< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن:

     المسألة الثانية: هل جعل الحجيّة للطن عقلي أم شرعي؟

     وجه الخلل في تعبير صاحب الكفاية (ره)، حيث قال: إن ثبوت مقدمات الانسداد موجب لاقتضاء حجية الظن عقلا. وتوجيه تعبير الآخوند (ره).

     المسألة الثالثة: هل تفترق حجية الظن في ثبوت التكليف وبين سقوطه؟

     توجيه سقوط التكليف عند قيام الظن على ذلك بعد لزوم دفع الضرر المحتمل، والجواب عليه.

نعود للمسألة الثانية وهي: هل جعل الحجيّة للطن عقلي أم شرعي؟

لمّا لم تكن الحجيّة تكوينيّة أي ذاتية ولا عقليّة، أي لا يحكم العقل لا بكونها علّة تامّة ولا بنحو الاقتضاء كما بيّنا، كان جعلها شرعيا اعتباريا، أي أن الشارع اعتبرها، نعم لا بد من دليل على اعتبار الشارع لها، فتارة يستدل بالآيات وظواهرها، وتارة بالروايات، وتارة بالادلّة اللبيّة كالإجماع والسيرة، وتارة بالعقل بمعنى أن العقل يدرك أن الشارع إعتبرها، أي ان العقل أدرك حجيّتها ولا يحكم بالحجية.

وبهذا يظهر الخلل في تعبير صاحب الكفاية (ره) حيث قال: " إن ثبوت مقدمات دليل الانسداد [1] موجب لاقتضاء حجيّة الظن عقلا ". أي ان العقل هو الذي حكم بحجيّة الظن.

ووجه الخلل أن مقدمات الانسداد الخمسة التي ذكرها صاحب القوانين (ره) تكون دليلا على حجية مطلق الظن، إما على الكشف وإما على الحكومة.

فإن كان على الكشف، بمعنى أن هذه المقدمات تكشف عن اعتبار الشارع للظن وأنه حجة، فواضح ولا اشكال فيه.

وإن إذا كان على الحكومة، فهي بمعنى أن العقل يحكم بتضييق دائرة الاحتياط في مقام الامتثال لتخرج المظنونات، أي يمكن العمل بالظن ولا داعي للأحتياط. ويبقى الاحتياط في الموهومات والمشكوكات لعدم وجود القطع.

أما ما يقال من أن العقل يحكم حينئذ بالحجيّة، أي أنه يحكم باعتبار الظن المطلق دليلا وحجّة،

فأنه يقال: إن العقل ليس مشرعا، بل هو مدرك.

إلا أن يقال: لا مانع من إدراك العقل لاعتبار الشارع بأدلته الخاصّة التي تكون على نحو القطع والجزم واليقين.

ولذا أعتُبر العقل أحد مدارك الأحكام، فيقولون: مدارك الأحكام أربعة: الكتاب والسنّة والاجماع والعقل.

واعتبار العقل بمعنى أن الشارع اعتبر الحجيّة والعقل يدركها ولايحكم بها.

وقد بيّنا الوجه في ذلك في الكلام عن الاخباريين ومعنى عدم حجيّة العقل عندهم، وأن العقل يمكن أن يدرك ذلك ولا مانع منه، ولا ينحصر إدراكه بالعقل العملي أي بالحسن والقبح، أو بما يمليه العقل النظري. فإنه لا مانع من ذلك.

وما ذكروه من موانع من قبيل أن العقل لا يدرك إلا الكليّات ليس تاما. بالاضافة إلى ظهور الكتاب الكريم في ذلك: ﴿أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾ [2] حيث أعاد الناس إلى جزئيات حياتهم.

أو ليس تطبيق العنوان على الأفراد إدراك لتلبس الجزئي بالعنوان الكلّي. وهذا لا يعني أن العقل مشرّع، بل هو قد يدرك التشريع، وهذا لا مانع منه بتاتا.

ولعلّ هذا هو مراد صاحب الكفاية (ره) من أن ثبوت مقدمات الانسداد موجبة لاقتضائها الحجيّة عقلا، إذ لا يشرّع ولا يجعل حجيّة، بل هو مجرّد مدرك. نعم، لا مانع أن يستكشف جعل الشارع، وبالتالي لا يكون مشرعا، بل هو مدرك.

وبهذا يرتفع الإشكال الذي أشكله بعض الأساطين (ره) عليه كالسيد الخوئي (ره) وغيره.

المسألة الثالثة: هل تفترق حجية الظن بين ثبوت التكليف وبين سقوطه؟

بمعنى أن الظن ليس حجّة بذاته في اثبات التكليف، وهو حجّة في إسقاط التكليف؟

بعضهم فرّق بين ثبوت التكليف وقال أنه يثبت بالظن، وبين سقوط التكليف وعدم ثبوته بالظن، وبعضهم ذهب إلى العكس أي بعدم ثبوت التكليف بالظن، سقوط التكليف بالظن.

مثلا: إذا جاء خبر واحد ثقة واخبرني بحصول زلزال ارتدادي، وقلنا بحجيّة خبر الثقة في الموضوعات لكني ظننت خلاف ذلك، وان الهزة لم تحصل فهل هذا الظن حجة في سقوط التكليف؟ يعني أن الحجة في السقوط وليس حجة في الثبوت.

ومثلا: في روايات معتبرة أن الجدّة إذا ارضعت الحفيد حرم الزوجين الأب والأم على بعضهما البعض. لكن نفسيا فيقول إن احسن طريقة للتفريق بين الزوجين هي ارضاع الجدّة للحفيد حتى ولو عن عمد.

فلو ان قائلا قال: أنني أظن أن هذا الحكم غير صحيح ولو كانت هناك رواية معتبرة.

بعضهم في الجواب قال في مبحث الخبر أنه إذا قام الظن على الخلاف هل يسقط الحجّة أو لا؟ هل هذا الظن يوجب إسقاط الحكم أو إسقاط الرواية؟ والأمثله كثيرة على ذلك.

بتعبير آخر: هل يكفي الظن بالخلاف لاسقاط الحكم بعد ثبوته بحجّة معتبرة؟ وهل هو حجّة؟

يقول السيد الخوئي (ره): هذا ونسب صاحب الكفاية (ره) إلى بعض المحققين القول بكفاية الظن في سقوط التكليف، ثم وجهه بقوله: ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المتحمل.

أقول: كيف يمكن الالتزام بكفاية الظن في سقوط التكليف مع عدم كونه حجة من قبل المولى؟ وكيف يكون العبد معذورا في ترك الامتثال بعد ثبوت التكليف على تقدير مخالفة ظنه للواقع؟ ولم يلتزم بها أحد من العلماء فيما نعلم، بل لا نظن أن يلتزم بها عالم. [3]

هذا الكلام متين. غير أن السيد الخوئي (ره) عقب ذلك بقوله:

" وأما ما ذكره صاحب الكفاية من التوجيه فهو أجنبي عن المقام، إذ الخلاف في لزوم دفع الضرر المحتمل وعدمه إنما هو في الضرر الدنيوي لا في الضرر الأخروي، فإنه لم يخالف أحد في لزوم دفع الضرر المحتمل الأخروي مع تنجز التكليف.

 


[1] دليل الانسداد على خمس مقدمات: انسداد باب العلم والعلمي، عدم امكان إجراء الأصول العمليّة والاحتياط بقاء التكاليف، إذن لا بد من عمل وهو العمل بالظن. المحقق القمي هو الذي ركّز دعائم دليل الانسداد ورتبه في كتاب " القوانين ".

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo