< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن:

     مباحث الظن.

     المسألة الثالثة: هل تفترق حجية الظن في ثبوت التكليف وبين سقوطه؟

     قيل ان الظن حجة في اسقاط التكليف لا في اثباته.

     الوجه في ذلك بنظرنا.

     الوجه في ذلك بنظر صاحب الكفاية (ره).

     اشكال السيد الخوئي (ره) على صاحب الكفاية، والتعليق عليه.

     النتيجة: الظن ليس حجة ذاتيّة، بل تحتاج حجيته إلى دليل.

تعقيبا على ذهاب البعض إلى أن الظن حجّة في السقوط دون الاثبات، نعود لكلام السيد الخوئي (ره) وإلى ما علّله صاحب الكفاية (ره) بعدم لزوم دفع الضرر المحتمل، مثلا اظن في فعل أو أمر فيه ضرر محتمل كمعصية فلا يجب عليّ أن ادفع الضرر.

يقول السيد الخوئي (ره): هذا ونسب صاحب الكفاية (ره) إلى بعض المحققين القول بكفاية الظن في سقوط التكليف، ثم وجهه بقوله: ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المتحمل.

أقول (السيد الخوئي): كيف يمكن الالتزام بكفاية الظن في سقوط التكليف مع عدم كونه حجة من قبل المولى؟ وكيف يكون العبد معذورا في ترك الامتثال بعد ثبوت التكليف على تقدير مخالفة ظنه للواقع؟ ولم يلتزم بها أحد من العلماء فيما نعلم، بل لا نظن أن يلتزم بها عالم. [1]

مثلا: في روايات معتبرة أن الجدّة إذا ارضعت الحفيد حرم الزوجين الأب والأم على بعضهما البعض. لكن نفسيا فيقول إن احسن طريقة للتفريق بين الزوجين هي ارضاع الجدّة للحفيد حتى ولو عن عمد.

فلو ان قائلا قال: أنني أظن أن هذا الحكم غير صحيح ولو كانت هناك رواية معتبرة، هذا الظن كاف في اسقاط التكليف.

ومثال آخر توجد مسألة في مباحث خبر الواحد أنه إذا قام الظن على خلاف الخبر هل يسقط حجيّته أو لا؟ هل هذا الظن يوجب إسقاط الحكم أو إسقاط الرواية؟

بتعبير آخر: هل يكفي الظن بالخلاف لاسقاط الحكم بعد ثبوته بحجّة معتبرة؟ وهل هو حجّة؟

الوجه في أن الظن بالخلاف يؤدي إلى سقوط الحجّية، ان الخبر حجيته من باب الظن المعتبر، ولو لم يكن مظنونا الله عز وجل لم يجعل له اعتبار، فالظن بالخلاف يسقطه، لان موضوع حجيّة الخبر المظنون سقطت مع الظن بالخلاف -نحن رفضنا هذا الكلام – ولذلك قال بعضهم أن الشهرة حجّة لانها تؤدي إلى ظن أقوى من الخبر.

واحتمال ان يكون ما ذكرناه هو السبب في ذهاب البعض إلى حجيّة الظن في السقوط وليس ما ذكره صاحب الكفاية (ره).

وهذا الكلام متين، على مبناهم، أي إذا قلنا بأن الامارات حجّة من باب الظن، أي أصبح الظن جزء من موضوع الحجيّة ومع الظن بالخلاف، يكون الظن بالموضوع وهو الحجية قد انتفى، فبذلك يكون الظن بالخلاف مسقطا للتكليف حتى لو كان التكليف قد ثبت. بعبارة اخرى: قد تبدل موضوع الحجيّة للظن.

والانصاف أن كلام السيد الخوئي (ره) متين، ولكن على مبناه، وقد عقّب على ذلك بقوله:

" وأما ما ذكره صاحب الكفاية من التوجيه فهو أجنبي عن المقام، إذ الخلاف في لزوم دفع الضرر المحتمل وعدمه إنما هو في الضرر الدنيوي لا في الضرر الأخروي، فإنه لم يخالف أحد في لزوم دفع الضرر المحتمل الأخروي مع تنجز التكليف".

كان الادعاء من البعض انه مع ثبوت الظن بالخلاف سقط التكليف عن التنجير، هذا الكلام على مبناهم صحيح، لكننا نقول بان الخبر، والشهرة، وادلّة الحجيّة حجّة من باب الظن.

يقول السيد الخوئي (ره): الا ترى أنه ليس في كل واحد من أطراف العلم الاجمالي وفي الشبهة الحكمية قبل الفحص الا احتمال الضرر، ومع ذلك أوجبوا الاحتياط في الأول (العلم الاجمالي، ونحن قلنا ان المخالفة الاحتمالية جائزة فالاحتياط مبناه وليس مبنانا) والفحص في الثاني (أي الشبهة الحكمية، فلا يجوز الاقتحام، وذلك ما عبّر عنه الشيخ الطوسي (ره) بأصالة التوقف، السيد الشهيد الصدر (ره) بحق الطاعة لان الاحتمال منجّز على مبناه). وليس ذلك إلا لوجوب دفع الضرر المحتمل. هذا مضافا إلى أن الالتزام بعدم وجوب دفع الضرر المحتمل- ولو كان أخرويا- يستلزم الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي أيضا، (ونحن قلنا بأن الامتثال الاحتمالي لا يكفي، وهو واضح الفساد بل ضروري البطلان. [2] انتهى كلامه رفع مقامه.

وملخص كلام السيد الخوئي (ره) في ثلاث نقاط:

الاولى: التفصيل بين الضرر الدنيوي والضرر الأخروي، فالثاني لا شك في وجوب دفعه ولو كان احتمالا، نعم وقع الكلام في الأوّل.

الثانية: إن عدم جواز ارتكاب احد أطراف العلم الإجمالي دون الآخر ليس إلا للزوم دفع الضرر المحتمل.

الثالثة: من لوازم عدم وجوب دفع الضرر الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي وهو باطل قطعا.

ولنأخذ بالنقد على هذه النقاط الثلاث:

أما الأولى: وهي التفصيل بين الدنيوي والأخروي، فلا فرق بينهما، لأن وجوب دفع الضرر المحتمل وغيره أمر عقلي، والعقلاء لا يفرّقون بين الضررين، والآية الكريمة تشمل باطلاقها الاثنين معا: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [3] والظاهر أنها نهي إرشادي إلى ما يحكم به العقلاء.

والسيد الخوئي (ره) ذكر انه لا خلاف في وجوب دفع الضرر المحتمل ان كان اخرويا. الكلام صحيح عند الاخباريين لكن عند الاصوليين غير سليم، ما معنى "قبح العقاب بلا بيان"؟ يعني أنه لا يجب دفع الضرر المحتمل، واكثر الاصوليين يقولون "بقبح العقاب بلا بيان".

فالقول بعدم الخلاف فيه تأمّل.

أما النقطة الثانية: وهي عدم جواز ارتكاب احد اطراف العلم اإجمالي أو الشبهة الحكميّة قبل الفحص، وذلك ليس إلا للزوم دفع الضرر المحتمل.

ففيها: أنه على مبناه من كون العلم الاجمالي علّة تامّة في التنجيز فيجري الاحتياط، وقد بيّنا فساده. وللأسف أنه أرسله إرسال المسلمات، بالاضافة إلى أن ما ذكره يؤدي إلى الالتزام بمسلك حق الطاعة، وقد بيّنا أنه صحيح بالنسبة للموالي العاديين دون ربّ العالمين الذي هو أرحم الراحمين، إذ أن هذا الوصف " أرحم الراحمين " لا يتناسب مع العقاب على مجرّد احتمال المعصية.

النتيجة: الظن ليس حجّة ذاتيّة وبنفسه كالقطع، ولا بد من دليل على حجيّته، سواء أكان عقليا أم شرعيا.

نعم ذكر بعض الاساطين (ره) أن حجيّة الظن منحصرة بالدليل الشرعي. ولكن نحن قلنا أنه لا مانع من أن يكون ايضا عقليا بمعنى أن العقل يدرك أن الشارع اعتبره.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo