< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     العلم الاجمالي، مستند القول الثالث: وهو كونه علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة، ومقتضيا بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة. وملخصه ان الشارع يمكن ان يأذن بعدم الموافقة ولا يمكن ان يأذن بالمعصية. وذكلا الاشكال عليه.

     مستند القول الرابع: وهو أن العلم الإجمالي كالشك البدوي. وذكر الاشكال عليه.

نكمل الكلام في العلم الاجمالي ومدى منجّزيته ذكرنا في الدروس السابقة الاقوال، القول الأول بانه علّة تامّة فتحرم المخالفة وتجب الموافقة، هو تماما كالعلم التفصيلي، وهذا القول عليه أكثر المتأخرين. وقلنا ان هذا القول غير تام.

القول الثاني انه مقتض للتنجيز وليس علّة تامّة، ودليلهم هو الجمع بين ادلّة العلّية التامة وبين جواز اختراق هذه العليّة في بعض الموارد كما في الشبهة غير المحصورة، وبدليل رواية دينار الودعي وغيرها من الروايات بجواز اختراق العلم الاجمالي، وهذا ما ذهب اليه صاحب الكفاية (ره). وقلنا ايضا ان هذا الكلام غير تام ولا سليم إذ لا دليل على كونه مقتضيا بعد ارتفاع العليّة، من قال ان المقتضي يبقى؟، وذكرنا في مقام الردّ ان المعلول (كالاحراق) قد يرتفع لوجود مانع أو لعدم وجود المقتضي.

مستند القول الثالث: وهو كونه علّة تامّة -كالعلم التفصيلي بالتنجيز- بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة، ومقتضيا بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة وهو ما ذهب اليه الشيخ الانصاري (ره) في رسائله [1] .

ذكرنا ان هناك أربعة أمور من مقتضيات التنجيز:

الاول ان نبحث الموافقة القطعية للعلم الاجمالي، ثانيا الموافقة الاحتماليّة، ثالثا المخالفة القطعية، رابعا المخالفة الاحتماليّة.

مثلا: من قبيل: "ان ينذر نذرا وشك انه صيام شهر أم صلاة مائة ركعة"، فالامر يدور بين امرين: عندنا علم اجمالي بالطرفين، وعلم تفصيلي بالجامع. من جهة الموافقة، البعض قال بالموافقة القطعية التي تقتضي ان أتي بهما معا وهذا هو الاحتياط. والبعض قال بانه تكفي الموافقه الاحتماليّة وهي الاتيان باحدهما.

اما من جهة المخالفة القطعيّة مثلا: " انائين أحدهما مغصوب والآخر غير مغصوب، فيجب اجتنابهما معا، اما في المخالفة الاحتمالية منهي في ارتكاب احدهما.

إذا هناك أربعة أمور في العلم الاجمالي ولما اختلط العلم بالشك نتجت الآراء المتعددة، فكان الرأي الاول انه علّة تامة في التنجيز وذهب إليه أكثر المتأخرين، والرأي الثاني انه مقتضٍ للتنجيز وذهب اليه الشيخ الآخوند، والرأي الثالث انه علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة، ومقتضيا بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة وليس علّة تامّة، وهو ما ذهب اليه الشيخ الأعظم الانصاري (ره) في رسائله، فتحرم المخالفة القطعية ويثبت المقتضي للموافقة القطعية.

لفت نظر: في مسألة العلم الاجمالي: ان الأدلّة كلها تدور حول ان العلم فيه شيء من التنجيز لانه كشف، وفي المكان الذي يكون فيه مجال لاختراق هذا العلم ذهبوا للاقتضاء، وكأن العلّة التامة لم تحصل، فالعليّة التامة لا يمكن اختراقها كما في العلم التفصيلي الذي اخترق وحاولوا ان يبرروا هذا الاختراق، فإذا اخترق كان من المقتضي الذي هو الجزء الأهم من العلّة التامّة.

في النتيجة سنرفض كل هذا الكلام وسنبين ان هناك علم وهناك جهل فلا يمكن اغماض احدهما، فالأصول أمر سهل وهو قواعد عقلائية موجودة عند الناس تحتاج فقط للأنتباه ونحن قعدناها. في البحث لا بد من ذكر اقوال الاساطين من ثم نجيب.

ونعود لمستند القول الثالث: يقول السيد الخميني (ره) كما عن انوار الهداية: إن المخالفة القطعيّة معصية لا يمكن الأذن فيها من المولى، فيكون حكم العقل بالنسبة إليها بنحو الاقتضاء لا العليّة التامّة، لوجود الشك والسترة في البين، فلو فرض الإذن من الشارع بارتكاب بعض الاطراف والاكتفاء بالمواقفة الاحتماليّة لم يتحاش العقل منه كما يتحاشى من الإذن في المعصية كما وقع في الشرعيات. [2]

نقول وفيه: إن هذا الكلام يستند إلى أن المخالفة والمعصية أخطر من الموافقة والامتثال. وهذا عهدته على مدّعيه احتراما لبعض الاساطين، ونحن لا نسلّم به، وقد بيّنا ذلك في مسألة أن درء المفسدة أولى من جلب المنفعة والمصلحة، وقلنا سابقا باننا لا نسلّم بهذه المقولة قد يكون احيانا ارتكب بعض الألم لأجل شيء اكمل وافضل، فيكون ملاك المصلحة أهم من ملاك المفسدة، فيقدّم الأمر على النهي لو اجتمعا في معنون واحد.

مستند القول الرابع: وهو كون العلم الاجمالي كالشك البدوي في عدم تأثيره في تنجيز الواقع، فاستطيع ان ارتكب المشكوك الاول وكذلك الثاني، رتبة الحكم الظاهري الذي موضوعه الشك محفوظة. وقد نسب هذا القول إلى المحقق الخونساري (ره) والسيد البروجردي (ره).

وحجته أن كل واحد من اطراف العموم بالإجمالي مشكوك، ولم يتمّ البيان بالنسبة إليه، فالعقاب عليه قبيح لانه عقاب بلا بيان.

نقول وفيه: الواقع ان العلم الاجمال مركب من علم وجهل، علم تفصيلي بالجامع وجهل بالاطراف، فلا يجوز عدم ملاحظة العلم التفصيلي ولا عدم ملاحظة العلم الاجمالي، العلم له احكامه والجهل له احكامه.

الذي قال ان العلم الاجمالي علّة تامّة فقد اغمض النظر عن الجهل بالاطراف، والذي قال ان العلم الاجمالي فيه جهل بين الاطراف لم يلحظ العلم. فاما ان نهمش العلم كليا واما ان نهمش الجهل، هذان التوجيهان غير سليمين.

وفي مستند القول الرابع أن هذا مرجعه إلى عدم وجود أي أثر للعلم الاجمالي وهذا مرفوض وجدانا. اننا نرى بالوجدان أن العقل يحكم بالمعصية على من شرب الخمر المعلوم تفصيلا، ومن شرب الخمر المعلوم اجمالا بين كاسين.


[1] رسائل الشيخ الانصاري (ره) ج1، ص160.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo