< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن:

     مباحث الظن.

     المسالة الرابعة: إمكان التعبد بالظن.

     الفرق بين قول الشيخ الانصاري (ره): "بناء العقلاء على الحكم بالامكان ما لم تثبت الاستحالة"، وقول الشيخ ابن سينا:" كل ما قرع سمعك فذره في بقعة الامكان ما لم يذرك عنه واضح البرهان".

     الاشكالات الثلاثة لصاحب الكفاية على الشيخ الانصاري، واشكال الشيخ النائيني كذلك.

     تأييد السيد الخوئي للشيخ الانصاري وبيان مراده.

     حلّ المسألة من جذورها، وان ما لا كشف له لا يمكن ان يكون حجّة، وما له شيء من الكشف فيمكن ان يمكن حجّة.

قلنا ان الشيخ الانصاري (ره) ذهب إلى إمكان التعبد بالظن بدعوى أن بناء العقلاء على الحكم بالإمكان ما لم تثبت الاستحالة، أي كل شيء يمكن أن يكون حجّة تعبدا ما لم تثبت استحالة ذلك، ومن ذلك الظن.

بعبارة أخرى هناك عموم عقلائي: "كل أمر يطرق سمعي فهو ممكن بالامكان الوقوعي إلا ان يثبت دليل على الاستحالة أو على الضرورة".

هنا ما هو الفرق بين كلام الشيخ (ره) وكلام الشيخ الرئيس ابن سينا: " كل ما قرع سمعك فذره في بقعة الامكان ما لم يذدك عنه ساطع البرهان". كانما بدوا لا فرق بين الكلامين، والفرق ان الممكن في كلام ابن سينا بمعنى المحتمل، وليس بمعنى الامكان الذاتي الذي هو سلب الضرورتين أو الامكان الوقوعي الذي بذاته ممكن لكن يلزمه محاذير.

أما الامكان عند الشيخ الانصاري (ره) عندما قال: أن الاصل عند العقلاء هو الامكان إلا ان تثبت الاستحالة التي هي مقابل الامكان التي هي سلب احدى الضرورتين الامكان العام هو سلب الضرورة عن الطرف المقابل، فهو الامكان الذاتي أو الوقوعي، وليس بمعنى الاحتمال أي كل شيء يمكن أن يكون حجّة تعبدا ما لم تثبت استحالة ذلك، ومن ذلك الظن.

وقلنا أن المراد هو الإمكان الوقوعي الذي لا يلزمه محذور -وسنذكرها-.

صاحب الكفاية (ره) أشكل على الشيخ الانصاري (ره) بثلاثة إشكالات ملخصها:

1- ثبوت الأحكام فرع ثبوت موضوعها، ومع الشك في إمكان التعبد بالظن أشك في ثبوت موضوع الأحكام فلا تترتب.

أي أنك وفي حال الشك أنت تثبت الحكم على موضوع مشكوك، فالاحكام فرع ثبوت موضوعاتها، والكلام في هل يمكن التعبد بالظن أي مع الشك بالامكان فكيف تدّعي أن بناء العقلاء على ثبوت إمكان التعبد بالظن؟

2- لو سلّم ذلك فإنه لم يثبت دليل على حجيّة هذا البناء شرعا، لعدم قيام دليل قطعي عليه، ولا يكفي الظن بذلك إذ الكلام في حجيّة الظن، فيكون من باب المصادرة على المطلوب.

3-لا ثمرة في هذا البحث بعد ثبوت حجيّة بعض الظنون الخاصّة وأقلها ثبوت خبر الواحد، والوقوع أخص من الإمكان، وهو خير دليل عليه.

الشيخ النائيني (ره) سلّم مع صاحب الكفاية (ره) وزاد إشكالا رابعا:

    1. وهو: إن بناء العقلاء على الإمكان هو في الإمكان التكويني لا التشريعي الذي هو محل الكلام.

ونقول: أنه لا موضوع لهذه المسألة أصلا، لأن الأمور على قسمين:

     إما أن يكون لها نحو من الكشف كالقطع والظن، فلا شك في إمكان التعبد بها.

     وإما ان لا يكون لها كشف أصلا فلا يمكن التعبد بها، لان التعبد بالظن إنما يكون بما هو كاشف لمجرّد العمل به، أي بما هو أمارة.

وبهذا ينتفي موضوع هذه المسألة إذ الكشف وعدمه أمر تكويني معلوم واضح، والظن فيه كشف فلا شك في إمكان التعبد بها.

تأييد السيد الخوئي (ره) للشيخ الانصاري (ره):

يقول: هذا والانصاف تماميّة ما ذكره الشيخ الانصاري (ره) ولا يرد عليه شيء من هذه الاشكالات، وذلك لان ما ذكره صاحب الكفاية (ره) وبنى عليه أن يكون مراد الشيخ (ره) هو البناء على الامكان مطلقا ولكن الظاهر أن مراده هو البناء على الامكان عند قيام دليل معتبر على الوقوع، كما إذا دلّ ظاهر كلام المولى على حجيّة الظن، ولا أقل من احتمال ذلك في كلام الشيخ (ره)،...

بيان كلامه: توجيه الكلام، أي بعد ثبوت دليل بالتعبد هل يمكن هذا الدليل أن يقع أو لا؟ مثلا ورد دليل على أن نصدّق العادل بخبر الواحد أو مثلا الشهرة: "خذ ما اشتهر بين اصحابك" ، لكن بعد ما ثبت الدليل الشرعي هل هذا ممكن أو لا؟ فإذا كان غير ممكن نحتاج إلى تأويل الدليل، وهذا هو مراد الشيخ الانصاري (ره) من قوله: "كل شيء ممكن ما لم تثبت الاستحالة عند العقلاء ".

لذلك قال السيد الخوئي: ... وحينئذ تترتب الثمرة على البحث عن الإمكان والاستحالة:

إذ على تقدير ثبوت الامكان لا بد من الأخذ بظاهر كلام المولى والعمل بالظن.

وعلى تقدير ثبوت الاستحالة لا مناص من رفع اليد عن الظهور للقرينة القطعيّة العقليّة، كما -ومن باب التقريب- لو ورد في القرآن الكريم: ﴿يد الله فوق أيديهم﴾ وبعد هذا الورود اشك في إمكانه، فإذا ثبت الاستحالة فلا شك في لزوم رفع اليد عن ظهور الآية. ولا بنبغي الشك في أن بناء العقلاء - من قبيل ان الله عز وجل ليس له يد - في مثل ذلك على الامكان والعمل بالظاهر ما لم تثبت الاستحالة،...

فتاويل بناء العقلاء عند السيد الخوئي (ره) اصبح " كل ما ورد فيه دليل شرعي فهو ممكن" وليس كما ذكره الشيخ النصاري (ره)" كل ما ورد عند العقلاء" مع هذا التوضيح يكون كلام الشيخ صحيحا ولا صحة لاشكال صاحب الكفاية الذي اشكل على أصل الموضوع وهو الادعاء بان العقلاء يبنون على إمكان التعبد بالظن.

وكلام السيد الخوئي (ره) يوضح ان مراد الشيخ هو انه بعد ثبوت الدليل الشرعي على حجيّة الظن فإذا كان ممكنا عملنا بالدليل، وإذا كان مستحيلا فلا بد من رفع اليد عن الدليل الشرعي وتأويله أو ارده فاقول: " علمه عند خالقه".

يكمل السيد الخوئي: فلو أمر المولى عبده بشيء وشك العبد في إمكان وجوبه واستحالته لاحتمال أن يكون ذا مفسدة، واستحال ان يأمر المولى العالم الحكيم بما فيه المفسدة، فاحتمل لا يكون ظاهر الكلام مراده، وأن يكون أمره للامتحان أو لغيره مما ليس فيه طلب جدّي، فهل يشك أحد في بناء العقلاء على الأخذ بظاهر كلام المولى وعدم الاعتناء باحتمال الاستحالة، وهل يشك أحد في إمضاء الشارع لهذا البناء من العقلاء فاندفع جميع ما ذكره صاحب الكفاية (ره) من الوجوه الثلاثة.

وتعليقنا على ذلك: إننا لا نرى أن الظاهر من كلام الشيخ هو أن المسألة بعد قيام الدليل المعتبر على الوقوع، بل الكلام في أصل الإمكان مع غض النظر عن الوقوع وعدمه. ومن أراد التوسع في الاشكالات وردّها فعليه بالمطولات والتقريرات.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo