< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع

     النقض على القول بحرمة المتجرّى به بالعنوان الأوّلي بإتيان الصلاة قبل الفجر للقطع بتحققه، فلا قائل بالصحّة إجماعا.

     الحل: إن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد بغضّ النظر عن الكواشف.

 

بعد التذكير بما مرّ بان النهي عن المتجرّى به تارة يكون بعنوانه الأوّلي وتارة يكون بعنوانه الثانوي، وذكرنا ان شرب الماء على انه خمر بعنوانه الأوّلي أي صار معصية وصار محرّما وتترتب عليه الآثار من وجوب التأديب والتعزير أو الحدّ على قول أو سقوط العدالة، وليس بالعنوان الثانوي.

والوجه الأوّل في التحريم بالعنوان الأوّلي ان القطع له مدخلّية في متعلّق التكليف، وبيّنا قولهم بان المصالح والمفاسد موجودة في نفس الافراد بغض النظر عن القطع وعدمه لكن التكليف لا يكون إلا بالمقطوع به لان غير المقطوع به لا يتحرّك المكلّف تجاهه، ولا يكون الاختيار إلا بعد القطع.

إذن ملخص الدليل: التكليف لا يتعلّق إلا بالمقدور المقطوع بنفعه ويكون تحت اختيار المكلف. إذن صار للقطع مدخلية في متعلّق التكليف، سواء صادف الواقع أم اخطأه. فصارت حرمة المتجرّى به بعنوانه الأوّلي وليس الثانوي. أي أصبحت التكاليف تتعلّق بالمقطوع بالطبيعة لا بنفس الطبيعة بعنوانها الأوّلي.

والجواب: نقضا وحلا:

إما نقضا: فإن الاتيان بالمقطوع به لا يجزي عن الواقع.

فلو قطع المكلّف يتحقق الفجر وصلىّ، أي انت تصلّي عندما تقطع بوقوع الفجر، صار للقطع مدخليّة، فبناء على ان المتعلّق هو مقطوع الفجرية فلا تجب الإعادة.

ثم تبيّن له بعد ذلك عدم حصوله لَماَ اجزأه إجماعا لعدم تحقق المأمور به.

وقد اشتهر عند القوم أن الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري لا يجزي عن المأمور به بالأمر الواقعي.

فلو كان القطع له دخالة وانه تمام الموضوع لأجزى لأن المأمور به هو ما قطع بكونه صلاة في وقت الفجر، ولا أظن ان يلتزم به أحد من الفقهاء.

نعم ذكرنا في مبحث الإجزاء إمكان التفصيل بين القطع والامارات الظنيّة المعتبرة من قبل الشارع. وقلنا في مسألة إجزاء الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن المأمور به بالأمر الواقعي، وقلنا ان هناك اجماعا على عدم الإجزاء في ذلك [1] . نحن ميّزنا بين القطع وبين الأمارات وقلنا ان الوضوء أو العمل المكلّف به ان كان عن بيّنة أنا أميل إلى عدم وجوب القضاء وأقول بالإجزاء، أما إذا كان القطع من نفسك فلا اجزاء لانه مع قطعك تكون انت المسؤول، بخلاف ما إذا جاءك خبر الثقة والشارع امرك ان تأخذ بخبر الثقة، يكون الشارع هو المسؤول وهو الذي طلب منا الأخذ بخبر الثقة، وبالإجزاء حينئذ. هذا التفصيل لم يقل به أحد وانا الى حد كبير أقول به واميل إلى حد الفتوى به لكثر ثماره، لكن مخالفة الاجماع يدفعنا للاحتياط بعدم الإفتاء بذلك.

واما حلا: الحلّ مبني على أن الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها. ففي قوله تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ نستظهر أن الأثر وهو النهي عن الفحشاء والمنكر أثر لنفس الصلاة، لا لما قطع بأنه صلاة ولو لم يكن صلاة في الواقع.


[1] والامثلة كثيرة على ذلك: مثلا كان المكلّف يعتبر ان هذا الماء طاهر وتوضئ به وصلى بعد مدّة مديدة بناء على شهادة ثقة، ثم تبيّن أن هذا الماء نجس، قالوا اجماعا ان الوضوء باطل والصلاة باطلة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo