< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اصول

- الكلام في حجيّة ظواهر الكتاب؟

- الوجه الثالث للصغرى: القرآن له ظهور، ولكنه بحكم المجمل لا يجوز الأخذ بظواهره، بسبب كثرة التقييدات والتخصيصات الواردة في الروايات.

الجواب: هذا لا يقتضي رفع الظهور، يقتضي وجوب الفحص. والظهور يؤخذ به بعد عدم العثور على قرينة، وإجراء أصالة عدم القرينة.

- الوجه الرابع: نعلم تحريف القرآن، وسقوط آيات يحتمل في بعضها ان تكون قرينة على خلاف ظهوره ولا تجري اصالة عدم القرينيّة.

والجواب: اولا: لا تحريف بمعنى سقوط الآيات، وثانيا: لو سلّم، فماذا نفعل بعرض الروايات على القرآن إن لم يكن ظاهره حجّة؟

نكمل الكلام في عدم الأخذ بظواهر القرآن وذكرنا وجهان:

الوجه الاول: أن القرآن رموز لا نفهما، الوجه الثاني: إن القرآن مشتمل على معانٍ غامضة ومضامين شامخة لا يصل إليها الفكر البشري العادي. ورددنا الوجهين.

الوجه الثالث: القرآن له ظهور ولكنه بحكم المجمل لا يجوز الأخذ بظواهره، لاننا نعلم إجمالا بوجود القرائن الصارفة عن ظهوره كالمخصصات والمقيدات والقرائن على أن لكل عام مخصص، ووجود قرائن على المجاز. إذن كيف استطيع العمل بهكذا ظهور بحكم المجمل، من قبيل: "اكرم العلماء إلا زيدا" وزيد دار بين شخصين فصار العموم بحكم المجمل. ومثال آخر في قول الله عز وجل: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ...﴾ [1] فـ "لا اجد" عموم يشمل غير ما ذكر أنه محرّم، لكن أنا أحتمل أنه في الروايات الصحيحة المعتبرة تخصيصات تشير إلى حرمة أشياء اخرى، لكن لا أعلم ما هي هذه الروايات فلا استطيع أن أعمل بالعموم، فصار ظهور القرآن شبه المجمل، فالظهور القرآني لا يجوز العمل به لاحتمال وجود قرائن على خلافه. فكأنه لا ظهور له.

وفيه: اولا: العلم الاجمالي لا يوجب سقوط الظهور رأسا، بل يوجب الفحص عن القرائن، ومع عدم العثور عليها تخرج الظواهر من حكم الاجمال بأصالة عدم القرينة، أو بالظهور نفسه. مثلا: ﴿أوفوا بالعقود﴾ وهناك احتمال بوجود بعض المخصصات أو المقيدات بحثت عنها فلم أجد، فأخذ بالظهور، هذا هو ديدن العقلاء الذي هو ليس رفع الظهور من اساسه بل وجوب الفحص عن القرينة، فان لم أجد آخذ بالظاهر.

وثانيا: إن هذا الكلام يسري حتى على السنّة الشريفة، فإن القرائن الصارفة عن ظواهرها كثيرة، وأنتم لا تقولون بعدم جواز الأخذ بظاهر السنّة. ولذا اشتهر بين الأصوليين عدم جواز الأخذ بالعام قبل البحث عن المخصص.

الوجه الرابع: بعض الروايات دلّت على وقوع التحريف في القرآن وسقوط بعض الآيات، وما ادرانا ان هذا الساقط من القرآن قد يكون قرينة على العموم أو التخصيص، وهذه الروايات موجودة عن الشيعة والسنّة، ويحتمل أن القرآن على خلاف ظاهر الآيات من هذا السقط، فلا يصح الأخذ بالظواهر. كما ذكر في صحيح مسلم عن ابي موسى الاشعري أنه قال: فولله أنه كان هناك سورة اشد واطول من سورة براءة فقد نسيتها ولا يحضرني إلا آيتين: " قال بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن فقال أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم وانا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير انى قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ". [2]

مع وجود هكذا روايات عندهم وعندنا كما في كتاب المحدث النوري: "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الارباب". كيف استطيع أن آخذ بظهولا القرآن.

والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق: أنه في الوجه السابق نشك في اصل وجود القرائن، فيمكن إجراء أصالة عدم القرينة.

واما في هذا الوجه فاننا نعلم بوجود بعض الآيات الساقطة، ولكننا نشك هنا بالوصف أي أشك في قرينيتها. والعقلاء لا يجرون أصالة عدم القرينية، فتكون آيات القرآن مجملة لا ظاهرة، ففرق بين وجود القرينة وقرينة الموجود حيث أن العقلاء يجرون أصالة عدم القرينة دون أصالة عدم قرينية الموجود.

وفيه: أننا لا نسلّم بوقوع النقص من آيات القرآن الكريم، بل المشهور بل المقطوع خلافه، ووقوع التحريف أمر موهوم وخطأ كبير أنكره جلّ علمائنا، وقد بحثنا المسألة والشبهات فيها في رسالة: " تحريف القرآن "، وأن المراد من التحريف الوارد في بعض الروايات هو بقاء القرآن وعدم العمل به، حيث إن الوارد في الروايات ان المسلمين أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده، أي بقيت الألفاظ ولم تبق المعاني، وإلى غير ذلك. هذا اولا.

وثانيا: أن التحريف لو سلّم، لا يقدح في الظهور للروايات الدالة على وجوب عرض الاخبار على كتاب الله، فما وافقه أخذنا به، وما خالفه رددناه، والناقص لا نعلمه، فكيف نعرض الحديث عليه إذا لم يك ظاهره حجّة ؟!

هذا كله في الصغرى، أي في أصل الظهور الذي وقع دعوى عدمه.

ولكن المطلب المهم هو في الكبرى إذ هو ليس مجرّد رد على الاخباريين، فلننقل الكلام اليها.

واما في الكبرى أي أن القرآن له ظاهر، لكن ظهوره ليس حجة ولا يجوز لنا الاخذ إلا عن طريق المعصومين (ع).

واستدلوا على منه الكبرى بدليلين:

الاول: ان الظاهر من المتشابه والمتشابه لا يجوز اتباعه، إذ أن معنى المتشابه ما كان له معنيان محتملان، والمحكم ما ليس فيه احتمال الخلاف، وقد قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ [3] ، فالمحكم هو النص الذي لا يحتمل الخلاف، والمتشابه ما فيه احتمال الخلاف ويشمل الظاهر.

وفيه: ياتي غدا ان شاء الله.

 


[2] صحيح مسلم، ج3، ص100.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo