< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن:

     انفتاح باب العلم، تارة نتكلم على السببيّة وتارة على الطريقيّة.

     الإشكالات الثلاثة للقول بالسببيّة وكيفية الخروج من إشكالات ابن قبة وغيره.

 

بعد التذكير بما مرّ على تقدير انسداد باب العلم، وما ذكر من اشكالات ابن قبة وغيره على حجيّة الظن من انه يؤدي إلى تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة أو يؤدي إلى اجتماع المثلين أو اجتماع الضدين. بيّنا كل هذه الاشكالات وبيّنا الجواب عليها وعلى قابلية أو فعليّة ان يكون الظن حجّة. وبيّنا تفصيل السيد الخوئي (ره) بقوله ان هناك حالتان: حالة انفتاح باب العلم وحالة انسداده، وان هناك صور ثلاثة في حالة انسداد باب العلم وبيّناها. كل ما مرّ على تقدير انسداد باب العلم.

اما عند تقدير انفتاح باب العلم، مثلا أنا أستطيع أن أصل إلى الواقع لكن لم أفعل أي جهد للوصول إليه، بل اتكلت على خبر. والامثلة كثيرة على ذلك، أنا أستطيع أن اعلم بأن هذه النقطة الحمراء دم أم لا بالرجوع إلى المختبر لاعلم على نحو اليقين بأنها دم، ولكن اتكلت على خبر، وخبر الواحد ظني يحتمل الخلاف واتكلت عليه. أو اتكل على بعض الاصول الظنية مثلا واقول في هذه الحالة ان الاصل عدم كونه دما والاصل الطهارة للدم المشكوك مع العلم أنني استطيع أن استعلم عن الحال.

فهل يصح أن يكون الظن حجّة في حال انفتاح باب العلم في الموضوعات أو الاحكام ؟

فتارة نتكلّم بناء على السببية، وتارة نتكلّم على الطريقيّة.

أما بناء على السببيّة فنقول باختصار من باب التذكير:

السببية لها ثلاثة معان:

الاول: انه ليس لمتعلّق الاحكام مصلحة في نفسه، بل قيام الأمارة يوجب قيام مصلحة فيه.

وبهذا ترتفع فيه إشكالات ابن قبة من رأس، فإنه ليس فيه تفويت للمصلحة، إذ لا مصلحة إلا في ما قامت عليه الأمارة، وهكذا الكلام في الاشكالات الأخرى، إلا أن هذا الفرض من التصويب الباطل إجماعا، الذي يقول من أنه ليس في الواقع حكم مع قطع النظر عن الأمارة، وأنه لا حكم إلا ما حكم به المجتهد، بل هذا الفرض مرفوض وغير معقول، إذ بحث المجتهد يكون عن أمر معدوم مع أنه خلاف طبيعة الامارة التي هي مجرّد كشف عن واقع وليست هي الواقع. وهذا الفرض منسوب إلى الاشاعرة.

الثاني: السببيّة بمعنى وجود مصلحة خاصّة في المتعلّق إلا أنه مع قيام الامارة تقوم مصلحة أخرى غالبة، وينقلب الحكم معها إلى ما قامت عليه الامارة. وهذا المعنى يتفق مع التصويب المنسوب إلى المعتزلة [1] ، وهو فرض ممكن عقلا وترتفع به إشكالات ابن قبة ايضا من رأس، إذ مع قيام الامارة لا يبقى سوى مصلحة واحدة غالبا، وحكم واحد.

إلا ان هذا المعنى باطل إجماعا عندنا، لان معناه أن الاحكام مختصة بالعالم، لان المصلحة الغالبة إنما تكون مع وصول الامارة، أي مع علم المكلّف، ذلك ان الروايات عندنا دالة على اشتراك الاحكام والمصالح بين العالم والجاهل، ولكنّ هذا المعنى خلاف طبيعة الامارة عقلائيا لانها لا تؤسس مصلحة بل هي مجرد كشف، حيث أن الواقع لا يتغيّر بحسبه. فمثلا: ورد عن الامام الصادق (ع) ان أكل السفرجل للحامل يؤدي ان يكون الولد جميل الملامح، فاكل السفرجل يؤدي إلى جمال الولد سواء علمت بالرواية أم لم اعلم، فواقع الامور أن اكل السفرجل مصلحة واقعية يؤدي إلى حسن الصورة للولد.

فكلام المعتزلة يؤدي إلى أن المصالح مختصّة بالعالم.

المعنى الثالث: السببيّة بمعنى المصلحة السلوكيّة التي اسسها الشيخ الاعظم الانصاري (ره)، والمراد بها أن في العمل على طبق الامارة مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع على تقدير المخالفة.

وباختصار: هذه المصلحة إما أن ترجع إلى نفس المتعلّق، أو إلى نفس سلوك الامارة عموما.

فإذا رجعت إلى نفس المتعلّق فهي حينئذ من السببية بالمعنى الثاني المعتزلي والاشعري، وهو باطل كما ذكرنا.

وإذا رجعت إلى العمل بالامارة عموما مصلحة نوعية وهي انه لا طريق لنا إلا الامارة لمعرفة الاحكام، فالعقلاء اخترعوا الامارات وجعلوها حجّة لاجل تبادل المعلومات، ولانها أيسر وأقرب للواقع عملوا بها، فلاجل هذا المعنى رجعت إلى الطريقيّة، ولا مجال للقول بالمصلحة السلوكية حينئذ،كما سنبيّن ذلك، وهو المختار.

وهذا كلّه على القول بالسببيّة. اما على القول بالطريقيّة فنقول:

 


[1] الفرق بين الامامية والمعتزلة من جهة والاشاعرة من جهة اخرى : ان الامامية تقول ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد، اما الاشاعرة فتقول تقول ان الاحكام تابعة للحب والبغض، فإذا احب الشارع امرا قامت مصلحة فيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo