< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع: التجري.

     هل تقوم الأمارات المعتبرة أو الأصول العملية مقام القطع؟

     الفرق بين الأمارة والأصل.

     القطع المأخوذ في لسان الدليل.

     التذكير بالقطع الصفتي والقطع الطريقي.

     التذكير بكون القطع تمتم الموضوع وجزءه.

هل تقوم الأمارات المعتبرة أو الأصول العملية مقام القطع؟

او بتعبير آخر، متى تقوم الأمارة المعتبرة أو الأصل العملي مقام القطع؟

والمقصود من الأمارة مطلق الأمارة سواء كانت بيّنة بخبر شخصين عدلين، أو خبر عدل، أو خبر ثقة غير عدل، أو شهرة، أو ظن معتبر.

الامارة في الواقع تقوم مقام القطع اجمالا، لانه إذا أراد الشارع المقدّس أن يكون إثبات كل شيء في هذه الدنيا على نحو قطعي فحينئذ تتوقف الدنيا فهذا نقطعه بعدم إرادة المولى ذلك، لذلك في البداية المطلوب القطع ثم تأتي الامارات ثم الأصل العملي.

وهل الأصل العملي يقوم مقام القطع؟ اما الأصل اللفظي فهو من الامارات، كأصالة الإطلاق وأصالة العموم وأصالة الحقيقة. والفرق بين الأمارة والأصل أن الأمارة كاشفة عن واقع اما الأصل العملي فمجرّد وظيفة عمليّة ليس له كشف عن واقع، كالبراءة والاستصحاب والتخيير والاحتياط، وبعضهم يقول أن الاصول العمليّة أكثر من ذلك.

وبعضهم عبّر عن الأمارة بانها ما كان لسانها لسان كشف عن واقع، هذا التعبير غير دقيق، لانه إذا لم يكن لها لسان الكشف عن الواقع كالشهرة والظن المطلق فلا يعنى ذلك عدم كونهما من الأمارات فهما كالخبر الذي يحتمل الصدق والكذب فهو يكشف عن واقع، أما وظيفتك إذا أخبرت بواقع ما فهي شيء آخر.

لذلك نحن عبرّنا عن الأمارة أنها ما كان كاشفا عن واقع، أما الأصل العملي فمجرّد وظيفة عمليّة للمكلّف بعض النظر عن الواقع، كشف عن واقع أم لا طابق الواقع أم خالفه، لذلك كان الاختلاف بين الأمارة والأصل في الاصطلاح الاصولي جوهريا، ويختلف المعنى الأصولي للأصل والأمارة عن المعنى اللغوي.

مثلا: لو قال المولى: " صلاة الصبح ركعتان " وصليت وشككت أني صليت ركعة واحدة أو ركعتين، ثم اخبرني خبر ثقة أني صليت ركعتين فهل أستطيع الإتكال عليه مع أنه امارة ظنيّة لا قطعية، فهل يجزي هذا الخبر عن القطع؟

التحقيق: عندما اقول ان صلاة الصبح ركعتان، المفروض أن آتي بركعتين على نحو العلم، الشك وحده لا يكفي فيجب ان اعلم باني اتيت بركعتين حتى تبرء الذمّة، ولذلك قالوا في الاحتياط: " الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني " لان المطلوب تحقق الفعل كاملا، وخبر الواحد الثقة جعلني أظن بتحقق العنوان، فليس هناك ميزان يجعل من الظن كاشفا عن صحة المأتي. فإذن احتاج إلى دليل على أن الظن يقوم مقام العلم إذا تمّ اعتباره، فالاصل ان يكون العلم هو المطلوب.

نعود لو شككت بالصلاة فهل استطيع إجراء أصالة عدم الاتيان بركعة فآتي بها وأرتب الأثر على الاتيان بركعتين؟

والكلام تارة في الأمارات وتارة في الأصول العمليّة.

ونكرر الفرق يبنهما: أن الامارة مأخوذة على نحو الكاشفية عن الواقع، أما الأصل فمأخوذ على مجرّد الوظيفة العمليّة، وان كان أحيانا فيه شيء من الكشف كما في الاستصحاب، لكن عندما اعتبر اعتبر كوظيفة عمليّة ولم يلتفت الشارع إلى الناحية الكاشفية.

أما المقام الأوّل: في الأمارات؟

للتذكير: قلنا أن القطع له جهتان: فهو من جهة صفة نفسانية حقيقية وليس مسألة اعتباريّة أو انتزاعيّة، بل لها تأصل في الخارج في صفحة النفس كالفرح والحزن، كل ما في الأمر انه من العوارض وليس من الجواهر.

ومن جهة أخرى له جهة كشفيّة، فهو كاشف تام من جهة متعلّقه.

فإذا لا حظنا الجهة الاولى فقد عبّر عنها الأصوليون بالصفتية، والقطع صفتي، وإذا لاحظنا الجهة الثانية فقد عبّر عنها الاصوليون بالكشفية، والقطع حينئذ كشفي طريقي، فهذا مجرّد مرآة عن الواقع لا استقلالية له، أي هو آلي صرف كالمعنى الحرفي.

لفت نظر:

     معنى القطع المأخوذ في لسان الدليل:

قد يؤخذ القطع في لسان الدليل مثل قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ﴾ [1] أي يجب ان نقطع بدخول الفجر، وقد لا يؤخذ كذلك مثل قوله تعالى: ﴿أوفوا بالعقود﴾ [2] ، لم يقل " أوفوا " بكل ما تقطع بانه عقد، القطع ليس مأخوذا في لسان الدليل، واكثر الاحكام على هذا المنوال.

- القطع الموضوعي والقطع الطريقي:

القطع الموضوعي ما أخذ في موضوع الحكم لُفِظَ أم لم يلفظ، وليس ما أخذ بلسان الدليل المفروض أن يلفظ، وهو على قسمين:

أحدهما يكون تمام الموضوع، وذلك فيما إذا كان موضوع الحكم هو العلم والقطع من دون نظر إلى الواقع بالكلّية، فيشمل حالتي الخطاء والاصابة، وذلك كالأصول الاعتقاديّة.

والآخر أن يكون جزء الموضوع، وذلك فيما إذا كان موضوع الحكم عبارة عن العلم المصيب للواقع.

مثلا: حرمة المرأة بالحرمة الأبديّة إذا عقد عليها الرجل بتفصيل ورد في كتب الفقه وهي في العدّة. فإذا اعتقد انها في العدّة وعقد عليها، ثم تبيّن له إنقضاء عدتها حين العقد فلم يرتكب محرّما لانها خارج العدّة، فلا يترتب ذلك حرمة ابديّة، نعم ينطبق عليه أحكام التجرّي، فهو يستحق العقاب لجرأته على المولى وإن لم يرتكب محرما، نعم قد يتفضّل الله عليه ويمنّ عليه بالعفو.

ولذا، فالمراد من القطع الموضوعي ليس كل ما أخذ في لسان الدليل، فإن ما أخذ في لسان الدليل تارة يكون مأخوذا أيضا في موضوعه وتارة أخرى لا يكون. كما أن ما أخذ في لسان الدليل قد يكون صفتيا، وقد يكون طريقيا محضا كما لو لم يلفظ.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo