< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/06/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     العلم الاجمالي.

     مستند القول الثاني: وهو كون العلم الاجمالي مقتضيا للتنجيز لا علّة تامّة.

     ملخص الدليل هو الجمع بين كون العلم منجزا وبين جواز المخالفة كما في الشبهة غير المحصورة، وهذا الجمع يكون بان العلم الاجمالي مقتضي للتنجيز لا علّة تامّة.

     الجواب: على هذا القول.

مستند القول الثاني: وهو كون العلم الاجمالي مقتضيا للتنجيز لا علّة تامّة.

تمهيد: نحن نعلم أن أجزاء العلّة هي: المقتضي والمعد والشرط وعدم المانع. في هذا القسم عبّر بان العلم الاجمالي مقتض للتنجيز فإذا كان هناك مانع من التنجيز فلا مانع من ذلك فيمكن المخالفة القطعيّة.

فالفرق في الثمرة بين هذا القول والقول الأول ان في الأول هو علّة تامّة للتنجيز فلا يمكن المخالفة، وهي محال عقلا، سواء كانت احتمالية أم قطعيّة. بينما في هذا القول، كونه مقتضيا للتنجيز، فيمكن أن يؤجد مانع فيمكن المخالفة، وضربوا لذلك عدّة امثلة من جملتها ما مرّ من جواز مخالفة العلم التفصيلي أيضا كمثال درهم الودعي وغيره.

وهنا في الشبهة غير المحصورة اجماعا قالوا بجواز اقتحام بعض الاطراف في الشبهة غير المحصورة، مع العلم عقلا إذا وجدت ذبيحة واحدة محرمة من أصل ألف ذبيحة في مدينة قالوا لانها شبهة غير محصورة للكثرة الكثيرة يجوز اقتحام بعض الأطراف لان العقل يقول لا فرق بين الكثرة والقلّة، بل ذهب بعضهم إلى جواز اقتحام جميع الاطراف.

فاستدلوا في الشبهة غير المحصورة على انه يمكن ان يكون هناك مانع من تنجيز العلم الاجمالي، فيكون مقتضيا فقط للتنجيز من دون أن يكون علّة تامّة فيقبل الموانع حينئذ.

لكن في الشبهة غير المحصورة نقول أنه يخرج بعض الأطراف عن الابتلاء بحيث يقبح على الحكيم الأمر به، فيرتفع الحكم حينئذ من اساسه، فلا معنى أن يحرّم الحكيم أمرا ليس المكلّف مبتلى بها، كما لو امرك بان لا تشرب من إناء موجود في اقاصي الدنيا، إذ أن التكاليف عقلائيّة.

سنصل إلى نتيجة أن التعبير بالشبهة غير المحصورة لا اعتبار فيه لا للكثرة ولا للقلّة، فوجود الواحدة حرام يستدعي الاحتياط عقلا ولو مع الكثرة.

الجواب: أن المناط والسبب الحقيقي، هل يمكن التكليف عقلائيا من الآمر الحكيم أو لا؟ فإذا ارتفع بعض الأفراد عن محل ابتلاء يسقط الحكم من أساسه، فلا اعتبار لا للضرر ولا للكثرة ولا للحرج ولا للعسر ولا أمر آخر مما ذكروه.

إذن مستند القول الثاني ان العلم الاجمالي مقتض للتنجيز لا علّة تامّة وهو ما اختاره المحقق الخراساني (ره) صاحب الكفاية: هو الجمع بين عليّة العلم للتنجيز وادلة جواز مخالفته احيانا.

يقول المحقق الخراساني (ره) في كفاية الأصول: قضية صحة المؤاخذة على مخالفته، مع القطع به بين أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها، أو مع الاذن في الاقتحام فيها، هو كون القطع الاجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة.[1]

بعبارة أخرى: أن مقتضى صحة المؤاخذة على مخالفة التكليف المعلوم اجمالا في الشبهة المحصورة من دون إذن في الاقتحام فيها، وعدم صحة المؤاخذة في الشبهة غير المحصورة أو مع الاذن في الاقتحام فيها في الشبهة المحصورة هو كون العلم الاجمالي مقتضيا للتنجيز لا علّة تامّة.

أي أن العلم الاجمالي يمكن أن لا يكون منجزا، ومعنى ذلك أنه مقتضي للتنجيز وليس علّة تامّة، ويتقبّل أن يكون هناك مانع. أي أصبح هناك مجال لمخالفة العلم الاجمالي لوجود المقتضي للتنجيز.

ثم يقول: إن التكليف حيث لم ينكشف به (بالعلم الاجمالي) تمام الانكشاف، وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه (أي الشك والجهل) محفوظة، جاز الاذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا (كما في الشبة غير المحصورة، فإذا ثبت الدليل بالاذن جازت المخالفة، فرحمه الله يقول أن العلم الاجمالي يكفي للتنجيز نجمعه مع جواز الاقتحام في الشبهة غير المحصورة، هذا الجمع لا بد منه. ينتج كونه مقتضيا لا علّة تامة).

دفع دخل منه (ره): ... وليس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالا [ إلا ] محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة الغير المحصورة، بل الشبهة البدوية، ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والاذن بالاقتحام في مخالفته بين الشبهات أصلا، فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي عنه في القطع به في الأطراف المحصورة أيضا. [2]

بيان قوله: أن العلم الاجمالي مع الإذن بمخالفته نقع في التناقض، فإذا كان الطرف المرتكب هو الصحيح لزم من اجتماع الحكم الواقعي والحكم الظاهري اجتماع المثلين، وإذا لم يكن هو الصحيح لزم اجتماع الضدين.

بتعبير أخر: في الحكم الظاهري وجريان اصل البراءة قد يكون هذا الطرف غير المغصوب فيجتمع المثلان الحكم الواقعي والحكم الظاهري وهو محال عقلا، وإذا كانا مختلفين اجتمع الضدان وايضا هو محال عقلا، ثم انه يلزم منه تفويت المصلحة أو الإيقاع في المفسدة، وهنا يقع الاشكال بلزوم مناقضة الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي، فماذا نفعل؟

يرد صاحب الكفاية (ره) بان نفس الاشكال ونفس التفاصيل ونفس الحل موجود في الشبهة البدويّة التي سمحتم فيها بإجراء الأصول وسمحتم بارتكاب الاحتمال، مثلا عند الخطأ، فبحسب الحكم الواقعي يحرم ارتكابه، وبحسب الظاهري يجوز ارتكابه فاجتمع النقيضان، وكذا المثلان في حال الاصابة.

وقد فسّر الآخوند (ره) بذلك – أي بالاقتضاء – الحديث الشريف: ح. " كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه " [3]

وفيه: أن مقتضى كلامه أنّ عدم المؤاخذة في الشبهة غير المحصورة ناتج عن وجود مانع، إذ لولاه لصحت المؤاخذة،

وهذا المانع لا نعلمه، بل ما ذكروه من عدم تنجيز العلم الاجمالي وجواز اقتحام اطراف الشبهة غير المحصورة لا يصلح أن يكون مانعا، بل يصلح أن يكون رافعا للمقتضي. [4]

بعبارة اخرى للتقريب: إذا لم يكن هناك احراق فهل هو لأجل عدم المانع (الرطوبة) أو لأجل أن المقتضي (النار) غير موجود؟ كلاهما محتمل ونحن اساسا في العلم الجمالي نشك في اقتضائه للتنجيز لذلك الشيخ الخنساري قال بجواز الاتيان وعدم تنجيز العلم الاجمالي.

ونعطي مثالا على ذلك: ذبيحة يحرم أكلها في مدينة كبيرة فيها آلاف الذبائح الحلال، قالوا: إن بعض الأطراف خارج عن موضوع التكليف، ولذا جاز اقتحام الباقي. فهذا يعني نفي اقتضاء التكليف، ولا يعني أبدا ثبوت المقتضي للتكليف، واما عدم تأثيره فهو لوجود المانع. وهذا هو ردنا على كلام صاحب الكفاية (ره).

مستند القول الثالث: وهو كونه علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة، ومقتضيا بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة.

 


[4] التذكير بأجزاء العلّة التامّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo