< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/10/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن:

     هل حجية الظهور مشروطة بالمقصودين بالافهام دون غيرهم؟

     هل الظواهر مشروطة بالمشافهين دون غيرهم؟

     سيرة العقلاء وهي العمدة في المقام عدم الاشتراط في كلا الأمرين.

 

نعود للأمر الثاني: هل حجية الظهور مشروطة بالمقصودين بالافهام دون غيرهم؟

لا شك في عدم اشتراط ذلك وإن ذهب إليه صاحب القوانين (ره)، وذلك للسيرة العقلائية بالعمل بالظواهر، وهي العمدة في المسألة. وقلنا أن علم الاصول يعيشه الناس سهل صعب، سهل إذا ارجعناه إلى طبيعته، وهو عبارة عن قواعد عامّة للبشريّة تسير عليها، وفيها التزاحم والتعارض والعام والخاص وغير ذلك. ونحن افردنا درسا خاصا في أنه عندما نبحث مسألة نبحث في أي خانة نضعها، إذا كانت من الظواهر نضعها في خانة مباحث الالفاظ، ولا مانع من ‘شكالات فلسفيّة عقلية، لكن المدار في حسم النزاع هو الظهور.

ولذلك العمدة في المسألة هي سيرة العقلاء في المحاورة، ولا شك في عدم تقييد موضوع حجية الظهور مشروطة بالمقصودين بالافهام دون غيرهم.

ألا ترى لو أن رجلا أرسل عينا "جاسوسا" على قوم، فاسترق السمع وسمعهم، ألا يأخذ بظواهر كلامهم ويبني عليها؟ ولو لم بين عليها كان مؤاخذا؟ وهو ليس مقصودا بالكلام طبعا، فلو سمعهم مثلا يقولون أننا سنهاجم يوم غد، وكلمة "غد" ظاهرة في اليوم التالي، ويحتمل كونها لمطلق المستقبل، مع الشك ألا يبني على الظاهر، ولو عمل بخلافه ألا يكون مؤاخذا؟ إذ الفرض أن المتكلّم في مقام بيان.

النتيجة أن المقصود بالافهام ليس نفس المخاطب.

نعم قد يقال: يحتمل أن يكون المتكلّم قد نصب قرينة خاصّة مختصّة بالمقصود إفهامه، وبذلك لا يستطيع أن يأخذ ويعمل بالظاهر؟

والجواب: لو احتمل ذلك فالاصل عدم القرينة عقلائيا، كما أن الاصل عدم الغفلة من المتكلّم عن إقامة القرينة على خلاف ظاهر كلامه، كذلك عدم السهو من التفات السامع، وكلها اصول عقلائية.

ذكرنا سابقا أن الخبر الواحد لا يمكن الأخذ به إلا باجراء أربعة أصالات: أصالة الجهة، وأصالة السند، وأصالة التطابق، وأصالة الدلالة. هذه الاصول لا بد من إعمالها حتى نستطيع أن نأخذ بالخبر من، جملتها اصالة السند، ومعناها انه من المفروض ان لا يكون الثقة غافلا لان قد يسهو أو ينسى أو يخطأ أو يلعب به الشيطان لاجل اهوائه. لكن هذا الاصول ليس اصولا عمليّة، بل هي امارات بنى عليها العقلاء، لذلك في اصالة عدم نقل الالفاظ من الماضي إلى الحاضر بعضهم توهم انها من استصحاب القهقرى، فالاستصحاب أصل عملي وهذه امارة عقلائة مرتبطة بالواقع وتكشف عن واقع، ويعملون عليها لتتميم الحجيّة.

نعم، يستثنى حالة واحدة وهي ما كان ديدن المتكلّم تأجيل البيان والقرينة، أي الاتكال على القرائن المنفصلة؟ كما يقال في بيان الاحكام الشرعية، مثلا: في قول الشارع المقدس: ﴿اقيموا الصلاة﴾، "﴿وآتوا الزكاة﴾" ثم بيّن بعد ذلك التقاصيل والقيود. وان كان ان كلتا الآيتين مأخوذتين على نحو القضيّة المهملة، أي على اصل الموضوع وليس على نحو القضية المحصورة. فالعام والخاص يأتي على القضيّة المحصورة، العام ويليه الخاص.

وهذا يؤدي كما قالوا إلى الفصل بين المراد الجدي والاستعمالي، فالمراد الاستعمالي هو العموم ثم يأتي التخصيص لبيان المراد الجدي كما هو مشهور المتأخرين. ومن كان ديدنه ذلك لا يمكن الأخذ بظواهر الكلامه، فلا يمكن الاخذ بالعمومات ولا بالاطلاقات فيجب أن انتظر المخصص.

ونقول: في هذه الحالة إن كثر اعتماده على القرائن المنفصلة فالسيرة العقلائية لا تأخذ بظاهر كلامه حينئذ إلا بعد الفحص عن القرينة، بعبارة اخرى: من كان ديدنه تاخير البيان والقرائن كما لو اتى مطلق ثم تلاه مقيّد، النتيجة ليس رفع الظاهر بل المطلوب عقلائيا ان ابحث عن القرنية حينئذ. كما قد يقال هذا في سيرة النبي (ص) والأئمة (ع) حيث إن كثيرا من العمومات خصصت ببيانات منفصلة. وفي هذه الحال لا بد من الفحص، نعم بعد الفحص وعدم العثور على المخصص أو المقيّد أو القرينة على المجاز يؤخذ حينئذ بالظاهر سواء كان عاما أو مطلقا أو حقيقة.

واعتقد أن هذا البيان كاف لردّ ما قيل في توجيه كلام صاحب القوانين (ره).

الاخذ بالظاهر مسألة وجدانية عمل عليها العقلاء، واحتمال القرينة الأصل عدمه عند العقلاء، وفرق بين اصالة عدم القرينة وأصالة عدم القرينية فالاولى إذا كان هناك أمر موجود وأشك في كونه قرينة على التخصيص، والثاني إن كان شكا في الوصف، ليس عند العقلاء أصالة عدم القرينية لهذا الموجود، أما إذا شككت في أصل وجوده، أي وجود القرينة، فالأصل عدم القرينة عند العقلاء.

الامر الثالث: هل الظواهر مشروطة بالمشافهين دون غيرهم؟

إذا كان كذلك فنحتاج حينئذ إلى قاعدة الاشتراك في الاحكام، اي ان الصحابة مثلا إذا استظهروا معنى فاني اتبع استظهارهم وهو يكون الدليل عليّ ولا يحق لي ان استظهر. فهذا الشرط يجعل من فهمنا للقرآن والسّنة بلا قيمة وليس فهمي حجّة عليّ.

الظاهر من سيرة المحاورة - وهي العمدة كما ذكرنا- عدم اشتراط ذلك. فحجية الظواهر جعلناها في خانة مباحث الالفاظ وليست مسألة عقلية، فالعمدة هم اهل المحاورة وسيرة الناس في كيفية الفهم، والظاهر منهم عدم اشتراط ذلك.

ألا ترى أن الناس تأخذ بظواهر كلام اصحاب الكتب ممن سبقهم سواء كان كتابا في الشريعة أو التاريخ أو الفيزياء أو الكيمياء أو غير ذلك، فيأخذون بظاهر كلام مؤلفيها من دون تردد. مع العلم انهم غير مشافهين ولذلك لا يجوّز من ذهب إلى هذا الشرط الأخذ بظواهر القرآن الكريم وكتب الحديث، لان الأئمة (ع) كانوا يخاطبون المشافهين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo