< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/07/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

العلم الاجمالي، المخالفة الاحتمالية في الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي وحكمها؟

     دليل من قال بحرمة المخالفة الاحتمالية أمران: الاول ان الحكم قد وصل ولو اجمالا، ولا فرق بينىالعلم الاجمالي والعلم التفصيلي في ذلك وجدانا. والامر الثاني: ان المخالفة الاحتمالية هناك لحرمة المولى.

     الجواب على الاول: إن العلم الاجمالي ليس علّة تامة للتنجيز لاختلاطه بالجهل.

     وجواب الثاني ان الهتك مراتب: الاولى منها ملزمة، والباقي كلي مشكك غير ملزم.

     من مراتب الهتك غير الملزم الاقتحام في الشبهة البدوية غير المقرونة بالعلم الاجمالي.

نعود للمخالفة الاحتمالية في الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي وحكمها؟

ذهب الكثيرون إلى حرمتها وانها كالمخالفة القطعيّة، بل هو المعروف بين المتأخرين.

ويمكن اختصار أدلتهم بأمرين:

الأول: أن وصول الحكم - سواء بشكل تفصيلي أو إجمالي - علّة تامّة للتنجيز، وهنا قد وصل العلم بالحكم، وإن كان وصل بالإجمال إذ لا فرق بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي.

الثاني: إن إرتكاب أحد أطراف العلم الاجمالي هتك لحرمة المولى وجدانا.

سننقل بعض الأقوال في ذلك:

أما الأول: فيقول بعض الأجلاء وهو الجد (ره) ملخصا: " لا ريب أنه على النحو الاول (أي العلم الاجمالي معتبر كالتفصيلي) فلا يقبل ترخيصا، وذلك لان المُقدّم على إتيان جميع الاطراف في الشبهة التحريميّة حاله عند العقل حال من أقدم على المحرّم المعلوم تفصيلا، ونحن نرى بالوجدان أنه لا فرق بين من شرب الإناءين عالما بأن أحدهما خمراً وبين من شرب إناءا واحدا عالما بأنه خمر، فمن أنكر أن في عدم إرتكاب الأول معصية فهو مكابر ويردّه وجدانه ". انتهى كلامه رفع مقامه.

كلامه هذا مقدّمة لكيف يجوز إرتكاب بعض الاطراف في الشبهة غير المحصورة؟

وهذا أمر مسلّم، وهو دليل على كون العلم الاجمالي علّة تامّة للتنجيز في خصوص المخالفة القطعيّة.

وذكرنا مرارا في الجواب على هذا المبنا أن العلم الإجمالي عبارة عن علم وجهل فلا نغمض النظر عن الجهل ونجعل العلم الاجمالي كالتفصيلي علّة تامة للتنجيز أو انه مقتضٍ كما قال صاحب الكفاية للخروج من اشكال وجود بعض المخالفات.

ولكن كلامنا هو في خصوص المخالفة الاحتماليّة، ولا شك فيها بعدم تنافيه وتصادمه مع أي علم، لا تفصيلي ولا إجمالي، فصارت مرتبة الحكم الظاهري محفوظة. فإذا كان أحد الإناءين مغصوبا ولم يعلم تفصيلا، فإن إرتكاب أحد الطرفين هو مخالفة إحتمالية للمعلوم تفصيلا، ومع الاحتمال يرتفع العلم بارتكاب معصية.

بعبارة أخرى: لا نسلّم بأن العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي، ولا بد من ملاحظة جانب الجهل فيه وعدم إهماله وكانه غير موجود. [1] فالقول بان ارتكاب جميع الاطراف في العلم الاجمالي هو مخالف قطعية كمخالفة العلم التفصيلي أمر صحيح نسلّم به، ولكن انه يدلّ على انه علّة تامة في التنجيز فلا نسلّم به، وذلك لانه يلغي وجود الجهل، ولذا تختلف المخالفة القطعيّة عن المخالفة الاحتمالية.

النتيجة في الدليل الاول أنه هناك فرق بين وصول الحكم تفصيلا أو اجمالا.

أما الدليل الثاني وهو لزوم هتك المولى:

قد يقال: أن إرتكاب أحد طرفي العلم الإجمالي هتك لحرمة المولى، بمعنى عدم الإكتراث لنواهيه وأوامره، وهذا أمر وجداني. ولذا ملخص كلامهم انه لا فرق في هتك حرمة المولى بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي.

فإنه يقال: نعم هناك هتك حتى في المخالفة الاحتماليّة وذلك بالوجدان، لكن هتك حرمة المولى مفهوم مشكك، له درجات، هناك هتك لازم الحرمة وهتك غير لازم الحرمة. كالمصالح هناك مصالح ملزمة وغيرها غير ملزم يؤدي إلى الاستحباب، وكذلك هناك مفاسد ملزمة تؤدي إلى الحرمة وغير ملزمة تؤدي إلى الكراهة.

فالمخالفة القطعية في العلم الاجمالي فيها هتك واضح لازمه حرمتها، وهي تماما كهتكه في العلم التفصيلي بالحرمة. ثم تأتي بعدها درجات أخرى، لكنها جميعا لا تصل حد الالزام، بل العقل يحكم بحسن الالتفات وليس الالتزام الذي يصل حدّ التحريم، ومن هذه المراتب:

في اقتحام الشبهة البدوية غير المقرونة بالعلم الاجمالي، يوجد هتك لكنه غير ملزم حيث إننا لا نعلم بمخالفتنا للحكم الواقعي، وهذا تم بناء على مسلك قبح العقاب بلا بيان، دون مسلك حق الطاعة وإن الاحتمال منجز فإن عليه يجب الاحتياط والتوقف، وتكون نتيجته نتيجة العلم التفصيلي، وهي المراعاة الكليّة له.

وسياتي بيان ذلك في مبحث أصل البراءة، إلا اننا استباقا لذلك نقول وباختصار:

فرق بين الموالي العاديين وبين الله تعالى. فبالنسبة للموالي العاديين لا شك في لزوم التوقف عقلا، والاحتياط وتنجيز الاحتمال. أما بالنسبة لله تعالى فإنه قد وصف نفسه بأنه أرحم الراحمين وأكرم الاكرمين، وهذا لا يتناسب مع منجزية الاحتمال، بل يتناسب مع مسلك قبح العقاب بلا بيان.

لا يقال: إن هذا الوصف لله تعالى وانه ارحم الراحمين هو المراد من البراءة الشرعيّة، كما في الحديث "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي" .

فانه يقال: البراءة الشرعية مرحلة متأخرة عن صفات الله تعالى.


[1] أما مسألة مسلك حق الطاعة التي ذهب اليها السيد الصدر (ره) قلنا سابقا انه خلط بين الشارع المقدّس وبقيّة الموالي، اننا نقول بهذا المسلك لغير الله الشارع المقدّس أما المولى العرفي غير الحكيم الظالم فلا بد من مسلك حق الطاعة والاحتياط خوفا منه، لكن الله غفور رحيم. وهذه مرحلة تسبق بيان القواعد والاحكام، أي ان الله أكرم الاكرمين وارحمم الراحمين في مرحلة عقائدة وبيان صفاته عز وجل، وهي مرحلة قبل بيان أدلّة البراءة أو الاحتياط. وبهذا يختلف عن مرحلة اصل البراءة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo