< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع: التجري.

     الجمع الأول بين الروايات المتعارضة هو ان القصد مع الاشتغال ببعض المقدمات محرّم معاقب عليه، اما مع عدمه فلا عقاب.

     الجمع الثاني: عدم العقاب لو كان الرادع من نفسه والعقاب على ما لو كان الرادع والمانع من غيره، واستدل له برواية: القاتل والمقتول كلاهما في النار.

     الجمع الثالث: وهو المختار انه رفع العقاب من قبل الله عز وجل من باب المنّة وتشير اليه الروايات من قبيل: يا آدم جعلت لك ...

كيفيّة رفع التعارض بين الطائفتين من الروايات:

قد يجمع بين هاتين الطائفتين بحمل الطائفة الأولى الدالة على العقاب بالقصد مع الاشتغال ببعض المقدّمات، والطائفة الثانية على مجرّد القصد من دون اشتغال وهذه ليس عليه عقاب فيها. ولكن هذا الجمع لا دليل عليه إلا ما قد يظن ان معنى " هم " في قوله تعالى " وهمّت به " هو القصد مع الاشتغال ببعض المقدمات. ولكنه لم يثبت ولذا فهذا الجمع مجرّد ارادة جمع. وكمثال عصري: اريد ان انشأ بناء مع النيّة بان اتعدّى على الشارع أو لا اقصر عنه التزاما بالنظام العام وهو ما فيه مصالح الناس - هذا الفعل حرام برأينا الشخصي – الروايات تقول انه لا اثم عليه نعم لو تعدّى اثم.

فالجمع الاول هو ان المعاقب عليه هو القصد مع الاشتغال ببعض المقدمات، والذي لا يعاقب عليه هو القصد من دون الاشتغال باي شيء.

وجمع آخر: تحمل الطائفة الأولى على ما إذا لم يرتدع عن قصده حتى حال بينه وبين العمل مانع قهري، والطائفة الثانية على ما إذا ارتدع من نفسه. وجعل الشاهد على هذا الجمع هو النبوي الدال على انه إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول كلاهما في النار. قيل: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال (ص) لانه أراد قتل صاحبه.

فان ظاهر التعليل هو إرادة القتل وعدم ارتداعه عن قصده بنفسه وعدم تمكّنه قتله لموته قبله، فلو ارتدع من نفسه فلا اثم عليه.

يقول الفقير إلى رحمة ربه والسداد: في الجمع بين الطائفتين: لقد اسلفنا استحقاق العقاب عقلائيا بمجرّد التجرّي، لأن المناط في العقاب هو ما في الجنان وهو الجرأة على المولى. ولان: " الهديّة هي على مقدار هاديها " قد يتصدق شخص بدينار وآخر بالف دينار، قد يكون ثواب المتصدق بالدينار اكثر بكثير من المتصدق بالألف، لان الثواب والعقاب يدور مدار الجنان - القلب والتوجه لله عز وجل -، امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) تصدق بخاتم ولم يكن من الذهب ولا الفضة وغير ذلك، ونزلت آية من عند رب العالمين بهذه الصدقة، ويقال ان بعضهم تصدّق بالكثير عسى ولعلّ ان تنزل آية، ولم تنزل فيه أيّة آية.

الثواب والعقاب يدور مدار الجنان والقلب لا دار الجوارح واللسن لذلك التجرّي وجدانا فيه عقاب، فللنوايا قيمة عند الله عز وجل " انما الاعمال بالنيات " فالنتيجة ان الفعل ليس محرما بشرب الماء على انه خمر مثلا، لكن العقاب هو على الجرأة على المولى. انما في الاحكام الوضعية - أي احكام أهل السلطة من أهل الدنيا الذين لا يرتبطون بالاسلام - لا قيمة للنية فلا ثواب عليها إلا مع الفعل. ولذا قيل ان الاديان جاءت ليسيطر الانسان على نفسه لا على الاخرين [1] وارجعت الأمور إلى نصابها " انما الاعمال بالنيات " أي ارجعت الثواب إلى النيّات، اما في الاحكام الوضعية السلطانية الدنياويّة فهناك قانون يطبق على الجميع، فإذا تمّ احتيال على القانون فلا عقاب وإن كانت النوايا سيئة.

السيد الخوئي (ره) كما ذكرنا سابقا ميّز بين مقام حرمة التجرّي وحرمة الفعل المتجرّى به. الفعل لا يأخذ قبحا ولا مفسدة من القطع بالمفسدة، لكن الثواب والعقاب يدور مدار النوايا فيعاقب على التجري على المولى.

إذن: عقلائيا يستحق المتجرّي العقاب هذا بالنسبة للمولى العرفي لكن الله عز وجل الرحمن الرحيم رأفة بالعباد خفّف عنهم ومنّ عليهم بأن أعطى الثواب على قصد الحسنة، واسقاط العقاب مع قصد السيئة ولم يعملها العبد.

لاحظوا قوله (ع) في الحديث الثامن: " يا آدم جعلت لك ان من همّ من ذريتك بسيئة لم يكتب عليه ... " فإن كلمة " لك " ظاهرة بانها منّه من الله تعالى على العباد. فإذا خالف المكلّف الواقع بما قطع به، كما لو شرب الماء على انه خمرا لم يفعل سيئة، ولكنه يستحق العقاب عقلائيا للتجرّي ومع ذلك فان لله برحمته رفع هذا العقاب، وفي المقابل ابقى الثواب، بل جعله عشرا " فله عشر امثالها " وهذا من كرمه عز وجل.

إذن المقام الأوّل وهو حرمة الفعل المتجرّى به: كل ما استدل به على حرمة الفعل الجائز شرعا كشرب الماء على انه خمر غير تام ، وان قالوا ان شرب الماء بنية الخمرية محرّم، لكن بيّنا بما لا مزيد عليه عدم تمامية أي دليل على ذلك، إذن الفعل المتجرّى به ليس محرما.

اما المقام الثاني فهو ان نفس التجري هل هو محرّم ومعاقب عليه أو لا؟


[1] وإن كان في هذه المقولة نظر وتفصيل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo