مرحلة في أي خانة يجب ان تبحث. لهذا ذكرت اهميّة تقسيم الشيخ الاصفهاني (ره)، نعم لا بد من تكملة، واكملناه بالمنهجيّة التي ذكرناها في التقسيم إلى الشبهة الحكمية والمفهومية والمصداقية وكيفيّة معالجتها بذلك يكتمل علم الأصول.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo