< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/10/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن:

     الاصل عدم حجية الظن.

     منشأ هذا الاصل هل هو العقل أم العقلاء، أم النقل؟

     هل النصوص الناهية عن العمل بغير العلم مولوية أم إرشادية.

     الثمرة من هذا البحث.

 

بعد ما بيّنا ان لا مانع من حجيّة غير العلم لان الاصل ان العلم هو الحجّة اما الظنون بمختلف اسبابها سواء كان بنفسه أو بسبب خبر الواحد أو الشهرة وغيرها هل يمكن ان تكون حجة أو لا؟ انتهينا انه لا مانع من الحجيّة، لانه ليس هناك مانع عقلي من الحجيّة، وذكرنا لان الامارات لا تنشأ حكما لا واقعيا ولا ظاهرا اصلا، فينتفي حينئذ اشكال اجتماع الضدين أو المثلين، وبيّنا الجواب على اشكال تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة، وكل ما يمكن ان يقال اشكالا على ذلك.

تاسيس الأصل:

لكن الاصل ما هو، الحجيّة أم عدم الحجيّة؟

لا شك ان الأصل عدم الحجيّة إلا ما قام الدليل على حجيّته، لكن الكلام لماذا؟

هل هو أصل عقلي، أم أصل عقلائي، أم هو من النصوص؟

وسبب البحث في اصالة عدم حجية الظن، لانه إذا كان عقليا فلا يمكن ان يخصص، وإذا كان نقليا أمكن ان يخصص. وهذه النقطة مهمة في اتجاه البحث في كل العلوم، مثلا في الفقه: هل الجهة تملك أم لا تملك؟ قالوا انه يمكن ان تملك لكن لا دليل على تملكها. لكن نحن نقول العكس اتجاه البحث ان نأتي بدليل على اسقاط الملكيّة. وهذه النقطة بالبحث لها أثر مهم جدا في كل الاستنباطات والابحاث في كل العلوم.

نعم، وقع الكلام في عدّة أمور كآثار الحجيّة وهل تشمل جانب المنجزيّة والمعذرية صحة اسناد الامارة إلى الشارع.

ونقول فيها ملخصا: إن اسنادها إلى الشارع بمعنى انها هي الواقع والحكم الواقعي هو أمر يرفضه الوجدان، فإن الحجيّة لا تخرج متعلقها عن كونه مظنونا، نعم يصح إسنادها بمعنى أنها الأحكام التي توصلنا إليها عبر الادلة.

مثلا لو فرضنا أن شخصا يده على بيت، هل تستطيع أن تقول أنه هو صاحب البيت ومالكه أو لا هو شاغل للبيت؟

فإذا كنا في مقام الدعوى هل نستطيع أن نشهد أن هذا البيت له، أو تقول أن البيت بحسب الادلّة الشرعية والظاهر أنه لفلان؟ [1]

فلننقل الكلام إلى ما وقع بين الأعلام في منشأ الاصل المذكور، وقد استدل عليه بأمرين:

الاول: حكم العقل، والثاني: النقل.

أما حكم العقل: إذ العقل لا يرى لغير العلم اعتبارا وحجيّة، وغيره لا اعتبار فيه، فالظن مهما عظم او زاد او نقص العقل لا يقول بحجيّته ولا اعتبار فيه.

وقلنا أن العقل ثبت لي قابلية حجيّة الظن، وليست بمعنى المقتضي لان المقتضي مع عدم وجود المانع يصبح حجّة، هناك فرق بين القابلية والمقتضي، نعم تحقق الحجية يحتاج إلى دليل. وهذا أمر لا يحتاج إلى بيان والمزيد من البرهان.

أما النقل: وهو ما ذكر من الآيات الناهية عن العمل بغير العلم أو العمل بالظن، كقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ [2] وكقوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ [3] .

الظن في اللغة يستعمل استعمالات متعددة بمعنى الحدس أو الاستحسان أو احيانا بمعنى القطع والعلم، أو بمعنى الظن المنطقي، أو بمعنى الفكر الخاص الشخصي. نفهم من ذلك ان المراد من الظن كل ما قابل العلم، فالمراد ما لم نقطع ونعلم به سواء كان ناشأ عن هوى شخصي أو انه مجرّد ظنون.

نعم، وقع الكلام في كونها إرشادية إلى حكم العقل أو مولويّة، والثمرة حينئذ أنها لو كانت إرشادية لما امكن تخصيصها، إذ لا معنى لتخصيص حكم العقل، بل لا يمكن ذلك.

قد يقال: مثلا الصدق حسن عقلا ولكن احيانا يكون قبيحا إذا أدى إلى ضرر، مثلا: مجاهد مقاوم وقع في اسر الاعداء، هل يبوح عن زملائه ويكون صادقا لان الصدق حسن عقلا أم هنا يحوز له ان يكون كاذبا لان الكذب هنا يحمي زملائه، كما ان الكذب في اصلاح ذات البين جائز.

نقول ان الصدق فيه مقتضي الحسن، والمقتضي لا مانع ان يكون هناك مانع منه لان حكم العقل يقبل الموانع، ولا يقبل التخصيص، فالعقل حكم بثبوت مقتض لحسن الصدق، وهذا لا يمكن تخصيصه، نعم لا مانع متن ثبوت مانع لتأثير المقتضي كما ذكرنا في المثال. وهذا بخلاف حسن العدل، العدل حسن ولا يمكن ان يكون إلا حسنا، لان تعريف العدل هو وضع الشيء موضعه، وهذا لا يمكن تخصيصه عقلا، وكذلك في الظلم الذي هو وضع الشيء في غير موضعه وهو دائما قبيح، فهو علّة تاّمة للحسن والقبح، بخلاف الصدق والكذب، احيانا يكون الكذب جائزا لوجود مانع من حجيته وهو اصلاح ذات البين. أو ان الصدق هناك مانع من حسنه هو الضرر الكبير.

فالظنون هل هي إرشادية إلى حكم العقل أو مولويّة، فإذا كان حكما عقليا فهو يأبى التخصيص، اما إذا كان حكما مولويا امكن تخصيصه.

اما لو كانت مولويّة فهل يمكن تخصيص هذه الآيات، هل يمكن تخصيص بعض الظنون؟

وقع الكلام بين العلمين: الشيخ الانصاري (ره) وبين الميرزا النائيني (ره) كما سنرى. حيث قال الشيخ الاعظم انه يمكن أن تخصص، والميرزا النائيني قال بعدم الامكان. وسنذكر كلامهم ملخصا.

المختار: انها ارشادية إلى حكم العقل لأمرين:

الأول: أن العقل يحكم بذلك كما ذكرنا وهو ان الظن ليس حجّة ولا يتبع، فى داعي لتأسيس حكم مولوي جديد.

والثاني: أن بعضها جاء في مقام الجواب والاعتراض على الكفار، ولا معنى للاعتراض والجواب إلا أن يكون بما عندهم، أي بما يحكمون به، من قبيل: " من فمك ادينك ". فالنقاش بين وبين اهل الكتاب يكون بما عندهم وبمسلماتهم من التورلااة والانجيل والنقاش، أو مع بعض ابناء العامّة نناقشه بالقرآن أو بما في كتاب البخاري وكتاب مسلم، ولا نناقشه باحاديثنا، فالمفروض ان نحجّه بما عنده.

المشترك بيننا وبينهم وبين البشر عامّة هو الامور العقليّة والعقلائية، فإذا حاججنا يجب ان نحاجج عقلا.

ولو كانت مولويّة، أي كان عدم جواز العمل بالظن مولويا تكليفيا وذلك للنصوص السابقة الذكر لما صحّ اعتراض القرآن الكريم على الآخرين.

نعم، لو كانت مولويّة فهل يصح تخصيصها.

وقع الكلام في ذلك بين الأعلام.

 


[1] وردت روايات في ذلك، وتوجيهها في محلّها، وملخصه ان صحة الشهادة هي بلحاظ المركز في أذهان الناس، وإلا لو اشترط العلم الواقعي لكان من النادر قيام شهادة واحدة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo