< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     العلم الاجمالي، المخالفة الاحتمالية في الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي وحكمها؟

     هل يشترط الوجه والتمييز في متعلّق الحكم عند الامتثال؟ دليلان:

     الدليل الأوّل: عقلي وهو إن الحسن والقبح يلحقان الأفعال بحسب العناوين القصدية. فلا بد من لإثبات كل ما يحتمل دخله في حسن العبادة. وجوابه.

     الدليل الثاني: الاجماع وجوابه.

     الأمر الثاني: أنه لا بد من أثر للعلم سواء كان علما تفصيليا أو اجماليا كي يكون منجزا.

تذكير بما مر: نعود لبحث اشتراط الوجه والتمييز في متعلق الحكم عند الامتثال، وذكرنا المراد من الوجه والمراد من التمييز:

المراد من الوجه هو: وقوع الفعل عند إمتثال الأمر به على نحو الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة أو القضاء أو الاداء. وكذلك اجتنابه عند امتثال النهي عنه على نحو الحرمة أو الكراهة.

المراد من التمييز هو: تمييز المتعلّق وهو نفس الفعل، وتحت أي عنوان آتي به، كما لو أتى بأربع ركعات، فهل يجب أن ينويها ظهرا أو عصرا؟ أو الشك في الاجزاء والشرائط الذي هو منشأها نفس المأمور به.

نقول: إن الأمر الصادر من الآمر هو بإيقاع نفس الفعل الخارجي، أما القيود الأخرى كالوجه والتمييز فلم نجد دليلا وافيا على وجوب قصدها وأخذها في متعلّق الحكم بحيث انها عند الامتثال لا بد منها، لأن الاحكام تابعة لعناوينها، وعند الامتثال يكفي تطبيق العنوان.

وقع الكلام في اشتراط قصد الوجه والتمييز.

واستدل القائلون باعتبار الوجه والتمييز بأمرين: الأمر الأوّل: عقلي وهو إن الحسن والقبح يلحقان الأفعال بحسب العناوين القصدية، فمثلا: ضرب الولد، هو حسن إن كان لقصد التأديب، وقبيح إن كان بقصد التشفّي والتنكيل. ولذا لو ضربه بقصد التشفّي فكان أثره في الخارج تأديبا يكون الضرب قبيحا. [1]

وتطبيقه على العبادة: إن قصد القربة ناشئ من الأمر بالفعل أي الأمر بالعبادة، وكذلك داعي الأمر ناشئ من الامر بالفعل، ومع إشتراط ذلك أحتمل دخالة قصد الوجه والتمييز في حسن المأمور به، لأنهما ناشئان من قبل الأمر، فلا بد أن يؤتى بهما، "فالاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني"، بل وبكل ما يحتمل دخالته في حسن العبادة. لانه مع احتماله وعدم الاتيان به لا أكون قد امتثلت وأتيت بالمأمور به.

والجواب على نحوين بحسب مفهوم العبادة: المشهور وما نحن نذهب اليه:

أما على المشهور في معنى العبادة: انهم اشترطوا قصد القربة في العبادة أو قصد داعي الأمر، فأنه مع قصدهما يكفي تحقق عنوان العبادة وحسنها.

العبادة على قسمين: عبادة ذاتية كما عبّروا عن ذلك في السجود والركوع. وهناك عبادة اعتباريّة، يعتبرها المولى عبادة كما في الطواف أو الحج أو الزكاة.

نقول: انا هذا التقسيم صحيح، لكن كلهما يتقوّم بقصد الخضوع لا بمجرّد الفعل، وهذا أحد الفروق المهمّة بين العبادات وغيرها، مثلا: في الحركات الرياضيّة ركوعا أو سجودا فهذه الحركات لا تسمّى عبادة. كعدم صدورها عن خضوع وتذلل، فالخضوع جزء أساسي مقوّم لمفهوم العبادة، أما قصد التقرّب فهو داعٍ دفع للقيام بالصلاة.

أما قصد وجه الأمر من أنه على الوجوب أو على الاستحباب فقد لا يلتفت إليه أصلا [2] ، واحتماله يطرده الأصل اللفظي، بل حتى الأصل العملي على رأي أكثر علماء الفن، فإنه من باب دوران الأمر بين الأقل والأكثر الإرتباطيين كما عند الشك في الجزء أو الشرط، وقد ذهب أكثرهم فيه إلى البراءة. أما نحن فنذهب إلى الاحتياط، نعم نطرد الشرط أو الجزء المشكوك بأصالة الإطلاق وهي أصل لفظي مقدّم على الأصل العملي.

هذا بناء على أشتراط قصد القربة في العبادة.

أما على التحقيق فيما نذهب اليه في العبادة: أن العبادة تتقوّم بالفعل الدال على الخضوع والتذلل، أما قصد القربة أو داعي الأمر أو شتى ما يمكن تصورّه من الدواعي كالخوف من النار وطمعا في الجنّة وغير ذلك، فهما مجرّد دواع للفعل المتعبّد به، وهو ما اخترناه، فبناء عليه فالأمر أوضح إذ لا دليل لا من بعيد ولا من قريب على اشتراط قصد الوجه أو التمييز، ومع الشك يتم طردها بالأصل اللفظي، أي بالإطلاق لان به يتم العنوان. [3]

الدليل الثاني: الاجماع، وفيه: أنه منقول ومدركي، إذ لعلّه مستندهم هو المستندات العقليّة، هذا مع إشكالنا على أصل حجيّة الاجماع، فالشيخ الانصاري (ره) لخّص الاجماع بكلمتين:" هم أصل له وهو أصل لهم"، وجزاه الله ألف خير على ذاك.

إذن لا دليل عقلي على اشتراط الحسن والقبح واشتراط الوجه والتمييز.

الأمرالثاني: ذكرنا أنه لا بد من أثر للعلم سواء كان علما تفصيليا أو اجماليا كي يكون منجزا، إذ مع عدم الأمر يكون العلم وعدمه سواء، فلا يكون منجزا ولا تحرم مخالفته لعدم ترتب الاثر. فلو وردت الحرمة بين إناءين، وأهرق أحدهما، بناء على أن العلم الإجمالي علّة تامة في التنجيز وانتفى أحد الطرفين لا يجب أجتناب الآناء الآخر لان الشبهة فيه أصبحت شبهة بدوية ولعدم ترتب الاثر حينئذ للعلم.

وتفصيلا فتارة يحصل العلم بعد الاهراق وتارة قبله.


[1] القصد له أثر في تحقق الحسن والقبح وليس له أثر في تحقق العنوان. فالحسن والقبح تارة يكون حكم العقلاء على نحو العلّة التامّة كما في العدل والظلم، فإن العدل هو وضع الشيء موضعه وهذا يكون الحسن، وأما على نحو المقتضي كالصدق والكذب حيث إن الصدق قد يكون قبيحا أحيانا، وأما ليس فيه مقتض أصلا كالضرب على الحجر وإنما يكتسب الحسن والقبح من حيث قصده.
[2] مثلا: في التسليم في آخر الصلاة بعد التشهد: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" هذا التسليم يقال بقصد القربة وتتم الصلاة، هل ينتبه أحد من المصلين إلى ان التسليم الواجب هو "السلام عليكم" فقط ومعها تتم الصلاة و"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" هذه مستحبّة، فلو لم ينو أحد بأن ما أتى به مستحبا، فهل تقع الصلاة باطله؟ومثال آخر في الصلاة أيضا في التسبيحات في الركعة الثالثة او الرابعة "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" بعضهم يقول بكفاية المرّة، وبعضهم يقول بالاحتياط بثلاث مرات. فالذي يبني على المرّة الواحدة بيني على ان في الأقل والأكثر الارتباطيين الأصل فيه البراءة من الزائد -نحن لا نذهب اليه- ففي الصلاة لا نلتفت إلى ان الاتيان بالثلاثة على نحو الاحتياط واقعا، فالصلاة صحيحة بناء على قصد القربة أيضا. بعبارة أوضح: القصد والتمييز أمران لا يلتفت إليهما غالبا، ولو التفت إليهما ليس من المعلوم أنه مطلوب.
[3] وانما ذهبنا إلى ما ذهبنا إليه لأننا في مباحثنا نحقق من الأمور من جذورها، ومن ثمارها أنه لا داعي للذهاب كما ذهبوا إلى أن النهي في العبادة يقتضي الفساد لانه لا يمكن التقرب بالمبعّد. فإذا كانت العبادة لا تحتاج إلى قصد القربة فتكون العبادة مثل المعاملة، فالنهي عن العبادة لا يقتضي فسادها بذاتها إلا إذا كان منهي عنها بذاتها وكذلك المعاملة لا تقتضي الفساد إلا إذا كان النهي عنها بذاتها، فلا فرق بين العبادة والمعاملة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo