< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     هل تقوم الأصول مقام القطع؟

     المراد هو الأول العمليّة، لأن الأصول اللفظية أمارات.

     الأصول هي بيان للوظيفة العمليّة، ولذا لا معنى لقيامها مقام القطع، وهذا تام في البراءة والاحتياط والتخيير.

     الستصحاب أصل عملي له جنبة إحراز الواقع ولذا قدّم على بقيّة الأصول.

إذن ملخصا: القطع له جنبتان: كشف وصفة. إذا كانت الأمارت اخذت على نحو الكاشفيّة، فتقوم الأمارة مقام القطع. وأن لم تقم على نحو الكاشفية بل الصفتية فهي لا تقوم مقام القطع.

أما الأصول فهل تقوم مقام القطع؟

ذكرنا الفرق بين الأصل والأمارة: قلنا أن الأمارة كشف وهي من سنخ القطع، والأصل وظيفة عمليّة، لانه بعد بحث المكلّف عن قطع وهو العلمي ولم يجد يقول له المولى افعل كذا، لذلك سمّي بالأصول العمليّة.

والمراد هنا الاصول العمليّة وليس الأصول اللفظية، لأن الأصول اللفظية كاصالة الاطلاق وأصالة العموم وأصالة الحقيقة، هي من الأمارات لأنها عبارة عن كشف عن واقع، مثلا: " أوفوا بالعقود " كل العقود. واصالة العموم تؤدي إلى عموم الأفراد فيتعلّق الحكم بها كما قيل، لكن نحن قلنا ان الحكم يتقلّق بالطبيعة. [1] ، ومثلا: عندما أقول: " اعتق رقبة " أي مطلق الرقبة، وهذا يكشف عن واقع ما تعلّق به الحكم وكيف يمتثل.

والمشهور أن الأصول العمليّة اربعة: الاستصحاب والتخيير والبراءة والاحتياط. فهل تقوم هذه الاصول مقام القطع؟

نذكر بأن مورد الاستصحاب هو اليقين السابق والشك اللاحق، ومورد البراءة الشك في التكليف، ومورد الاحتياط الشك في الامتثال، ومورد التخيير دوران الأمر بين الحرمة والوجوب.

أما البراءة والاحتياط والتخيير، فلا شك في عدم قيامها مقام القطع، إذ لا كشف فيها أصلا، فلا يلاحظ الواقع ولا يثبت بها ولا ينظر أليه فيها، بل هي مجرّد وظيفة عمليّة محضة.[2]

أما الاستصحاب ففيه جهتان: طريقية، ووظيفية عملية. فهو يتأرجح بين الأمارة والأصل، وعبّر عنه بالاصل المحرز.

فالبراءة والاحتياط ليسا اصلا محرزا كالاستصحاب لانه عقلائيا موجود عند البشر وحتى بعضهم يقول انه عند الحيوان ايضا موجود لان كل حيوان يرجع إلى المكان الذي كان عليه.

وبغض النظر عن مناقشة ذلك وهو ما سيأتي في بحث الاستصحاب فان الاستصحاب عند العقلاء له جهة كشفية لاثبات الواقع، " يقين سابق وشك لاحق "، حتى قال بعضهم ان له جهة غرائزيّة.

الشارع المقدّس لم يلتفت للناحية الكشفية ولم يلغها بل اخذ الاستصحاب كوظيفة عمليّة قال: " من كان على يقين فشك بنى على يقينه ". وبعض الأصوليين كتب ان الشارع اخذ الاستصحاب كوظيفة عمليّة والغى الجهة الكشفية.

الصحيح انه سكت عنها ولم يلحظها، لانه لو الغاها لصار الاستصحاب أصلا عمليا محضا، فهي برزخ بينهما فالشارع التفت إلى الناحية الوظيفية وجعلها وظيفة عمليّة معتبرة من دون ان يلغي ومن دون ان يثبت الناحية الكشفيّة، لذلك سمّيت أصلا محرزا.

قال الشيخ الانصاري (ره) في رسائله، أن الاستصحاب أصل عملي وليس أمارة، ثم قال: من قال بانه أمارة استدل عليها ببناء العقلاء - أي ليس اختراعا شرعيا -، وعنده (ره) كل ما يكون دليله بناء العقلاء فهو أمارة. وإذا كان الاستدلال على الاستصحاب بالنص والرواية فصار أصلا عمليا، لان الرواية سلطت الضوء على الاصل العملي من دون الإلتفات إلى الوضع الكشفي.

فعند من جعله أمارة ذهب إلى تتميم كاشفية الاستصحاب، إن نظر إلى جهة الكاشفيّة فيه.

وأما من جعله أصلا عمليلا كما هو أكثر المتأخرين فإنه يرى أن الاعتبار منصب على جهة الوظيفية للاستصحاب من دون نظر إلى الواقع وعدمه. أي لم ينظر إلى جهة الكشف فلم يعتبرها ولم يلغها. ولذا قدّموا الاستصحاب على بقيّة الاصول العمليّة الاخرى.

فيصبح الترتيب لمنجية الاستنباط في الشبهة الحميّة: العلم، فعلميات، فأصل لفظي، فاستصحاب، فالأصول العمليّة الأخرى.

النتيجة: الأمارات والاستصحاب تقوم مقام العلم إذا أخذ على نحو الطريقية دون ما لو أخذ على نحو الصفتية.

 


[1] تذكير بالمنهجية: في الشبهة الحكمية: قلنا اننا نبحث اولا عن علم، فان لم نجد فعلمي، فان لم نجد فاصل لفظي، فان لم نجد فاصل عملي. اشكل على هذه المنهجية باشكال: بان الأصل اللفظي أمارة فهو علمي، لماذا افرد عن العلمي؟ الاشكال صحيح وبمحلّه ونعترف به، لكن الجواب انني أخرت الأصل اللفظي لانه آخر سلّم الأمارت، وله كيان خاص. فالخبر الواحد مقدّم على الأصل اللفظي وكذلك الشهرة، والظن المطلق بناء على حجيّته، وقول الصحابي على قولهم، - ذكرنا في المنهجية ان العلميات حولي أربعة عشر مجرّد سرد بعض النظر عن اعتارها وعدم اعتبارها كقول الصحابي الذي ليس حجة عندنا -. النتيجة: انه قسم جعلناه قسيما لسبب واحد وهو تسليط الضوء عليه بانه آخر سلّم الأمارات.
[2] رد اشكال احد الطلبة الافاضل: بان الاحتياط فيه يقين باصابة الواقع. الجواب: القطع هنا ببراءة الذمّة من العمل، ولم تحرز قطعا ولا كاشفية عن الواقع. فالاحتياط لا يقوم مقام القطع لانه مجرّد عمل يقوم به المكلّف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo