< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع: التجري.

     إذا قطع بان صومه مضرّ، فصام، ثم تبيّن عدم الضرر، فهل يصح صومه أم يجب عليه القضاء؟

تلخيص ما مرّ في الدروس السا بقة.

     الثمرة الثالثة: إذا قطع بأن صومه مضرّ، فصام، ثم تبيّن عدم الضرر، فهل يصح صومه أم يكون فاسدا؟ وهل يجب عليه القضاء؟

بتعبير آخر: صام معتقدا بالضرر ويعلم ويقطع بأن صومه ضرري، أي أنه يعلم بالكبرى ويعلم بالصغرى: الكبرى وهي أن الضرر محرم، والصغرى هي أن هذا الصوم ضرري، ومع ذلك تجرّأ على المولى عز وجل وصام، فالله عز وجل يطلب منه الافطار لكن نفسه أو الشيطان يزين له الفعل، لان الشيطان قد يأتي بثوب العبادة نفسها.

فهل هذا المتجرّي يصح صومه أم هو آثم ويجب عليه القضاء؟

فالجواب: اولا فلنميّز بين التجرّي نفسه وبين الفعل. نقول: الفعل نفسه بما انه صوم غير مضر واقعا، فإذن ليس محرما لا بالعنوان الأوّلي ولا بالثانوي، فالصوم في واقع الأمور ليس محرما .

اما التجرّي فالصوم باعتقاد الضرر تمرّد على المولى، فهو يستحق العقاب عقلائيا لكن الله عز وجل عفى عنه.

وبناء على ان الفعل معصية يكون قد ارتكب معصية، فإذا كانت المعصية محرمة فتكون من تطبيقات مسألة النهي عن العبادة، فتصبح المسألة حينئذ مبنائية: إذا قلنا بان النهي عن العبادة يقتضي فسادها مطلقا يكون هذا الصوم المنهي عنه بالعنوان الأوّلي أو الثانوي فاسد.

اما إذا قلنا بان النهي عن العبادة لا يقتضي فسادها كما فصلّنا سابقا، حيث ذهبنا إلى انه إذا كان النهي بعنوانها فهو يقتضي الفساد، اما إذا كان بعنوان آخر فلا يقتضي الفساد، وزدنا في التفصيل بانه لا فرق بين العبادة والمعاملة من هذه الناحية بالرغم من وجود الفرق بالمفهوم، لان العبادة تتضمّن الخضوع والخشوع دون لمعاملة. [1]

إذن إذا قلنا بان النهي عن العبادة يدلّ على الفساد بعنوانه او بعنوان آخر كما هو المعروف صار الصوم الذي اقطع بضرره فاسدا باطلا غير صحيح وإن ثبت لاحقا عدم ضرره، ويجب قضاؤه لانه يصدق عليه الفوت.

اما على ما نحن نذهب اليه: فإذا كان الصوم بعنوانه محرما صار باطلا فاسدا، وإذا كان التحريم بعنوان آخر لا يكون فاسدا، نعم ارتكب اثما فليس محرما فليس فاسدا. وهنا في مسألتنا إن لم يوجد نص يقول بان الصوم الضرري محرم، وإن المذكور ان مطلق الضرر حرام، وانطبق هنا، فإذن الصوم اصبح محرما من جهة مطلق الضرر أي بعنوان آخر.

وكما حققنا في الأصول من ان التحريم بعنوان آخر لا يدلّ على الفساد، فيكون هذا هو المختار، وهو ان الصوم صحيح لانه ليس محرما فليس معصية.

بل حتى لو كان معصية لان النهي عن العبادة لا يقتضي فسادها برأينا إلا إذا كان بعنوانها كما في حرمة الربا، وبيع الخمر الذي بيعه فاسد ومحرّم، وفي شربه اثم، أي حرمة وضعية وحرمة تكليفيّة. [2]

إذن ملخصا: بناء على ما ذهب إليه المشهور في اشتراط قصد القربة في العبادة، فالمفروض بطلان الصوم على القول بحرمة التجرّي، إذ لا يمكن ان يؤتى بالصوم تقربا مع العلم بحرمته. نعم إذا أمكن تصوّر الاتيان بقصد القربة صحّ.

وكذا على القول بحرمة الفعل المتجرى به، لان النهي عن العبادة، عندهم يقتضي الفساد.

أما عندنا، فان النهي عن العبادة شأنها شأن المعاملة، فقد تقتضي الفساد وقد لا تقتضيه، فإن كان النهي عنها بعنوانها اقتضى النهي الفساد في كليهما، وإن كان النهي بعنوان آخر كعنوان الضرر فإنه لا يقتضيه. وذلك لان مقوّم العبادة هو نيّة الخضوع لا نيّة التقرّب ولا داعي الأمر ولا غير ذلك مما ذكروه. وقد بيّنا رأينا في مبحث دلالة النهي على الفساد فلا نعيد.

وهكذا الحال في كل عبادة أو معاملة نقطع بحصول الضرر فيها أو كونها في مورد تقيّة أو غير ذلك وتبيّن انه ليس مغصوبا، فلو توضأت في ماء أقطع انه مغصوب أو مضر، أو الفضاء والمكان مغصوب. الحكم واحد فالفعل المتجرّى به ان كان معصية وقلنا بالمعصية فصارت المسألة من تطبيقات مسألة دلالة النهي على الفساد وتصبح المسألة حينئذ مبنائية كل حسب مبناه.

فان لم نقل انه معصية فلا دلالة على الفساد والبطلان فالوضوء صحيح، لاننا قلنا بان التجرّي ليس فيه عقاب.

والوضوء ليس محرما، لا بالعنوان الأولي ولا بالعنوان الثانوي.

اما إذا قلنا بانه معصية ومحرمّ سواء بالعنوان الأوّلي أو الثانوي فيصبح من تطبيقات القاعدة الكبرى وهي دلالة النهي على الفساد. فإذا قلنا بان النهي عن العبادة يقتضي فسادها فيكون الفعل المتجرّى به محرما. [3]

إلى هنا نكون قد انتهينا من مباحث التجري بالرغم من وجود مباحث موسّعة، حاولنا ان نقتصر على ما هو مفيد في مقام الاستنباط.[4]


[1] والفرق بين الدلالة والاقتضاء أن الدلالة مسألة لفظيّة دل عليها اللفظ، والاقتضاء مسألة عقليّة يدل عليها العقل.
[2] سؤال من أحد الطلبة الافاضل: إذا كان المكلف يقطع بانه لا يتضرر والناس تقول له بانه يتضرر. الجواب: هذه المسألة غير ما نحن فيه، فالضرر المنهي عنه ما هو؟ هل هو الضرر الشخصي أو الضرر النوعي؟ إذا قلنا بانه ضرر نوعي وقال له الطبيب بانك تتضرر بالصوم، وهو يقطع ويعتقد بأن الصوم لا يضره، فلا قيمة لكلام الطبيب والناس والمختبر هذه الحالة عبارة عن وسائل اثبات عقلائية تعين على اثبات الموضوعات، المهم في اثبات الموضوعات اعتقاد الشخص نفسه، فإذا اعتقد هو بالضرر يصبح الفعل محرّما عليه، لان الضرر محرم على المكلّف. نعم ورد في الآيات الخوف النوعي.
[3] ردا على سؤال أحد الطلبة الافاضل: في الامر العبادي كالوضوء توجد في النيّة ان يكون الماء غير مغصوب: الجواب: كون اشتراط الماء في الوضوء مباحا من اين اتى؟ قلنا سابقا ان اشتراط الاباحة في الماء يحتاج لدليل، نعم يحرم استعماله لأنه مغصوب اما اشتراط صحّة الوضوء بإباحته لا دليل عليها. فإذا جاء دليل ان لا تتوضأ بالماء المغصوب صار النهي بعنوانه فيحرم ويبطل، والا فلا.
[4] استطراد في قصد القربة في العبادة أو قصد داعي الامر. والجواب عليه قد ذكر في دروس مفصّلة سابقة بان قصد القربة من الدواعي الذي يكشف عن جواز التقرب بالفعل وغير ذلك وليس من مفهوم العبادة أصلا، فالعبادة مسلك يدل على شعور تذللي خاضع للمولى فلا يشترط فيها لا قصد القربة ولا داعي الامر ولا طمعا في الجنّة ولا خوفا من النار. كل هذه الأمور دواع. ففي الحديث الشريف: " ربي ما عبدتك خوفا من نارك " فإعراب " خوفا " مفعول لأجله أي انه داع وغاية وليس دخيلا في المفهوم، فلا يكون " الخوف " جزء من العبادة وإلا وقع الدور الباطل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo